باريس – (رياليست عربي): تنتهج سلطنة عمان سياسة الحياد والحكمة السياسية، منذ ما يزيد عن خمسين عاماً، واليوم فهي تجني ثمار تلك السياسة الحكيمة.
النموذج السياسي:
دائماً ما تغرد السلطة خارج السرب، وتنأى بنفسها عن سياسة التبعية والانقياد، فهي لم تقحم نفسها في أي صراعات سياسية إقليمية او عالمية، فقد احتفظت بعلاقاتها الكاملة مع مصر، حين قطع العرب علاقاتهم بمصرفي أعقاب زيارة الزيارة التاريخية لرئيس الراحل أنور السادات الى القدس، ومن ثم إبرام اتفاقيات كامب ديفيد.
كما أنها تحتفظ دائماً بعلاقات قوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك الحال مع كافة الصراعات الإقليمية الأخرى، مثل اليمن وليبيا وسوريا والسودان، الصراع الروسي الأوكراني، والأمريكي الصيني، والأوروبي والآسيوي، فهي تحتفظ بالحياد التام والحكمة والهدوء السياسي الذي يعصف بمناطق ساخنة كثيرة حول العالم.
الجانب الاقتصادي:
تضع السلطنة نفسها كمركز رئيسي وقوة إقليمية” في الطاقات الجديدة، وتشتهر عمان بشكل أساسي بإنتاجها للوقود الأحفوري (النفط والغاز)، وهي تتخذ تحولاً في مجال الطاقة: تستثمر السلطنة بشكل كبير لتصبح واحدة من أكبر منتجي الهيدروجين المتجدد في العالم في غضون بضع سنوات، وبذلك، فإنها تضع نفسها بالفعل كقائد جديد للطاقة في منطقة الدول النفطية.
إمكانات وطموحات
عندما يكون لدولة النفط والغاز طموحات بيئية كبيرة، عمان، الدولة الواقعة بين اليمن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لديها إمكانات هائلة للهيدروجين المتجدد ” لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وفقاً لتقرير نشر يوم الاثنين 12 يونيو من قبل وكالة الطاقة الدولية.
وقبل ذلك، كانت الدولة في طريقها بالفعل لتصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين في العالم، والأولى في الشرق الأوسط بحلول عام 2030، ومع ذلك، فإن السلطنة، المعروفة حتى الآن بإنتاجها للوقود الأحفوري، هي من بين 30 دولة تنتج أكبر قدر كبير من الغاز والنفط في العالم.
وقالت وكالة الطاقة الدولية “النفط والغاز يمثلان الآن حوالي 60٪ من عائدات الصادرات العمانية، ويوفر الغاز الطبيعي المحلي أكثر من 95٪ من إنتاج الكهرباء في البلاد”.
استثمارات هائلة
لكن الوضع تغير بسرعة، فقبل شهر من مؤتمر COP27 في مصر، في نهاية عام 2022، تعهدت عُمان بصافي انبعاثات صفرية وبدأت في الحد من استخدام الوقود الأحفوري في مزيج الطاقة الوطني.
كما أعلنت السلطنة أنها ستستثمر 140 مليار دولار في صناعة الهيدروجين الأخضر خلال السنوات القليلة المقبلة، مبلغ ضخم إذا قارناه، على سبيل المثال، بـ 19 مليار يورو يجب تخصيصها لانتقال الطاقة في فرنسا لعام 2023.
يقول باولو فرانكل، مدير التقارير ورئيس قسم الطاقة المتجددة في وكالة الطاقة الدولية: “عمان لديها رؤية واضحة جداً على المدى الطويل”، “(المسؤولون في السلطة) يقولون إنه من المنطقي تحديداً من وجهة نظر اقتصادية، وليس فقط من وجهة نظر بيئية، التخطيط والتفكير الآن فيما يجب القيام به في المستقبل”.
موقع جغرافي متميز
موقعها القريب من إفريقيا وبداية البحر الأحمر الذي يصب في البحر المتوسط الذي يجمع إفريقيا بأوروبا، يمنحها موقع جغرافي متميز (مساحتها 310 ألف كيلومتر مربع، وعدد السكان يقرب من 5 ملايين نسمة).
تريد السلطنة، بقيادة هيثم بن طارق (خليفة السلطان الراحل قابوس بن سعيد)، منذ عام 2020، أن تكون طموحة: تريد عُمان إنتاج مالا يقل عن مليون طن من الهيدروجين سنوياً بحلول عام 2030، حتى 3.75 مليون بحلول عام 2040 وما يصل إلى 8.5 مليون بحلول عام 2050، هذا الأخير إذا تحقق الهدف، فسوف يتجاوز إجمالي الطلب السنوي الحالي على الهيدروجين في أوروبا.
البلاد لديها حجج قوية لتنفيذ انتقال الطاقة الهيدروجينية، بدءاً من موقعها الجغرافي: يحد سواحلها الخليج العربي وبحر العرب وخليج عمان، وستكون هناك حاجة إلى الكثير من المياه لضمان إنتاج كبير للهيدروجين، كما أن “مشاريع عمان في هذا المجال سوف تستخدم محللات كهربائية (التي تستخدم لفصل جزيئات الهيدروجين والأكسجين)، مدعومة بالكهرباء المتجددة لاستخراج الهيدروجين من مياه البحر المحلاة”.
تحتل عُمان أيضاً مكانة جيدة على الخريطة الإقليمية للصادرات، مع سهولة الوصول من سواحلها إلى أسواق الاستيراد الرئيسية مثل أوروبا واليابان، كما تستفيد الدولة أيضاً من الطاقة الشمسية الكهروضوئية “عالية الجودة” وموارد الرياح البرية، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فضلاً عن مساحات كبيرة من الأراضي المتاحة للمشاريع واسعة النطاق.
لهيكلة هذا الانتقال، أنشأت الحكومة هيئة هيدروجين عُمان في عام 2022، يخطط هذا الكيان الحكومي لجميع المشاريع واسعة النطاق ويحدد المناطق التي يمكن أن تضمن نشرها، حيث تم تخصيص حوالي 1500 كيلومتر مربع من الأراضي لتطوير الهيدروجين بحلول عام 2030، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ويمكن أن يمتد هذا على المدى الطويل حتى 50000 كيلومتر مربع من الأراضي التي تحولت نحو إنتاج الطاقة المتجددة – أي ما يقرب من سدس إجمالي مساحة هذا البلد (حوالي 310،000 كيلومتر مربع).
التفوق على السعودية والإمارات
العزم على نقل الهيدروجين على شكل أمونيا:
الكثير من الحجج التي جعلت وكالة الطاقة الدولية تقول إن عمان “تضع نفسها كقائد إقليمي” في الطاقات الجديدة، “هذا البلد يبدأ بالفعل في تحول عميق للطاقة، استناداً إلى المشاريع الموجودة حالياً، فإن قيادة عُمان (من بين الدول المنتجة للوقود الأحفوري)، واضحة جداً، على الرغم من أن دولاً أخرى مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أيضاً تريد الاستثمار في الطاقة الخضراء “.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2023/06/الهيدروجين.jpg)
بدأت الرياض، على سبيل المثال، في بناء محطة طاقة عملاقة – تعمل بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح – لإنتاج 219 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول عام 2026، كما أعلنت أبو ظبي، التي ستكون مسؤولة عن تنظيم الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف، في في نهاية ديسمبر، تم عقد شراكة مع عملاق الغاز الألماني Uniper لبناء مصنع هيدروجين أخضر في الإمارات العربية المتحدة.
كم نشر معهد دول الخليج العربية بواشنطن، مؤخراً تقريراً تحت عنوان “سلطنة عُمان تنجح في صنع السياسات الاقتصادية في الوقت الراهن”.
وقال التقرير، إن جهاز الاستثمار العماني عمل بشكل منهجي على تعزيز قطاع الشركات التابعة للجهاز، والتي كانت مساهماً رئيسياً في عبء الدين الحكومي الإجمالي للبلاد.
وأضاف: أنه قد تمت الموافقة على إنشاء صندوق استثماري بقيمة 5.2 مليار دولار، هو “صندوق عمان المستقبل” لدعم النمو الاقتصاد المتنوع”.
وعلاوة على ذلك، أعلنت الحكومة عن خطط لمشروع تنموي جديد، هو مدينة السلطان هيثم، على مشارف مسقط؛ حيث من المتوقع أن يحصل ما يصل إلى 100 ألف من المواطنين ذوي الدخل المنخفض على السكن والخدمات الأساسية الأخرى”.
وذكر أن هذا الإعلان المزدوج يلخص بدقة الموقف الحالي لصانعي السياسات الاقتصادية من العمانيين.
ولفت التقرير إلى أن سلطنة عُمان تعمل على ترتيب بيتها الاقتصادي، وصنع موقف مالي أقوى، وإرساء قدر أكبر من المرونة في مواجهة تقلبات أسعار الطاقة، وبناء وجهة استثمارية أكثر جاذبية على المدى القريب.
وأشار التقرير إلى أن الخطة المالية متوسطة الأجل للفترة 2020-2024 توفر مساراً واضحاً نحو قدر أكبر من استدامة المالية العامة، فبعد أن كان متوسط العجز المالي الكلي يبلغ 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة من 2015-2020، تراجع عجز الميزانية إلى حوالي 3.6% في عام 2021.
وقال إن ميزانية سلطنة عُمان تمتعت بفائض ما يقرب من 5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وهو أول فائض للبلاد منذ عام2013، ومن المتوقع أن تسجل فائضًا طفيفًا في عام 2023م.
وأضاف، أنه على الرغم من أن سعر التعادل المالي للنفط لعمان، بلغ ما يقدر بنحو 77 دولارًا للبرميل في عام 2022 .
وذكر أن ارتفاع أسعار الطاقة لعب دوراً مهماً في هذه المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، فسعر خام برنت قفز من 70.89 دولار للبرميل فيعام 2021 إلى 100.94 دولار للبرميل في عام 2022، وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن تستقر الأسعار حول 78.65 دولار للبرميل في عام 2023، و74.47 دولار للبرميل في عام 2024.
سلطنة عمان، تمنحنا فرصة لتأمل والتحليل والتقييم، واستخلاص الدروس والعبر، بإن سياسة الحياد، والعمل بهدوء بعيداً عن الظهور الإعلامي، هي طوق النجاة في وقت وعالم يعج بالأمواج والرياح والعواصف العاتية من كافة الاتجاهات، شكراً سلطنة عمان قيادة وشعب وحكومة.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – باريس.