البصرة – (رياليست عربي): على هامش مؤتمر شمال القوقاز الدولي الذي عقد في مدينة جيلينفودستوك في الفترة 4-5 اكتوبر 2024 تمت المشاركة في جلسات الخبرات بالخطاب الموسوم ( شمال القوقاز تقاطع اللغات والثقافات) وأوردنا قائلين :
تُعتبر منطقة شمال القوقاز واحدة من أكثر المناطق تنوعاً ثقافياً ولغوياً في العالم. تمتد هذه المنطقة الجبلية عبر روسيا الاتحادية، وتشمل جمهوريات ذات تاريخ طويل من التنوع العرقي والديني. ويُعرف شمال القوقاز بأنه ملتقى لعدد كبير من الشعوب، التي لكل منها لغتها وثقافتها الفريدة، مما جعل المنطقة تقاطعاً حضارياً بين الشرق والغرب، وبين الإمبراطوريات التي تعاقبت على حكمها.
يُقدر أن هناك أكثر من 40 لغة محلية يتم التحدث بها في شمال القوقاز، مقسمة على عدة مجموعات لغوية رئيسية، من بينها:
- اللغات القوقازية الشمالية: تشمل هذه المجموعة لغات مثل الشيشانية، الداغستانية، والإنغوشية وتتميز هذه اللغات بتعقيداتها الصوتية والنحوية، وهي لغات أصلية لشعوب المنطقة منذ آلاف السنين.
- اللغات التركية: مثل لغة القراشاي- بلقار والقبردينية. تتحدث بها شعوب تركية الأصل استقرت في شمال القوقاز خلال مراحل تاريخية مختلفة.
- اللغات الإيرانية: منها الأوسيتيّة، وهي لغة ذات جذور إيرانية يتحدث بها شعب الأوسيتيين، وتعد فريدة في كونها واحدة من اللغات الإيرانية القليلة التي ظلت محكية في المنطقة.
إلى جانب هذه اللغات، تُعتبر اللغة الروسية لغة التواصل المشترك في شمال القوقاز، حيث يستخدمها السكان للتواصل اليومي بين المجتمعات المختلفة وضمن المعاملات الرسمية والحكومية.
بالإضافة إلى التنوع اللغوي، يتميز شمال القوقاز بتنوع ثقافي عميق مرتبط بالخلفيات العرقية المتعددة. هذا التعدد يتجلى في الموسيقى التقليدية، والرقصات الشعبية، والأزياء، والاحتفالات التي تختلف من مجتمع لآخر. على سبيل المثال، تتميز قبائل الشركس بتراث موسيقي ورقصات معروفة، بينما يمتاز الشيشان بعاداتهم القبلية وشعرهم الشعبي.
أما من الناحية الدينية، يُعد الإسلام الديانة السائدة في معظم جمهوريات شمال القوقاز مثل الشيشان، داغستان، وإنغوشيا. ومع ذلك، هناك أيضاً الديانة المسيحية الأرثوذكسية هذه التركيبة الدينية تعكس تأثيرات تاريخية متعددة من الفتوحات الإسلامية، وتاريخ الاتصال بالإمبراطورية الروسية.
وعلى مر القرون، شهدت منطقة شمال القوقاز تعاقب عدة حضارات وإمبراطوريات، بدءاً من الإغريق والرومان، وصولاً إلى الفرس والعثمانيين، وأخيراً الإمبراطورية الروسية. هذا التاريخ الغني ساهم في تشكيل هوية المنطقة المتعددة. ورغم فترات الصراع والتوتر بين بعض الجماعات، كان التعايش السلمي هو الطابع الغالب على مدى العصور.
مع كل هذه التحديات التي تواجه منطقة شمال القوقاز الان ان القيادة الروسية المتمثلة بفخامة الرئيس فلاديمير بوتين لعب دورا محوريا في الحفاظ على الإرث الثقافي في منطقة شمال القوقاز، حيث نجح في تحقيق توازن بين التنمية الحديثة والحفاظ على التقاليد الثقافية العريقة. هذا الدور لا يقتصر فقط على الجهود الحكومية، بل يشمل أيضًا دعمه للمبادرات الأكاديمية، الثقافية، والتعليمية التي تعزز من الحفاظ على التنوع الثقافي واللغوي الغني للمنطقة.
وأحد أبرز إنجازات روسيا الاتحادية في هذا المجال هو دعمها للغات المحلية في شمال القوقاز. إدراج هذه اللغات في المناهج الدراسية وضمان تدريسها في المدارس الحكومية يعكس التزام روسيا بحماية التراث اللغوي للمنطقة. وهذا يساهم في نقل هذا الإرث الفريد إلى الأجيال الصاعدة، مع الحفاظ على الهوية الثقافية للشعوب المختلفة التي تسكن القوقاز.
كما تولي القيادة الروسية اهتماماً كبيراً لدعم الفنون التقليدية والمهرجانات الثقافية في جمهوريات شمال القوقاز. حيث تُنظم العديد من الفعاليات الثقافية التي تحتفي بالموسيقى، الرقص، واللباس التقليدي، مما يساعد في تعزيز الفخر بالتراث المحلي. هذه المهرجانات لا تعمل فقط على صون التقاليد، بل تشجع أيضاً على التفاعل الثقافي بين شعوب المنطقة المختلفة، مما يعزز الوحدة والتفاهم.
اما من الجانب الأكاديمي، تدعم روسيا الدراسات والبحوث حول تاريخ وثقافة شعوب القوقاز. الجامعات والمراكز البحثية الروسية تسهم في توثيق التراث الثقافي وتعميق الفهم التاريخي للمنطقة. كما تُعقد المؤتمرات الدولية التي تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على هذا الإرث الفريد.
وإلى جانب هذه الجهود الثقافية، تعمل روسيا الاتحادية على تحقيق تنمية متوازنة في المنطقة، حيث تحرص على عدم التضحية بالإرث الثقافي لصالح الحداثة والمشاريع التنموية التي تُنفذ في شمال القوقاز تراعي خصوصية المنطقة وتاريخها، مما يضمن استدامة هذا التراث الثقافي في ظل التطورات الحديثة.
من خلال هذه المبادرات والجهود المتنوعة، تُظهر القيادة الروسية التزاماً عميقاً بالحفاظ على التراث الثقافي لشمال القوقاز وهذا الدور يعكس احتراماً كبيراً للتاريخ والتقاليد الغنية التي تزخر بها المنطقة، ويؤكد أن التنمية والحداثة يمكن أن تتعايش مع الحفاظ على الهوية الثقافية الفريدة لشعوب القوقاز.
خاص وكالة رياليست – الكاتب والباحث والمحلل السياسي – عبد الله الصالح – خبير في العلاقات الثقافية الدولية – العراق.