أطلقت ثلاثة صواريخ باتجاه قاعدة جوية في شمال كردستان العراق، سقط أحدها في مجمّع عسكري تنتشر فيه قوات أجنبية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ويشكّل إطلاق الصواريخ أول استهداف للجيش الأميركي أو لمنشآت دبلوماسية أميركية في العراق منذ نحو شهرين، طبقاً لموقع إذاعة “مونت كارلو” الدولية.
وقال مصدران أمنيان عراقي وغربي، بأن ثلاثة صواريخ على الأقل أطلقت باتجاه المطار، سقط اثنان منها في منطقة سكنية في ضواحي أربيل، وأكّد مصدران أمنيان آخران أنّ الهجوم شُنّ من داخل أراضي كردستان العراق. وقال مسؤول أميركي إنّ الصواريخ هي من عيار 107 ملم، وإنّها أطلقت من منطقة تقع على بعد نحو ثمانية كيلومترات إلى الغرب من أربيل.
المثلث الحدودي
تعمل القوات الأمريكية اليوم على إنشاء قواعد جديدة لها في سوريا، وتفكيك أخرى، وسط حركة مكوكية من العراق إلى الداخل السوري وبالعكس، وهذا أمر ليس بجديد، إنما الجديد فيه قيام هذه القوات بإنشاء كبرى قواعدها عند المثلث الحدودي السوري – العراقي – التركي، حيث أدخلت قوات الجيش الأمريكي وعبر معبر “سيمالكا” الحدودي مع العراق، معداتها العسكرية اللازمة لإنشاء قاعدتها في منطقة عين ديوار بريف المالكية القريبة جداً من المثلث الحدودي، والقاعدة الأخرى في حقول نفط رميلان، هذه المنطقة بطبيعة الحال قريبة من إيران، وهذا ليس الحدث.
إنما الحدث الرئيسي هو الاستيلاء على منطقة المثلث الحدودي يعني الاقتراب أكثر من مشروع قيام الدولة الكردية، شيئاً فشيئاً، فعندما أعلنت كردستان العراق عن نيتها الانفصال سابقاً فشلت في ذلك، لأنه في حينها لم تكن جبهة الشرق السوري تعيش هذه الفوضى الحاصلة اليوم، وكان لا يزال تنظيم سوريا الديمقراطية – قسد المدعوم أمريكياً، في بدايات سيطرته والتي في أغلبها ساعده الجيش الأمريكي بها، ولم تكن تجرؤ قسد في حينها على مقارعة القوات التركية كما تفعل اليوم في منطقة عين عيسى، وهذا يعني أن قصف أربيل أياً كانت الجهة التي تقف خلفه، هو رسالة شديدة اللهجة قد تكون رسالة إيرانية – تركية مشتركة، لأن الأوضاع المستجدة مؤخراً، تبين أن الولايات المتحدة تسير بخطى ثابتة نحو تثبيت هذا المشروع، خاصة وأن جل المشاريع الحيوية الإسرائيلية تتمركز في أربيل.
وبالعودة إلى فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كان الرئيس الحالي جو بايدن آنذاك نائباً له، وهو من اقترح مشروع فدرلة العراق وتقسيمها إلى ثلاثة أقاليم، في مقدمتها إقليم كردستان، وبعد أن استلم بايدن الحكم أعلن صراحةً مع إدارته تقديم كل الدعم للأكراد، ولم يُخفِ هذه الحقيقة، لتأتي مقابلة رغد صدام حسين، ابنة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، على شاشة العربية السعودية، وتُسأل سؤالاً حول ما إذا كانت تخشى من تقسيم العراق، وكان جوابها أنها تخشى هذا الأمر، فأن تخرج ابنة أكثر شخصية جدلية عراقية في توقيت يعاني منه العراق بظروف لم يشهدها قبلاً على الرغم من ويلات الحروب الذي عانى منها هذا البلد، وقبل يومين فقط من ذكرى مجزرة تفجير ملجأ العامرية في بغداد من قبل الطائرات الأمريكية العام 1991، والذي خلّف أكثر من 450 ضحية جلهم من الأطفال، أمر يبدو أنه متشابك مع بعضه البعض، لامتصاص ردود الفعل وانكشافها ثم العمل على علاجها كي لا تشكل عقبات مستقبلية في مسألة التقسيم الفعلي في المستقبل القريب.
لماذا أربيل؟
بعد أن اكتملت خيوط اللعبة كلها، تحتاج كردستان العراق اليوم، إلى ذريعة جديدة تستطيع الضغط فيها على الحكومة المركزية في بغداد، لعودة فتح ملف الانفصال مجدداً، لكن هذه المرة بقوة أكبر، وظروف ميسرة أكثر، فالشرق السوري لم يعد سورياً، وهو خارج عن سيطرة الدولة السورية، ومن الممكن ربطه مع إقليم كردستان العراق إذا ما تم فتح هذا المشروع مجدداً، إضافة إلى التذرع بضعف قدرة الحكومة العراقية على حماية العراق، فليس صدفة أيضاً أن تخرج مظاهرات غاضبة من مناطق كردية في الشرق السوري، في هذا التوقيت تطالب بالإفراج عن عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا.
أيضاً، من الممكن جداً أن هذا الاستهداف جاء للتغطية على حادثة مقتل 13 تركياً في شمال العراق، حيث اتهمت الحكومة التركية مقاتلي حزب العمال الكردستاني بتنفيذ هذه الجريمة، بينما أعلن الحزب أنهم قتلوا بنيران صديقة، لكن الحزب لم ينكر مسؤوليته عن اختطافهم، حيث تضاربت الأنباء، فتركيا قالت إنهم مدنيين، بينما حزب العمال الكردستاني يؤكد أنهم عسكريين، كانوا محتجزين في سجن لحزب العمال، في أحد كهوف جبال جاري، وضمن عملية مخلب النسر2 قتلوا في ضربة جوية نفذتها القوات التركية، فبين صحة الرواية من عدمها، هناك من يعمل على تحريك ملف الأكراد مجدداً، لذريعة التقسيم، واتهام إيران في هذه الحالة على الرغم من القول بأن مجموعة “سرايا أولياء الدم” هي من تبنت الهجوم على أربيل وهي مقربة من إيران، لكن مصالح إيران في هذا الاتجاه بعيدة نوعاً ما، فهي لن تحرك جبهة أكراد إيران في هذا التوقيت فلا مصلحة لها من انقلاب مواطنيها الأكراد عليها، ولا تركيا لها مصلحة، وبالتالي الأمور وتشابكات العراق ودول جواره تبين من المستفيد من تأجيج كل هذه الفوضى.
أخيراً، من الناحية العسكرية هذا الاستهداف تصعيد خطير، لجهة مد الفوضى إلى أبعد من مناطق انتشارها، فالدولة العراقية اليوم بموقف أضعف من أن تحمي بلادها، وبالتالي ستلجأ إلى قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمساعدتها، وهذا يسقط ذريعة الانسحاب الأمريكي من أراضيها إلى أجلٍ غير مسمى، لأن لا نوايا حقيقية لتنفيذ ذلك، وبنفس الوقت تستفيد حكومة أربيل من ضعف الحكومة العراقية للضغط على الملف الانفصالي عندما تتجهز أرضيته مجدداً، وتلتزم تركيا الصمت على حادثة مقتل رعاياها في شمال العراق، ليبدأ بذلك سيناريو جديد مركزه المثلث الحدودي السوري – العراقي – التركي، وإيران ليست ببعيدة عن هذا المثلث أيضاً.
فريق عمل “رياليست”.