طرابلس – (رياليست عربي): يشتد الصراع في ليبيا حول مسألة انتخاب رئيس الدولة في 24 ديسمبر/ كانون الأول القادم، وينقسم الصراع إلى معسكرين، أحدهما يؤمن بضرورة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وآخر يرى بضرورة انتخابه بواسطة البرلمان.
ويرى مراقبون للشأن الليبي، بأن المعسكرين المتصارعين، أحدهما مسنود من قبل عامة الشعب؛ ويتصدره نشطاء مدنيون وبعض القيادات الحزبية والشعبية في البلاد ومناصري الجيش الليبي وهم يمثلون أغلبية في عموم البلاد، أما المعسكر الثاني المطالب بانتخاب الرئيس من قبل البرلمان؛ يتزعمه بعض قيادات الإسلام السياسي، وكذلك مجموعة من الليبيين من ذوي الجنسية المزدوجة وأغلبهم خارج البلاد الآن.
ووفق استطلاعات رأي محلية فإن انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، يراه الليبيون أنه يُعتبر هو الحل الأكثر منطقية في ظل ظروف ليبيا الحالية، لأن ذلك وفق رؤيتهم سيكون فرصة لليبيين لاختيار أداة السلطة منهم مباشرة، بعد أن فشل البرلمان وما سبقه من أجسام، وكذلك الاتفاقيات التي عقدت برعاية دولية وأممية في إيجاد سلطة قوية، تحقق طموح الليبيين في حياة يعمها الأمن والسلام والرخاء.
ومن أسباب معارضة الليبيون لانتخاب الرئيس من البرلمان، هو اعتقادهم بأن التجربة السابقة ستتكرر، وسيسيطر الإسلام السياسي على أعضاء البرلمان، وتظهر تكتلات جديدة، تستحوذ على القرار في البرلمان الجديد، وسيخرج رئيس دولة ضعيف، يكون أسير لنفس الآليات التي أفشلت كل السلطات السابقة في ليبيا، خصوصاً في ظل وجود المليشيات والقيادات الإرهابية في غرب ليبيا.
كما يذهب معارضو انتخاب الرئيس الجديد للبلاد من قبل البرلمان، أنه في حالة استمرار البرلمان الحالي، فلن يكون انتخاب الرئيس بواسطته مُرضي للشعب الليبي، فهذا البرلمان منقسم على نفسه، وهناك صراعات عديدة بين أعضائه، وأغلب النواب لو طبقت بحقهم لائحة البرلمان التنظيمية، فسيتم إسقاط كثير منهم، ولن يكون هناك سوى بضع عشرات من النواب كأعضاء رسميين يمتلكون حق تقرير أي أمر بواسطة الاقتراع.
ويثير إصرار قيادات تيار الإسلام السياسي على انتخاب الرئيس من البرلمان، الشكوك حول طبيعة هذه الرغبة، وربما هي محاولة لتأجيل الانتخابات، واستمرار السلطات الحالية، بما فيها مجلس الدولة الاستشاري الذي يمثل في مجمله تيار الإسلام السياسي، وبالتالي سيستمر وجودهم فترة أخرى.
كما يتخوف الشارع الليبي بأنه في حالة القبول بانتخاب الرئيس من البرلمان، فقيادات التيار الإسلامي تستطيع احتواء الأغلبية في أي برلمان (جديد أو الحالي) وسيكون بمقدورها فعل ذلك نظراً لتجاربهم السابقة مع أعضاء المؤتمر السابق، والبرلمان الحالي والحكومات المختلفة.
كما أن هناك نقطة قانونية يتمسك بها الليبيون المؤيدون لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، ورغم ذلك فإن البعثة الأممية، والمجتمع الدولي، يتجاهلان ذلك، ويبحثان آليات جديدة، وقاعدة دستورية، في ظل وجود إعلان دستوري، وفي ظل إصدار قانون سابق بهذا الخصوص.
وتتمثل هذه النقطة القانونية في أنه هناك اتفاق حسمته المادة /43/ من “إعلان فبراير” التي تم التوافق عليها زمن المؤتمر الوطني “البرلمان السابق”، يضاف إلى ذلك أن البرلمان الحالي أصدر القانون رقم “5” في عام 2014 بخصوص انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، لذلك مسألة تغيير عملية انتخاب الرئيس من قبل الشعب مباشرة، ستلقي طعناً قانونياً، خصوصاً إذا تم اتخاذ اجراء مغاير لهذه القاعدة والتي صدرت عن أعلى هيئة تشريعية في البلاد.
ولم يتوقف الصراع على آلية انتخاب الرئيس عند هذا الحد فلقد وصلت المسألة إلى داخل لجنة الحوار، وهناك محاولات قوية لبعض التيارات داخل اللجنة، لتعطيل الانتخابات القادمة، وأكدت مصادر من داخل لجنة الحوار، بأن هناك شخصيات تمثل تيارات من الإسلام السياسي ومن الليبيين المتحصلين على جنسيات أخرى، تحاول الالتفاف على ما تم الاتفاق عليه وفق خارطة الطريق بجنيف، والتي حددت إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ومع هذا تظل رغبة الشعب الليبي الكبيرة في انتخاب الرئيس بشكل مباشر، بينما تسعى بعض التيارات لتغيير هذه الآلية، لإدراكها بأن شعبيتها في الشارع الليبي تحت الصفر، وتخشى هذه التيارات من ضياع مصالحها إذا تم إنهاء المراحل الانتقالية، والتي استطاعت أن تجد لها فيها موضع قدم، أما في حالة الوصول إلى الانتخابات الرئاسية المباشرة، فهذا يعني خروج القواعد والقوات الأجنبية والمرتزقة، وحل الميليشيات المحلية، وعودة المهجرين، وإجراء مصالحة وطنية شاملة، كما تخشى هذه التيارات أيضاً من وصول شخصية قوية لمنصب الرئاسة ينهي مستقبل وجودها السياسي داخل ليبيا بشكل نهائي.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.