القاهرة – (رياليست عربي): تحدث رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) “محمد باقر قاليباف” الذي تقدم بأوراق ترشحه في انتخابات رئاسة الجمهورية المزمع عقدها في 28 من يونيو الجاري، عن ضرورة حل مشكلة الرعايا الأجانب المقيمين في إيران بشكل غير قانوني خلال الحكومة المقبلة. هذه هي أول مرة يتطرق فيها مرشحٌ في انتخابات الرئاسة الإيرانية إلى قضية التعامل مع “المهاجرين الأفغان” أثناء حملته الانتخابية.
وكان “قاليباف” قد كتب يوم الأربعاء 5 يونيو عبر صفحته الشخصية على منصة (إيكس): إن إيجاد وسيلة حاسمة لحل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين ذات الأبعاد المتعددة هي من مخاوف الشعب الجدية، والتخاذل في هذا الأمر سيُنمي أبعاده الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. نحن على اطلاعٍ كاملٍ بهذه المشكلة، وسنعمل على تبديد مخاوف الشعب في الحكومة القادمة.
أثار حديث قاليباف عن المهاجرين غير الشرعيين ردود أفعال متباينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واتهمه البعض بالتشدق بشعارات رنانة، والتلاعب بورقة رُهاب الأجانب في سبيل جمع أصوات الناخبين في ماراثون انتخابات الرئاسة الإيرانية، حيث ذكر عدد من رواد هذه المنصات الإلكترونية أن رئيس البرلمان الإيراني يتحدث عن ضرورة البحث عن حلول لمشكلة الرعايا الأجانب المقيمين في البلاد بشكل غير قانوني، في حين أن خطط منظمتي الهجرة والإقامة المطروحة في البرلمان نفسه لا تزال مبهمة. ووصف عدد آخر حديث قاليباف بأنه وعدٌ انتخابيٌ له تاريخ صلاحية سينتهي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات. وعلى الجانب الآخر رحب عدد كبير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي بما ذكره قاليباف، وشددوا على ضرورة الحيلولة دون دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى إيران.
وكان عدد كبير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي قد طالبوا منذ عدة أشهر بترحيل المهاجرين الأفغان من إيران تحت وسم “ترحيل الأفغان مطلب شعبي”.
وينقسم الإيرانيون في آرائهم المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول قضية المهاجرين الأفغان إلى فريقين؛ الفريق الأول يؤيد الحكومة، ويعتبر وجود المهاجرين الأفغان في إيران سببًا رئيسًا في عجز الدولة عن حل الأزمة الاقتصادية المتنامية التي تثقل كاهل الشعب وتقض مضجعه. أما الفريق الثاني فيعارض الحكومة، ويحذر من تغيُّر التركيبة السكانية في بعض المناطق بالمدن والمحافظات الإيرانية مع توطين الأفغان سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، انطلاقًا من الحفاظ على الهوية الإيرانية بقوام أعراقها وأقوامها المتنوعة.
أزمة المهاجرين الأفغان في إيران
منذ أواخر العام المنصرم غدت أزمة المهاجرين الأفغان في إيران محل نقاش وجدال واسعين في البرلمان الإيراني وعدد من المؤسسات الأمنية خاصة مع تزايد أعداد هؤلاء المهاجرين بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين.
وقد ظهرت هذه الأزمة في إيران بشكل جلي عقب استيلاء “حركة طالبان” على مقاليد الحكم في أفغانستان أواخر عام 2021، حيث لجأ مئات الآلاف من المواطنين الأفغان إلى إيران وعدد من دول الجوار، وكان من بينهم موظفون في الحكومة الأفغانية السابقة وضباط في الجيش، مما أثار قلق عدد كبير من المسؤولين الإيرانيين.
ووفقًا لإحصائيات وزارة الداخلية الإيرانية، يشكل الأفغان نحو 90% من الرعايا الأجانب المقيمين في إيران. كما ذُكر أن تعداد المهاجرين الأفغان يبلغ 5 ملايين نسمة، لكن بعض وسائل الإعلام الإيرانية تعتبر هذا الرقم مبالغ فيه، وأقل بكثير من النسبة الحقيقية.
وبناءً على توجيهات المرشد الأعلى “عليّ خامنئي” عام 2015، سُمح للأطفال الأفغان بالالتحاق بالمدارس الإيرانية بصرف النظر عن الوضع القانوني لإقامة أسرهم.
قضية الهجرة على الصعيد العالمي
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت قضية الهجرة والمهاجرين في عدد من دول العالم تثير حساسية شديدة لدى الرأي العام في هذه البُلدان، ويتلاعب بها بعض الساسة في سبيل تحقيق طموحات شخصية، فعلى سبيل المثال بات ترحيل المهاجرين من المملكة المتحدة إلى رواندا، وبناء جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك، وكيفية التعامل مع الهجرة غير الشرعية وسُبل مجابهتها، وكل ما يأتي في هذا السياق يتصدر البرامج الانتخابية لمرشحي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في عدد من الدول الأوروبية.
ويتهم بعض المراقبين وعلماء الاجتماع، رجالات الحكومة في عدد من الدول باستغلال قضية منع دخول اللاجئين والمهاجرين إلى هذه البُلدان أو ترحيلهم منها كورقة مضمونة الربح في الحملات الانتخابية من أجل جذب أصوات الطبقة المحافظة ذات التعداد الضخم، أو من أجل كسب تأييد هذه الطبقة إزاء مشروعات مغرضة مقولبة في أُطر وطنية، حيث يتم ذلك عن طريق تبني برامج وطرائح سياسية تقوم على أفكارٍ مِثل رُهاب الأجانب، والنعرة القومية، والشوفينية، وغيرها.
ويجدر بنا في هذا المقام توضيح أمر هام؛ ثمَّة فرق شاسع بين الرعايا الأجانب المقيمين في أية دولة بشكل قانوني، يتمتعون بما يتمتع به أبناء الوطن من حقوق وخدمات عامة نظير ما يدفعونه من أموال، وما يراعونه من قوانين تقنن أوضاعهم، وبين لاجئين ومهاجرين دفعتهم ظروف بُلدانهم إلى الشتات في دول أخرى؛ بعضهم يقيمون بصورة قانونية في مخيمات ومعسكرات حدودية، مصفدين بقيود تحددها الدولة المستضيفة، والبعض الآخر يقيم بشكل غير قانوني منزويًا، متواريًا، مُروَّعًا من العودة إلى وطن يلفظ أبناءه، فيغتربون عنه مَثنى وفُرادى.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر