القاهرة – (رياليست عربي): أعلنت إدارة العلاقات العامة بالحرس الثوري الإيراني يوم السبت 3 أغسطس بيانها الثالث الخاص باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية “إسماعيل هنية”، وقد كشف هذا البيان عن منفذي عملية الاغتيال وملابساتها، حيث جاء فيه ما يلي: “هذه العملية نُفذت بتخطيط الكيان الصهيوني وتنفيذه، ودعم الحكومة الأمريكية المجرمة. ووفقًا لما تم من تحقيقات، هذه العملية الإرهابية نُفذت بإطلاق مقذوف قصير المدى يحمل رأسًا حربيًا يزن ٧ كيلوجرامات، صاحبه انفجار هائل في محل إقامة الضيوف”. وقد تعهد البيان بالثأر لهنية، وبردٍ حاسمٍ على إسرائيل في الزمان والمكان المناسبين، وبالطريقة المناسبة.
ونقلت صحيفة “ديلي تلجراف” البريطانية The Daily Telegraph عن مسؤولين في “الحرس الثوري”، لم تسمهم، أن المخابرات الإسرائيلي جندت عملاء إيرانيين من “فيلق حراسة أنصار المهدي” التابع للحرس الثوري، قاموا بزرع عبوات ناسفة في 3 حجرات منفصلة داخل مقر إقامة هنية. هذا الفيلق يتولى حماية مسؤولي النظام الإيراني رفيعي المستوى وتأمينهم.
كما أفاد تقرير في صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكيةThe New York Times أن النظام الإيراني قام بحملة اعتقالات على أعلى مستوى في محل إقامة هنية، شملت 20 شخصًا من بينهم ضباط مخابرات وأمن ذوي رُتب رفيعة، ومسؤولين عسكريين والعاملين بالثكنة العسكرية التي أقام بها هنية.
ما جاء في الصحيفتين البريطانية والأمريكية لم تؤكده إيران أو تنفيه، كما أنها لم تشر إليه من قريب أو بعيد، أو تعلق عليه.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “إسماعيل هنية” قد توجه إلى إيران يوم الثلاثاء 30 يوليو حتى يشارك في مراسم أداء الرئيس المنتخب “مسعود بزشكيان” لليمين الدستورية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني)، والتقى بالرئيس الجديد والمرشد الأعلى “عليّ خامنئي (خامنهای)” Ali Khamenei، ثم حل ضيفًا في “مقر ثأر الله” التابع للحرس الثوري بشمالي طهران، لكنه لقي حتفه بصحبة حارسه الشخصي “وسيم أو شعبان” فجر الأربعاء 31 يوليو نتيجة انفجار مدوٍ وقع في مضيفة المقر. لم يعلن الحرس الثوري حينها عن أسباب الحادث، وأصدر بيانين، ذكر فيهما أن التحقيقات جارية في هذا الشأن.
اغتيال إسماعيل هنية في إيران، وما سبقه من سلسلة اغتيالات وعمليات أمنية قامت بها إسرائيل في هذه الدولة على مدار السنوات الماضية يعد هزيمة نكراء في قطاع الاستخبارات الإيراني، ووصمة عار في جبين رجالات النظام الإسلامي المتشدقين دومًا بقوة أجهزتهم الأمنية ونفوذها الراسخ داخليًا وخارجيًا.
هذا الأمر دفع وسائل الإعلام الإيرانية وعددًا من ساسة النظام الإسلامي إلى استقصاء أسباب هذا الفشل الاستخباراتي والأمني، فاعتبرت صحيفة “الجمهورية الإسلامية” في تذكرتها أن “المندسين” مسببو هذه الحوادث، وطالبت بتطهير جذري في المؤسسات الاستخباراتية والأمنية. كما دعا نائب وزير الاستخبارات الأسبق “حسام الدين آشنا” في رسالة له عبر صفحته الشخصية بمنصة “إكس” حذف صفة “الاجتهاد” الخاصة باختيار وزير الاستخبارات الإيراني؛ فكتب يقول: “الاجتهاد ليس شرطًا ضروريًا أو كافيًا لوزير الاستخبارات؛ مثلما هو ما كان موجودًا وليس موجودًا في قائد (مؤسسة) مخابرات الحرس الثوري. البرلمان والحكومة يستطيعان بالحصول على رأي المرشد الأعلى حذف هذا الشرط المقيد وغير الضروري حتى تتمكن الدولة من الاستفادة من أفضل الموارد البشرية بها في مجالي الاستخبارات والأمن”.
والحقيقة أن مشروع “اختراق إيران” من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) قد طُرح عدة مرات وعلى أعلى المستويات في الجمهورية الإسلامية.
المرجع الشيعي “حُسين عليّ منتظري نائب “الخُميني” آنذاك، كان يقول في الثمانينيات: “حينما تخترق المخابرات السوفيتية (كي جي بي) المخابرات الأمريكية (سي أي إيه) أو يحدث العكس، فكلاهما جهاز مخابرات معقد ومتمرس ومحنك. تخيلوا أن العملاء الأجانب يخترقون جهاز مخابراتنا، ويقومون بأعمالهم الخاصة، ويسيئون إلى الإسلام والثورة”. ما ذكره منتظري يحمل في طياته إشارة غير مباشرة إلى ضعف جهاز المخابرات الإيرانية واختراقه منذ الحقبة الثورية وليس الآن فحسب.
وفي يوليو 2021، حذر “عليّ يونسي” وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس الأسبق “محمد خاتمي” قائلًا: “إن الموساد نافذ في قطاعات الدولة المختلفة. المسؤولون يخشون على أرواحهم، ورجال الأمن منشغلين بأنفسهم بدلًا من الكشف عن هوية العملاء”.
وأعلن كذلك الرئيس الأسبق “محمود أحمدي نجاد (نژاد)” Mahmoud Ahmadinejad أن هناك تسلل أمني إسرائيلي في أرقى قطاعات الحكومة الإيرانية.
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق في الأول من أبريل 2024 ومصرع 7 ضباط كبار بالحرس الثوري؛ من بينهم العميد “محمد رضا زاهدي” ونائبه العميد “محمد هادي حاجي رحيمي” القائدين البارزين بفيلق “القدس” في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى 5 عسكرين آخرين، طالبت صحيفة “الجمهورية الإسلامية” في تذكرتها بتطهير الأجهزة الأمنية من “الفئران”، مشيرةً إلى تفخيخ مقر حزب “الجمهورية الإسلامية” ومكتب رئيس الوزراء “محمد جواد باهُنر” بطهران في يونيو وأغسطس 1981 على يد منظمة “مجاهدي الشعب الإيرانية (مجاهدين خلق ايران)”، وكتبت: “يجب أن ننقب الحِيطان حتى نعثر على الفئران، ونجرها من آذانها على نحو تكون فيه عبرة للجميع، وإلا فلن نصل إلى أهدافنا لو كان بحوزتنا كل المعدات الحربية في العالم”.
على الرغم من تحذيرات المسؤولين الإيرانيين ووسائل الإعلام المحلية، قال وزير الاستخبارات الحالي “إسماعيل الخطيب” في 24 يوليو الماضي: “إن شبكة نفوذ الموساد كانت تغتال شخصياتنا العلمية أو تخرب مؤسساتنا الحيوية. بفضل الله؛ هذه الشبكة قُضي عليها بإمكانياتها وقدراتها”.
تأسيس وزارة الاستخبارات الإيرانية
بعد مرور 5 سنوات على قيام الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، كانت البنية الاستخباراتية والأمنية في البلاد مبعثرة في مراكز متعددة مثل: مكتب مخابرات رئيس الوزراء، واللجان الثورية، ووحدات المخابرات في بعض المؤسسات الثورية والقضائية.
يذكر “محمد محمدي الريشهري” أول وزير استخبارات في تاريخ الجمهورية الإسلامية في كتاب مذكراته “خاطرهها” أن كشف مؤامرات مختلفة مثل “انقلاب نوژه” الفاشل Noje (انقاذ انتفاضة إيران الكُبرى) الذي قامت بها مجموعة من ضباط الجيش الملكي من أجل الإطاحة بالنظام الوليد في يوليو 1980، وواقعة طبس (عملية مخلب العُقاب) Operation Eagle Claw التي قامت بها القوات الأمريكية من أجل تحرير رهائنها من سفارة الأمريكية بطهران في أبريل 1980، وأنشطة حزب “الشعب (توده)” الشيوعي المعقدة، وذُروة عمليات منظمة مجاهدي خلق الإرهابية –جماعة المنافقين كما يسميها النظام الإيراني– في يونيو وأغسطس عام 1981 التي فجروا فيها مقر حزب الجمهورية الإسلامية ومكتبة رئيس الوزراء (باهُنر)، جعلت مسؤولي الجمهورية الإسلامية يتخذون قرارًا تدريجيًا بتأسيس “منظمة استخبارات مركزية”.
ووفقًا لما يذكره “الريشهري” في الأول من أكتوبر 1982، انفجرت قنبلة مدمرة قرب ميدان الإمام الخُميني (المدفعية سابقًا)، ومبنى الاتصالات، كان مجاهدو خلق قد زرعوها، مما أدى إلى مقتل عشرات الأشخاص وإصابة مئات الأشخاص الآخرين. هذا الانفجار دفع المسؤولين إلى توحيد أفرع أجهزة الاستخبارات المتفرقة ودمجها معًا.
ويقول “سعيد حَجاريان الكاشاني (سعيد مظفري)”، أحد مؤسسي “وزارة الاستخبارات الإيرانية” وواضعي هيكلها الداخلي ونظامها التعليمي والتدريبي، في سبتمبر 1985 أثناء حواره مع صحيفة “المشاركة” التابعة لحزب “جبهة المشاركة الإيرانية الإسلامية”: “إن السُلطة غدت في أيدي اللجان منذ منتصف فبراير 1979 والأيام التالية على انتصار الثورة بشكل أساسي، حيث تشكلت لجان شعبية في كل حي بواسطة القوى الشعبية، وأقسام الشرطة، والمساجد، وفرق الكشافة، ومراكز الشباب في هذا الحي. كل لجنة كانت تقوم بجمع المعلومات على قدر استطاعتها أثناء العمليات الأمنية الجارية، فتشكلت أثناء جمع هذه المعلومات وحدةٌ في كل لجنة تُسمى (وحدة المخابرات)”.
ويقول السيد حجاريان عن الخطوات الأولى الخاصة بإنشاء وزارة الاستخبارات: “بمساعدة أبناء هيئة الأركان المشتركة ومكتب مخابرات رئيس الوزراء أعددنا مشروع قانون تأسيس وزارة الاستخبارات، وجمعنا 16 توقيعًا له في دورة البرلمان الأولى على يد النائب “مرتضى الويري” Morteza Alviri، وعُرض على مجلس إدارة البرلمان في أكتوبر 1982″.
ويوضح السيد حجاريان أن الخُميني ورؤساء السُلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) والحرس الثوري قد رفضوا مشروع القانون، وكان رفضهم يستند إلى أن شُعبة المخابرات تعد ذراع المرشد الأعلى، فتحججوا بأن هذا القانون سيتسبب في ضعضعة مؤسسة القيادة.
موافقة الخميني على تأسيس وزارة الاستخبارات
الخُميني لم يظل رافضًا تأسيس وزارة الاستخبارات، فسرعان ما بدَّل رأيه، حيث يذكر “سعيد حجاريان” أنه أبلغ الخُميني عن طريق ابنه “أحمد” بأن شُعبة المخابرات لا يمكن أن تكون تحت إشراف القيادة من الناحية الدستورية، والمرشد مضطرًا إلى استخدام (أحكام النظام الإسلامي)، ففضلًا عن مشكلات الدستور، من الممكن أن تحدث إجراءات تخالف القانون، وتنتهج العنف أثناء العمل الاستخباراتي والأمني، فتنجم مشكلة حيال تبرئة متخذي هذه الإجراءات ومنفذيها. بالتالي إذا كان عمل رجال الاستخبارات تحت إشراف المرشد مباشرة، فإن هذه المسائل ستُلقى على كاهله أيضًا. بناءً على هاتين الحُجتين، غيَّر الخُميني رأيه، ووافق على تأسيس وزارة الاستخبارات.
في نهاية الأمر صدَّق البرلمان الإيراني على مشروع قانون تأسيس وزارة الاستخبارات في 18 أغسطس 1983 إبان حكومة رئيس الوزراء “مير حُسين موسوي”. اقترح موسوي على البرلمان أن يتولى “إسماعيل فردوسي بور” مسؤولية وزارة الاستخبارات، لكن البرلمان لم يمنح المرشح المقترح الثقة بسبب فقدان صفة “الاجتهاد”. فيما بعد اقترح موسوي اسم “محمد محمدي الريشهري”، فمنحه البرلمان الثقة، كما وافق عليه الخُميني.
وزير المخابرات وقضية الاجتهاد
يعتقد بعض الساسة الإيرانيين أمثال نائب وزير الاستخبارات الأسبق “حسام الدين آشنا” أن إصلاح وزارة الاستخبارات يجب أن يبدأ من الرأس أي (الوزير)، وحذف صفة (الاجتهاد) سيهيأ المجال كي يلج الوزراة أشخاص ذوو خبرة.
من خلال استقراء شروط اختيار وزير الاستخبارات في إيران، يتضح أن لا يوجد على الأقل موضع في الورق يُشير إلى امتلاك الشخص المختار الخبرة والمعرفة والكفاءة الكافية، حيث تشمل الشروط؛ الدراسة إلى حد الاجتهاد، الاشتهار بالعدل والتقوى، امتلاك سجل سياسي وإداري نزيه، عدم العضوية في الأحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية.
والحقيقة أن الصيغة الأولى لمشروع قانون تأسيس وزارة الاستخبارات لم يُطرح بها توفر شرط الاجتهاد في اختيار الوزير، حيث يقول “سعید حجاریان” في هذا الصدد: “مسألة اجتهاد الوزير لم تکن مطروحة في مشروع قانوننا المتعلق بتأسيس وزارة الاستخبارات، لكنها أضيفت لاحقًا. بعد مناقشات حول مبدأ القانون، وصل إلى مجلس إدارة البرلمان بصفة عاجلة مذيلًا بتوقيع 35 نائبًا؛ يتصدرهم رجل الدين (محمد علي موحدي الكرماني) وعدد من رجال الدين الآخرين. في تلك الأثناء، سألتُ رئيس الوزراء مير حُسين موسوي: ما هو موقفنا كممثلين عن الحكومة؟ فأجاب: عليكم بالصمت، فالحكومة ليس لها موقفٌ في هذا الشأن. ثم ذهبنا إلى السيد (…..)، فاعترض، وقال: (إن هذا القانون في غاية العشوائية)، حيث عجز هذا الشخص عن تحديد نموذج لأي مجتهد يكون لديه القدرة والإرادة والحافز على العمل في الاستخبارات، وفي الوقت نفسه، يتمتع بالموهبة في هذا المجال”.
على الرغم من أن حجاريان لم يسم من كان يتحدث معه، ونعته بـ “السيد” فحسب، لكن كلام المتحدث مجهول الهوية يوضح أن لم يكن هناك أفراد لديهم اجتهاد وقدرة على إدارة وزارة الاستخبارات، في حين أن تلك الفترة من الزمان كانت تعج برجال دين بارزين مجتازين مرحلة الدراسات العُليا في ميدان الحوزة العلمية (العلوم الدينية الشيعية).
ويضيف حجاريان: “عندما طُرح موضوع اجتهاد وزير الاستخبارات للمناقشة في البرلمان، التزمنا الصمت، فصُوَّت على هذا الأمر، وأُضيف إلى مشروع القانون”. بعد مرور أكثر عامٍ، صدق البرلمان الإيراني على قانون تأسيس وزارة الاستخبارات في 18 أغسطس 1983.
وزير المخابرات المجتهد: الآمر الشرعي وآلة التوقيع!!
إن تقصي اجتماعات البرلمان الإيراني خلال دورتيه الأولى والثانية الشاهدتين على تأسيس وزارة الاستخبارات والتصديق على قوانينها ولوائحها المنظمة، يوضح أن حتمية توفر شرط “الاجتهاد” في المرشح المقترح يضفي ثقلًا وثقةً ومصداقيةً على مراسيم وزير الاستخبارات المذيلة بتوقيعه، ويمنحها سمة “الحُكم الشرعي والديني”. بناءً على هذا المنظور، فإن فرمانات وزير الاستخبارات وقراراته تكاد تخلو من الأخطاء والعيوب والعوار من الناحيتين الإدارية والشرعية.
منذ تأسيس وزارة الاستخبارات الإيرانية، تعاقب على ترأسها كل من: محمد محمدي الريشهري، عليّ فلاحیان، قربان عليّ دُري نجف آبادي، عليّ یونسي، غُلام حُسین مُحسني إجَئِي (اِژِهای) Gholam-Hossein Mohseni-Eje’i، حیدر مُصلحي، محمود علوي، إسماعیل خطیب.
من بين هؤلاء الوزراء، اضطر السيد “دُري نجف آبادي” إلى تقديم استقالته بسبب عمليات قتل متسلسلة قام بها عملاء وزارة الاستخبارات في سبيل التخلص من معارضي النظام الإيراني في الداخل والخارج ما بين عامي 1988 و1998. كما عزل الرئيس الأسبق “محمود أحمدي نجاد” السيد “إجَئِي” عقب نشوب مشادات لفظية وخلافات سياسية بينهما في اجتماعات الحكومة.
وأغلب مَن تقلدوا وزارة الاستخبارات، لم يتلقوا تعليمًا كافيًا يؤهلهم إلى مرحلة “الاجتهاد”، وذلك بالنظر إلى خلفياتهم العلمية، فيذكر المرجع الشيعي “حُسين عليّ منتظري” أن وزير الاستخبارات الايراني “آلة توقيع” في أيدي وكلاء الوزارة وكوادرها، ينفذ أهدافهم.
وقد لعب عدد من وزراء الاستخبارات دورًا مؤثرًا ومحوريًا في بعض الأحداث المهمة بإيران؛ من بينها دور السيد “ريشهري” في تحديد إقامة عدد من مراجع التقليد المعارضين مثل “محمد كاظم حُسيني شريعتمداري”، وعزل “حُسين عليّ منتظري” من منصب نائب المرشد الأعلى.
كما لعب عملاء وزارة الاستخبارارت دورًا مباشرًا في عمليات القتل المتسلسلة والتصفيات الجسدية لمعارضي الجمهورية الإسلامية والمنشقين عنها، وأُعلن وقتها أن هؤلاء العملاء قد تصرفوا على هواهم الشخصي. كما اُتهم رجال الاستخبارات بالضلوع في تلفيق اتهامات وقَضِيَّات باطلة تدين المعارضين والصحيفين وتزج بهم في السجون والمعتقلات السياسية، وهو أمر لا یستطيع أحد نفي اِدعائه أو تأكيد صحته في ظل غياب الشفافية الإعلامية بإيران.
من ناحية أخرى، تُنسب مجموعة من عمليات الاغتيال التي طالت معارضو النظام الإيراني في الخارج إلى عملاء الاستخبارات مثل: مقتل شابور بختيار أخر رئيس وزراء في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وفِريدون فَرُخزاد الشاعر والمطرب والمذيع المشهور، وكاظم رجوي عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وعبد الرحمن قاسِملو الأمين العام للحزب الديمقراطي الكُردي الإيراني، وعبد الرحمن برومند رئيس المجلس التنفيذي لحركة المقاومة الوطنية الإيرانية، وغيرهم.
بعد هذه الاغتيالات، حدس البعض بأن اتصاف وزير الاستخبارات الإيراني بالاجتهاد يمنح إلى رجالاته نوعًا من الرخصة الشرعية في التعامل مع منتقدي النظام ومعارضيه.
على أية حال إن رجال الاستخبارات الإيرانية من وجه نظر “الخُميني”، مؤسس الجمهورية الإسلامية، هم “جنود إمام الزمان المجهولون”، فوُسمت مهامهم بوسمة “مذهبية شيعية”، ففي 4 مايو 1983 أي قبل أشهر قليلة من تأسيس وزارة الاستخبارات الإيرانية، أطلق الخُميني لأول مرة على رجال “وحدة مخابرات الحرس الثوري” لقب “جنود إمام زمان المجهولون”، وبعدها اُستخدم هذا اللقب في الإشارة إلى العاملين بوزارة الاستخبارات. أما المرشد الحالي “عليّ خامنئي”، فيري أن رجال الاستخبارات هم “درع النظام الفولاذي”، و”عين النظام البصيرة واليقظة”.
بناءً على ما تقدم، يُرجِع عدد كبير من الساسة الإيرانيين؛ من بينهم من قاموا بتأسيس وزارة الاستخبارات أنفسهم، السبب الرئيس في اختراق إيران أمنيًا من قبل الموساد الإسرائيلي إلى وجود مجتهد “فقيه” يقبع على كرسي الوزارة لا يفقه في شؤون العمل الأمني شيئًا، ويفتقر إلى سمات يجب الاتصاف بها، وتجارب يجب خوضها، وخبرات يجب اكتسابها مَن يتولى منصبًا رفيعًا كهذا.
هذا الأمر لا يفسر ما يشهده النظام الإيراني من فشل أمني فحسب، بل يفسر كذلك ما تواجه الدولة ككل من إخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية متتالية طيلة السنوات السابقة في ظل تسيُّد رجال فاقدي التخصص والمعرفة والخبرة على مؤسسات حيوية وسيادية بالدولة، تنحصر مجمل كفاءتهم في اعتمار العمائم وحمل ألقاب حجة الإسلام والمسلمين، وحجة الله، وآية الله، وغيرها من ألقاب دينية مثلما ينص الدستور الإيراني.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر