باريس – (رياليست عربي): تلقيت رسالة (فيديو) من صديق فاضل بالأمس محتواها اجتماعاً لعدد من المهتمين بالشأن العام، بعضها معروف لي، وبعضها الآخر، اسمعه للمرة الأولى، وأن هدفهم كما جاء بها الاتفاق على مرشح لخوض الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، والمقرر إجراؤها العام القادم 2024، كما سبق الإعلان عنها.
وحقاً، أصبت بحالة من الدهشة والاستغراب، على منهجية التفكر والعمل والإدارة والاداء والإخراج لبعض الأشخاص المحسوبين على المهتمين بالعمل العام والسياسة، وعلى الفور، تذكرت تصوير وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي قيام الفنان سعد الصغير بتقديم أوراق ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2012.
وتساءلت، لماذا هناك إصرار على تكرار الأخطاء؟ لماذا لا نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين؟ وتساؤلات أخرى كثيرة.. لماذا ولماذا ولماذا؟
ثم توقفت عند مبدأ الحرية المنضبطة الذي أؤمن به، وبالمنهجية العلمية آلتي أمارسها في حياتي العملية والشخصية، فكل شخص له الحرية في اتخاذ ما يحلو له من قرارات، وتحمل عواقبها ونتائجها، ولكن إذا كانت تلك القرارات يتأثر بها أطراف وأشخاص أخرين؟ فما هو الحل إذاً؟
وبعد تفكير، وجدت أن أفضل الحلول هو أصداء النصح، لعلهم يرشدون.
الخلفية المهنية والعملية والسياسية
لذا، قررت البحث عن المخزون المهني والعلمي لبعض هؤلاء السادة الكرام الذين أكن لهم كل الاحترام، ومن منطلق حرية الرأي والتعبير، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد الاحترام والتقدير، وقد تبين بينهم رجال أعمال ورؤساء أحزاب ونواب برلمانيين بمجلس النواب، وناشطين وباحثين وأكاديميين، وهو شيء جديد أن نجد هذا التنوع في الإيديولوجيات والتوجهات الفكرية والسياسية.
ولكن!!!
هل الخلفية المهنية والثقافية والفكرية، تمنح وتؤهل صاحبها القدرة على الترشح لمنصب سياسي؟ قد يجوز ذلك في المناصب السياسية الأولى في السلم والتسلسل القيادة السياسية؟
ولكن بالتأكيد ليس كافياً لمنح صاحبها القدرة على تولي أعباء منصب رئيس الجمهورية، وخاصة إذا كان هذا المنصب لدولة عريقة مثل مصر، وأظن أن كثيرين يتفقون معي في ذلك.
فهذا المنصب يحتاج إلى خلفية سياسية طبعاً واعتبارات أخرى كثيرة، ولكن بالتأكيد أيضاً يحتاج إلى خبرات في العمل التنفيذي في الواقع العملي وعلى أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، إن محافظ لعاصمة أو مدن كبرى مهمة، وزير سابق أو رئيس وزراء سابق سيكون أكثر إقناعاً من هؤلاء اللذين يمتهنون مهنة الكلام دون غطاء شعبي أو جماهيري بين جموع المواطنين أو الناخبين.
وأن أقدام هؤلاء السادة الكرام على الإعلان عن هذا الاجتماع، يثير العديد من التساؤلات:
أولاً، لم يصدر أي بيان رسمي عما دار في هذا الاجتماع، وما هو الهدف منه، وأسباب اختيار المكان والتوقيت؛
ثانياً، عدم الإعلان المسبق عن هذا الإعلان، يوضح انه اجتماع مهم يتسم بالسرية، فكيف يتم الإعلان عن صور السادة الحاضرين؟ بل والتقاط صور في وضع مرتب (صف جالسين، وآخر واقفين) – فهل هذا تصرف متعمد؟ وإذا لم يكن كذلك، فمن أخرج تلك الصور للعلن؟
ثالثاً، السادة الكرام، بعض رؤساء الأحزاب اللذين حضروا ذلك الاجتماع، لهم ظهير شعبي ضعيف، بل بعضهم ليس لهم أي تواجد في الشارع السياسي على الاطلاق، سوى مقر، والمستند الرسمي الدال على السماح على تأسيس الحزب، بل والأدهى من ذلك قد صرح أحدهم في حوار صحافي نشر عنه في عام 2015 أنه نادم على الدخول في عالم السياسة؟
رابعاً، هل يمكن لسادة الكرام رؤساء الأحزاب الافصاح عن العدد الرسمي للأعضاء المفيدين بسجلات الحزب لديهم، وتطور أعداد المقيدين منذ النشأة وحتى اليوم؟ (عدد الأحزاب يزيد عن 80 حزب)، وما هي المجهودات التي بذلها وأتبعها الحزب للانتشار بين جمهور المواطنين؟
خامساً، السادة الكرام الناشطين والمفكرين والباحثين والمؤلفين في الحقل السياسي، بكل تأكيد على دراية وإحاطة كافة بالممارسات السياسية في الدول الأخرى، ويعلمون جيداً كيف تعمل الأحزاب السياسية، وماهي آليات التصعيد والترشح للمناصب التنفيذية والسياسية من القاعدة إلى القمة؟ والاستفادة من تلك الخبرات؟ ولكن اذكر دول كبرى، بل سوف اذكر دول صغيرة ومتوسطة: رواندا/ جنوب إفريقيا/ السنغال/ ماليزيا/ كوريا الجنوبية/ فيتنام/..)؛
سادساً، السادة الكرام، هل كل رجل أعمال ناجح هو بالضرورة سياسي ناجح؟ ويحق لك الترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟ وهل عملك كنائب تجمع من المواطنين في مساحة جغرافية محدودة، تمنحك القدرة على إدارة دولة؟
سابعاً، السادة الكرام، هل لديكم القدرة والكفاءة الحقيقية والفعلية في التعامل مع السلطات الرئيسة بالدولة، كالقوات المسلحة والداخلية ومؤسسة الرئاسة والقضاء والخارجية، وغيرها؟
ثامناً، لماذا الإصرار على تكرار أخطاء الماضي؟ ولماذا الإصرار على السير عكس الاتجاه؟ والاصرار على نفس الأشخاص؟
الأسئلة والتساؤلات كثيرة، وأخيراً أود أن أنوه السادة الكرام، هل من المقبول حصر النشاط والعمل السياسي في الانتخابات، سواء محليات/ برلمان/ رئاسة/…؟ أين مجهوداتكم في الملفات الأخرى، والتي أراها أكثر أهمية، مثل الزيادة السكانية/ التعليم/ البحث العلمي/ الزراعة/ الصناعة/ المياه والمناخ/ تعظيم موارد وإيرادات الدولة/ مقترحات الحلول للحاضر والمستقبل/ آلية صياغة السياسات/…؟
فالأوطان ليست حكراً على الهواة ومدمني الإعلام وحب الظهور، فالقيادة علم وفن وخبرات عديدة متنوعة وتراكمية ومسؤولية عظيمة، لذا، السادة الكرام، الواقع يحتم أنه من الأفضل العمل على التواجد الفعلي بين المواطنين والجماهير، لتكوين دعم شعبي قوي لكم بين الناخبين والجماهير، وعدم تبرير العجز عن ذلك بأسباب أخرى، فعندما تكونوا صادقين مع الجماهير، سوف يمنحكم الدعم والتأييد، فالصدق والمصارحة والشفافية هي الحل السحري بين السياسي والجماهير ، فكيف لحزب عدد أعضائه بالعشرات يقبل ويقنع للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، أو أن يمنح نفسه الحق في تحديد المرشح أو منع مرشح آخر دون قوى داعمة له على أرض الواقع؟
وأخيراً، السادة الكرام، مصر دولة عظيمة جداً في الماضي والحاضر والمستقبل، فقد ظهر أحد المجتمعين في الصورة يرتدي شورت، وكما علمت أنه أحد رجال المال والأعمال في قطاع الطاقة، لك كل الحرية أن ترتدي ما تحب، ولكن عندما يعلق الأمر بالوطن “مصر المحروسة” وجب الانتباه ومراعاة الملبس، والكلام، والمكان، وكل شيء …ألا توجد صالة أو غرفة اجتماعات بأن فندق أو منتجع قريب لكم؟ وهل لو دعيت لاجتماع مهم أو لقاء شخص ذو منصب، سوف تقابله بالشورت؟
لذا، برجاء مراعاة ذلك مستقبلاً، فليس هناك أهم من الوطن “خاصة وأنها مصر الحبيبة”… وكفى عن ذلك أيها السادة الكرام.. رحمة بالوطن والمواطنين.. كفاية.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.