القاهرة – (رياليست عربي): ذات يومٍ حدث في إيران!!
في غِمار احتجاجات شعبية وتوترات أمنية نهايات عام 1977 تُنذر بنشوب الثورة الإيرانية، تنشأ قصة حب بين عامل مطبعة فقير وفتاة ثرية.
“أمير خُسرو يوسفي نيا” شاب ينحدر من عائلة فقيرة تمثل غالبية الشعب الإيراني في زمن الشاه “محمد رضا بهلوي”، تُودي به الظروف إلى العمل کعميلٍ سريٍ في “منظمة الاستخبارات والأمن القومي الإيراني: سازمان اطلاعات و امنيت کشور” المسماة اختصارًا (الساڤاك). أما “شيرين نجات” فهي طالبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة طهران، تنحدر من عائلة ثرية، مثقفة، محبة للآداب والفنون، تمثل الطبقة الراقية في زمن الشاه.
تبدأ الأحداث في التصاعد عقب إلقاء القبض على شيرين خطئًا على يد رجالات الساڤاك، ضمن حفنة من الطلاب الناشطين في الجامعة ضد النظام الشاهنشاهي، حيث يبرز دور أمير في الأحداث.
قصة حب “أمير وشيرين” تواجه العديد من التحديات والصعوبات، وتكاد تكون مستحيلة في ظل طوفان ثوري يجتاح إيران مخلفًا خلفه الحسرة والأسى.
الحب المستحيل أحد أشهر الحبكات الدرامية مضمونة النجاح الجماهيري في كل زمان ومكان، كونها تمس الوجدان وتجعل الإنسان يتعاطف مع أبطاله، لذا طالما يلجأ صُنَّاع الأعمال الفنية إلى هذه الحبكة في إطار تقديم أعمالٍ سياسيةٍ أو تاريخيةٍ، يرصدون خلالها ما يطرأ على بُلدانهم من تحولات وتغيُرات اجتماعية محمودة أو مذمومة.
مسلسل “تاسيان؛ روزى روزگاری ایران: الشجا؛ في يوم من أيام إيران” واحد من أحدث أعمال الدراما الإيرانية، يتناول قصة حب جارف بين “أمير وشيرين”، تدور مجرياتها على أعتاب الثورة الإيرانية.
المسلسل من إنتاج “علي أسد زاده”، وتأليف وإخراج “تینا باکرڤان”، وبطولة كل من: هوتن شَکیبا (في دور أمیر خسرو یوسفي نیا)، بابك حمیدیان (في دور جَمشید نجات)، مَهسا حجازي (في دور شیرین نجات)، صابر أبر (في دور سعید)، بانتيا باناهيها (در دور هُما نجات)، نازنین بیاتي (في دور مریم سامان).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بدأ عرض “تاسيان” على منصة العرض الرقمية “فيليمو” بشكل أسبوعي، اعتبارًا من مساء الجمعة 7 فبراير 2025، لكن بعد إذاعة ثلاث حلقات من المسلسل، تفاجأ رواد المنصة الإلكترونية عند عرض الحلقة الرابعة مساء الجمعة 28 فبراير بظهور رسالة اِعتذار عن إذاعة الحلقة بسبب حكم قضائي يُقضي بوقف بث المسلسل.
أثار هذا الأمر جدلًا واسعًا بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، واستنكارًا حادًا من قبل صُنَّاع المسلسل بصفة خاصة والفنانين والنقاد الإيرانيين بصفة عامة في ظل رقابة متشددة تشهدها السينما والدراما الإيرانية، وباتت تمتد أيضًا إلى الأعمال المعروضة على منصات العرض الخاصة ذات الاشتراكات المدفوعة مسبقًا.
وقف بث الأعمال الفنية في إيران أو منعها أو حظرها أصبح أمرًا معتادًا في هذه البلاد، وليس أمرًا جديدًا على الفنانين الإيرانيين، تتعدد أسبابه وتتفرع وتتشعب، لكنها تتجمع نهايةً في جملةٍ واحدةٍ يتشدق بها النظام الإيراني على مرأى ومسمع من الجميع، ألا وهي؛ أن العمل المقدم يناهض النظام، أو يتنافى مع مبادئ الثورة الإسلامية، أو يدعو إلى الفسق والفجور والانفلات الأخلاقي.
ظهور الفنانات دون حجاب معتمرات القبعات الإفرنجية ومرتديات الملابس الأوروبية.. استعراض مظاهر الحياة الإيرانية أيام الشاه كالرقص والغناء، والاختلاط بين الجنسين، ومعاقرة المشروبات الكُحيلة، وارتياد المحافل الأدبية والثقافية والفنية والنوادي الليلية.. تصوير حياة الطبقة الراقية المتحررة؛ كلها أمور أثارت انتقادات لاذعة من قبل عدد من المسؤولين الإيرانيين ونقاد الفن الأصوليين ووسائل الإعلام الحكومية.

كان أول هذه الانتقادات وأقواها أثرًا، شكوى وجهها مدير عام الشؤون القانونية بـ “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” السيد “ياسر خليلي” إلى “هيئة تنظيم معايير الإعلام السمعي والبصري الشامل في الفضاء الإلكتروني: سازمان تنظیم مقررات رسانههای صوت و تصویر فراگیر” المعروفة اختصارًا باسم ” ساترا “، ومنصة “فيليمو”، وصرح في وسائل الإعلام الإيرانية قائلًا: “إن هيئة الأمر بالمعروف قدمت شكوى إلى مسؤولي ساترا ومنصة فيليمو. مع كامل الأسف، لقد منح مسؤولو ساترا تصريح العرض إلى عملٍ يستهدف قضية الحياء والعفة في المجتمع بشكلٍ واضحٍ. في مسلسل باسم (تاسيان) تُعرض مشاهد رقص مختلط وقبلات وأحضان، وتظهر نساء سافرات”.
كانت هذه الشكوى كفيلة بأن تدس السُلطة القضائية أنفها في الأمر، وتصدر حُكمًا بوقف بث المسلسل، حيث نشرت وكالة أنباء “ميزان” التابعة للسُلطة القضائية يوم الأحد 23 فبراير خبرًا جاء فيه؛ بسبب عدم الحصول على تصريح الإنتاج والعرض، أُوقف بث مسلسل تاسيان الذي عرض منه عدد من الحلقات مؤخرًا. كما عُقدت جلسةٌ بحضور منتج المسلسل ومسؤول منصة العرض، وأُبلغ بأن العمل به تجاوزات يجب أن يعالجها القائمون عليه ريثما يتم الحصول على تصريح الإنتاج والعرض.
ساترا وقانون الحماية
قبل بضعة أيام من بث مسلسل “تاسيان” عبر منصة “فيليمو”، نشر المدير التنفيذي للمنصة “محمد جواد شكوري مقدم”، يوم الاثنين 3 مارس، صورة خطاب رسمي على صفحته الشخصية بمنصة (إكس)، كانت هيئة “ساترا” قد أرسلته إليه، يفيد بأن “وضع الحماية” الخاص بالسيدة “تينا باکرڤان” مخرجة مسلسل “تاسيان” مبهم، لذا لا يمكن مناقشة المسلسل المذكور في مجلس العرض، وصدور تصريح المراجعة (خطاب التعديلات)، وكذلك تصريح تعليق اللوحات الدعائية في الهواء الطلق (الشوارع والميادين العامة) إلى أن تظهر نتيجة الاستعلام عن وضع حماية هذه المخرجة. بناءً على ذلك؛ لا يجوز بث حلقات المسلسل على الشبكات الاجتماعية وسائر المنصات الرقمية مطلقًا.
لم يتضح في رسالة “ساترا” ما المقصود بالاستعلام عن “وضع الحماية” الخاص بالمخرجة “باكرڤان”، لكن يُستشف من فحوى العبارة أن المقصود هو الاطلاع على سلوك المخرجة الإيرانية ونشاطها وتصريحاتها في الفضاء الإلكتروني وقايةً منها، خاصة أن عددًا من الفنانات والمخرجات الإيرانيات قد دعمن حركة “اِمرأة، حياة، حرية” والاحتجاجات الشعبية المنددة بالحجاب الإجباري بسبب مقتل الفتاة “مَهسا أميني” على يد “شرطة الأخلاق” عام 2022 بعد اعتقالها بتهمة ارتداء الحجاب بشكل غير مثالي وتعرضها إلى ضربٍ مبرحٍ، ونشرن العديد من الصور والمقاطع المصورة عبر صفحاتهن الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهن سافرات الرأس.

وفقًا لتصريحات المخرج “رسول صدر عاملي” المتحدث الرسمي باسم “دار السينما الإيرانية”؛ بسبب دعم الفنانين الإيرانيين للاحتجاجات الشعبية المنددة بمقتل أميني والحجاب الإجباري، ما يزيد عن 100 فنان اُعتقلوا أو منعوا من العمل، وما يقرب من 300 فنان رُفعت ضدهم دعاوى قضائية.
مصطلح “الحماية” في الإعلام الإيراني ارتبط خلال السنوات الأخيرة بـ “قانون الحماية من الفضاء الإلكتروني” كما يُعرف على النطاق الشعبي، أو “قانون تنظيم الفضاء الإلكتروني: طرح نظامبخشی فضای مجازی” كما يُعرف على النطاق الرسمي حاليًا، و”قانون آلية تنظيم قواعد خدمات الفضاء الإلكتروني: طرح نظام تنظیم مقررات فضای مجازی” سابقًا.
يهدف هذا القانون إلى تحكم النظام الإيراني في الفضاء الإلكتروني بشكلٍ كاملٍ، وإتاحة ولوجه إلى شبكة المعلومات الدولية بحريةٍ تامةٍ، وحجب ما يريد من مواقع وشبكات ووسائل تواصل اجتماعي ومنصات رقمية، والحيلولة دون وصل مستخدمي الإنترنت في إيران إلى تطبيقات بعينها، بحجة حماية البنية التحتية الرقمية بالبلاد من الهجومات السيبرانية.
صدق مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) على هذا القانون في أبريل 2022، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد على الرغم من أن إيران تتحكم فعليًا في شبكة المعلومات الدولية، ولديها القدرة على حجب عدد من المواقع والتطبيقات الإلكترونية ومنع وصول المستخدمين إليها.

ردود أفعال مستنكرة
وقف عرض “تاسيان” أثار استياءً عامًا سواء من قبل صُنَّاع المسلسل أو الفنانين والنقاد الإيرانيين، وأبدوا اعتراضًا شديدًا على وقف المسلسل. كان أبرز هذه الاعتراضات وأوسعها مجالًا تصريحات مخرجة العمل “تينا باکرڤان”، حيث اعتبرت أن ما حدث حملةً ممنهجةً ضد “تاسيان”، وصرحت لوكالة أنباء “خبر أون لاين” قائلة: “في الحقيقة أنني طوال مسيرتي المهنية في هذه البلاد لم أختبر هذه التجربة مطلقًا؛ أن يُسيئوا فهم أمر إلى هذا الحد، ويتمادوا في إساءة الفهم. بما أنني قد عملتُ شخصيًا في مجال النقد الفني، أفهم معنى النقد جيدًا، وأدركُ هذه الأمر تمامًا؛ فمن الممكن أن يحب البعض عملًا، وينتقد البعض الآخر أركانه مثل الإخراج والتمثيل والسيناريو، لكن تنظيم حملة ورفع دعوى قضائية من وجهة نظري هو أمر يستحق المقاضاة والتحقيق. ما شهدناه ضد مسلسل (تاسيان) حملةً منظمةً بشكل جلي. لقد عمل صُنَّاع هذا المسلسل قرابة عامين حتى ينهوا عملًا يلقى إعجاب الجمهور، حينئذ قامت جماعة بشن هذه الحملة بدافعٍ لا أعلمه؛ إمَّا الغيرة وإمَّا الخوف”.
وتذكر باکرڤان أن هيئة “ساترا” تتهمها بتبييض وجه (الساڤاك) المشهور عنه ممارساته القمعية ضد المعارضين والمعتقلين السياسيين أيام الشاه، وتحريف (تاريخ الثورة الإيرانية)، وتقول إنها كانت تتباحث مع مسؤولي الهيئة أسبوعيًا، وكانوا يملون عليها التعديلات، لكنها لا تعرف لمَ أوقف المسلسل؟، فقد طالعت الخبر في وكالة أنباء “ميزان” دون أن تُوجِّه لها السُلطة القضائية أي استدعاء في هذا الصدد.
وفقًا لتصريحات “باکرڤان”، أن الحلقات الثلاث الأولى من المسلسل عُرضت بعد رقابة شديدة من قبل “ساترا”، وكانت تقول للمسؤولين: “إنني أقدم قصة حب، لماذا تخشون؟”
أما “هوتن شكيبا” بطل “تاسيان”، فكتب عبر خاصية “ستوري” بتطبيق “إنستجرام”، متهكمًا على مَن أوقفوا عرض المسلسل: “لا تخافوا.. إنه مسلسل فقط، لا تكونوا ضعفاءٌ إلى هذا الحد”.
وكتب كذلك الممثل “صابر أبر” عبر خاصية “ستوري” بتطبيق “إنستجرام” متنقدًا وقف المسلسل: “إن المنع ليس عهدًا جديدًا على هذه الأرض!! إنه علمٌ على هذه الأرض!! ماذا ستفعلون مع الذكريات؟! لا يمكن منع الذكريات؛ ذكرى الأمس، ذكرى اليوم، ذكرى الغد. تاسيان هي فقدان كل شيء.. تاسيان هي الشَّجا”..

من ناحية أخرى تضامن عدد من الفنانين والنقاد الإيرانيين مع صُنَّاع “تاسيان”، حيث صرح المذيع والناقد الفني المعروف “محمود جَبَرلو” بأن مسلسل “تاسيان” لم تتصاعد أحداثه بعد، ولا أحد يعرف إلى أين ستصل، لكن مع بدء عرض المسلسل، ظهرت موجة اعتراض على الإنترنت من قبل بعض أشخاص يحملون اسم (نقاد)، ويتحدثون عن المسلسل بلهجة حادة ومناوئة وغريبة، على الرغم من أن أسلوبهم لا يتناسب مع أصول النقد، ويعطي اِنطباع إلى أنهم يسعون لتحميل المسلسل آراء أخرى.
ويضيف “جَبَرلو” أن السيدة “تينا باكرڤان” مخرجة تسرد التاريخ بأسلوب المخرجين “بهرام بيضائي” و”مسعود كيميائي”، أي أنها ترويه بشكل يجعل الدراما جذابة ومثيرة. هذا الأمر لا يشوه التاريخ، لكنه لم يتضح حتى الآن، لذا يجب مشاهدة المسلسل كاملًا، ثم يتم تقييمه وتحليليه بشفافية.
كما قال الناقد الإيراني المعروف “مسعود فَراستي”، رئيس تحرير الفصلية المتخصصة في السينما والمسرح والفنون المرئية “فرم و نقد: الشكل والنقد” في مقطعٍ مصورٍ له عبر صفحته الشخصية في “إنستجرام” متحدثًا عن مسلسل تاسيان: “لقد عُرضت ثلاث حلقات من مسلسل (تاسيان)، وبقيته ذهبت أدراج الرياح. لماذا ذهبت أدراج الرياح؟! لأن الرقابة لن تدع مسلسلًا تاريخيًا مشرفًا قبل الثورة يُعرض، والشعب الإيراني يشاهده، خشية ألا يتابع أحد ما تبثه (الإذاعة والتليفزيون الوطني) من (قمامة درامية). في الحقيقة هذه هي القضية الأساسية”.
إلى جانب الفنانين والنقاد الإيرانيين، ذكر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن السبب وراء منع بث مسلسل “تاسيان”، هو شغف الناس بمتابعة الأعمال التي تُصوِّر المجتمع الإيراني المتحرر قبل الثورة، وعزوفهم عن مشاهدة الأعمال التي تنتجها هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية، وتتناول معظمها مضامين تمجد الثورة “الإسلامية” وسياسات النظام، وتتغاضى عن محاكاة واقع المجتمع وقضاياه.

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض لها المخرجة “باكرڤان” إلى انتقادات لاذعة من قبل وسائل الإعلام الحكومية، حيث اعتبر الناقد الفني “علي رضا سُلیماني” أن الديالوجات النسوية المطولة في مسلسل “باكرڤان” السابق “خاتون” تعكس وضع إيران أثناء احتجاجات مقتل “مهسا أميني” العارمة، وتبتعد عن مضمون العمل الأصلي، في حين أن نائب الشؤون السينمائية بوزارة الثقافة والإرشاد ورئيس هيئة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية الأسبق “عزت الله ضرغامي”، اعتبر أن مسلسل “خاتون” صُنع باحترافية شديدة، ووجه الشكر إلى “باكرڤان” على إخراج هذا العمل الخالد.
تاسيان شذا الماضي الجميل في هباء الحاضر العليل
وفقًا لتصريحات المخرجة الإيرانية “تینا باكرڤان” خلال لقائها مع المؤلف والممثل “سُروش صحت” في برنامج “الآن: اكنون” مؤخرًا؛ أن مسلسل “تاسيان” هو الجزء الثاني من “ثلاثية درامية” تروي مقاطع مختلفة من تاريخ إيران في إطار قصة حب. كانت البداية مع مسلسل “خاتون” الذي قدمته “باكرڤان” عام 2021، وحقق نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا عند عرضه على الرغم من الانتقادات التي وُجهت إلى العمل بسبب المط والتطويل في بعض المشاهد، وعدم مراعاة ملابس الحقبة الزمنية.
يروي المسلسل قصة حب “خاتون البختيارية (نگار جواهریان)” و”شيرزاد ملك (أشکان خطيبي)” الضابط بالجيش الإيراني إبان احتلال البلاد من قبل القوات الأنجلو – سوفيتية أواخر عهد الشاه “رضا بهلوي”. هو حب بدأ بزواج مصلحة وانتهى بالانفصال بعدما سقط البطلان في بحر عشق عميق يهيج بالعواطف الجياشة والمشاعر المتناقضة.
أما الجزء الثالث من هذه الثلاثية، فيحمل اسم “ماهدخت”، ويروي قصة بيع مجموعة من الفتيات الإيرانيات الفقيرات إلى الحكومة بدلًا من دفع الضرائب الباهظة خلال العصر القاجاري.
يُلقي المسلسل الضوء على واقعة “فتيات قوتشان” التي جرت في مدينة “قوتشان” عام 1905 قبيل الثورة الدستورية وموافقة الشاه القاجاري “مظفر الدين” على تشكيل أول مجلس نيابي في تاريخ إيران (مجلس الشوري الوطني).
كان حاكم مقاطعة خراسان “غلام رضا خان شاهسون إینانلو” الملقب يـ “شهاب الملك” و”آصف الدولة” قد أقر ضريبةً ثابتةً على جميع المواطنين، وأغلبهم من المزارعين، بغض النظر عن دخلهم، لكن بسبب خسائر موسم الحصاد آنذاك، لم يستطع الفقراء دفع الضريبة إلى النخبة التركمانية –أصل القاجاريين– فاضطروا إلى بيع بناتهن لهم، كما داهمت القوات التركمانية قُرى قوتشان، وسبوا النساء، ولما توسل المواطنون إليهم لتأجيل الدفع، نكلوا بهم.
بيعت خلال هذه الحادثة حوالي 250 بنتًا، وأصبحن يُعرفن باسم “فتيات قوتشان”، ونُشرت قصتهن في جميع الصحف الإيرانية، وطالب الناس بالقصاص ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة البشعة. عقب تشكيل مجلس الشورى الوطني في 7 أكتوبر 1906، نوقشت هذه الحادثة في أول جلساته على الملأ، وحوكم “آصف الدولة” وعدد من المسؤولين عن هذه الجريمة، وأُعِيدَت بعض الفتيات إلى أسرهن مرة أخرى، لكن أغلبهن فقدن إلى الأبد.
على الرغم من أن مسلسل “تاسيان” لم يعرض منه سوى ثلاث حلقات، لكنه استطاع أن يجذب إليه قطاعًا كبيرًا من الجمهور الإيراني. أجواء الأحداث العامة.. الملابس الأوروبية.. قصات الشعر القصير وأغطية الرأس المتنوعة الشائعة في حقبة السبعينيات.. الحُلل الرجالية ذات الألوان الزاهية.. المحافل الأدبية والثقافية والفنية، نمط الحياة المنفتح الشبيه بالحياة في مصر خلال الفترة الزمنية نفسها؛ كلها عناصر جذبت الإيرانيين إلى متابعة المسلسل، وأحدثت لهم نوعًا من “النوستالجيا” إلى ماضٍ لا يزال عالقًا في أذهان المخضرمين منهم، ومثلت نقدًا غير مباشر إلى النظام الحالي المتشدد في أغلب مناحي الحياة.
إن “تاسيان” هي قصة حسرة على الماضي وأسف على الحاضر، تنقلنا إلى عالمٍ خياليٍ كان واقعًا في يوم من أيام إيران.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.