باريس – (رياليست عربي): في أعقاب وقوع الانقلاب العسكري في النيجر، يوم 26 يوليو من الشهر الماضي، وقبل سويعات من افتتاح الرئيس فلاديمير بوتين “قمة إفريقيا” بمدينة سان بطرسبرغ “ليننغراد سابقاً”، وأخبار النيجر تتصدر كافة وسائل الإعلام العالمية ومنصات وشبكات التواصل الاجتماعي.
النيجر أكبر بلد يقع في صحراء وسط إفريقيا، وهو حلقة الوصل بين وسط والغرب الإفريقي، وهي دولة حبيسة (ليس لها منفذ بحري) منافذها البحرية هي ميناء لومي عاصمة جمهورية التوجو، وميناء كوتونو عاصمة دولة بنين (دولة داهومي في السابق)، عاصمتها نيامي، اللغة الرسمية هي الفرنسية، بجانب لغات الزرما والهوسا، والجدير بالذكر أن اللغة العربية تدرس الي جانب اللغة الفرنسية في المدارس الرسمية، يحيطها سبعة دول هي: الجزائر، ليبيا، تشاد، مالي، التوجو، بنين، بوركينا فاسو “أرض الشرفاء” (فولتا العليا سابقاً)، أكبر مدنها: أجاديس، زندر، ومارادي والتي “يحكمها سلاطين” بتفويض من الحكومة المركزية.
يبلغ إجمالي مساحة النيجر حوالي 1,270,000 كم مربع، “مرة ونصف من مساحة مصر” مما يجعلها أكبر دول في منطقة غرب إفريقيا من حيث المساحة، كما يبلغ إجمالي عدد السكان قرابة 24 مليون نسمة (2023)، قد كان 8 مليون عام 1999، “تضاعف 3 مرات” يتركز معظمهم في أقصى جنوب وغرب البلاد. وعاصمتها هي مدينة نيامي وهي أكبر مدن النيجر التي تقع أغلبها على الضفة الشرقية لنهر النيجر في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد، وهو النهر الذي يمر عبر النيجر وسميت الدولة على اسمه.
تبلغ نسبة المسلمين 80% من إجمالي عدد السكان، المسيحيين 18% والباقي ديانات ومعتقدات أخرى – يمثل الأفارقة 98%، منهم 50 %من الهوسا، 19% من الجرما، ويمثل الطوارق 10% تقريباً، والعرب 1%.
تعتبر النيجر من أفقر 5 دول في العالم بجانب تشاد وإفريقيا الوسطى ومالي وبنغلاديش.
النيجر بلد بلا موارد، يعيش على المساعدات الخارجية والدولية والمنح والهبات، والتي يبلغ الإجمالي ما يقرب من 2 مليار دولار سنوياً، عملتها هي CFA المرتبطة ودول المنطقة بالفرنك الفرنسي، “اليورو” حالياً، يمتهن أغلب السكان الزراعة والرعي والحرف اليدوية البدائية البسيطة، والتجارة مع الدول المحيطة.
الخطوط الجوية العاملة والتي تصل الي العاصمة نيامي هي: “Air France الخطوط الجوية الفرنسية” والخطوط الجوية المغربية RAM، والجزائرية، والليبية في السابق “والتي توقفت بسبب حظر الطيران علي ليبيا بسبب قضية لوكاربي وقد حلت محلها شركة الطيران الإفريقية” والتي أعلنت إفلاسها لاحقاً بسبب وقف الدعم الليبي لها، وعملت الخطوط الجوية السودانية لفترة بين الخرطوم ونجامينا/ تشاد وبانجي/ إفريقيا الوسطى و صولاً إلى مدينة داكار عاصمة جمهورية السنغال.
جوها مداري، حار جاف، شديد الحرارة خلال أبريل ومايو، غزير الأمطار من يونيو ونهاية أغسطس “سيول” والجو حار جاف من سبتمر وحتى منتصف شهر يناير، ثم تأخذ الحرارة في الارتفاع حتى تصل ذورتها خلال شهر أبريل.
النيجر عضو في منظمة العالم الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيكواس، وباقي المنظمات الدولية.
النيجر والذكريات: غرائب وعجائب.. “مطار مغلق”
قد شاءت الأقدار أن أعمل بالعاصمة نيامي خلال الفترة من يناير 1995 وحتى نهاية عام 1999، وبشكل مختصر فهي فقير للغاية شعباً ودولة، “بلد المادة الخام للفقر” إن صح التعبير، وكما وصفتها، ولكنهم شعب شديد الطيبة والثقافة، وعاشق لمصر عبد الناصر والأزهر وعلمائه.
ولدي ذكريات كثيرة، تحتاج إلى مجلد على المستوى المهني والشخصي، فهي أرض خير وبركة وأرض التناقضات، ولكن تحضرني الذاكرة الآن، أنه في يوم من الأيام، فرض الأمر أن أسافر في مأمورية عمل إلى دولة السنغال، وعند الوصول إلى المطار وجدت الأبواب مغلقة، وأن الرحلة قد ألغيت بسبب عدم وصول الطائرة، وكان لزاماً على الانتظار أسبوعاً كاملاً، حيث أن الرحلة مرة كل أسبوع، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن المطار يعمل يومين في الأسبوع أو ثلاثة على أقصى تقدير لمدة وصول أو مغادرة الطائرة.
والجدير بالذكر، أنه بعد وصولي بيوم تلقيت اتصالاً هاتفياً من رئيسي المباشر “رحمه الله عليه” للاطمئنان على وصولي وتشجيعي، حيث قد زار النيجر في عام 1967، وقد سألني ما هو انطباعك عن النيجر، وكان ردي ” أن مناطق المدافن بالقاهرة بها وسائل أكثر حضارة مما وجدته هنا “فقد كان الأمر في غاية الصعوبة بالنسبة لي حقاً” فقد أصبت بصدمة حضارية كبيرة”choc des civilisations “.
النيجر: بلد اليورانيوم والانقلابات
عندما وصلت النيجر كان رئيس الجمهورية هو مهمان عثمان والذي وصل إلى السلطة بالانتخابات الحرة، ثم تم عزله عبر انقلاب عسكري بقيادة الجنرال، إبراهيم باري معين صرة، والذي كان محباً لمصر والمصريين، والذي قام بزيارة مصر بصحبة حرمه، ووفد كبير، يضم أكثر من 40 من رجال الأعمال والتجارة برئاسة رئيس الغرفة التجارية، ورئيس مجلس إدارة شركة كارين للتأمين بالنيجر، والذي كانت تربطني به صداقة قوية، وبفضل من الله، نجحت في تنظيمه وترتيبه وبالتعاون مع زملائي بالإدارات المختصة بالقاهرة “برئاسة حسام عارف وقتها (لهم مني جزيل الشكر) وبتوجيهات ورعاية معالي السفير المصري في ذلك الحين”، فقد كان مقرراً أن أكون بصحبتهم، ولكن للأسف أصبت بالتيفوئيد والملاريا حالت دون السفر معهم”، وذلك رداً على زيارة عمرو موسى وزير الخارجية المصري في ذلك الوقت، والذي قام بجولة لعدد من الدول الإفريقية منها النيجر بصحبة وفد من رجال الأعمال المصريين بلغ عددهم 27 شخص ورفقة إعلاميين وصحفيين، أتذكر منهم الصحفي الراحل محفوظ الأنصاري – الرئيس السابق “لوكالة أنباء الشرق الأوسط- المصرية ” والذي استمتعت بالحوار والنقاش معه طوال مدة الرحلة والتي كانت يومين فقط، أتذكر جيداً أنه سألني، ما هذه البلد الفقيرة التي يكسوها اللون الأصفر، في كل مكان من المطار وحتى الوصول إلى فندق الإقامة.
وقد دعوت السيد، عمرو موسى أثناء تناول الغداء تحت رعاية سعادة السفير المصري، لزيارة مقر شركتنا، ورحب ووعدني بذلك ولكن لضيق الوقت للأسف لم يتحقق ذلك، وعند توديعه داخل الطائرة، قال لي: “لا تزعل فقد مررت بجوار عمارة النصر” بطريق المطار، وسررت كثيراً.
” فقد كانت لتلك الجولات لرجال الأعمال إلي إفريقيا بصحبة المسؤولين لها مردود اقتصادي وسياسي وتجاري واستثماري مهم وكبير للغاية”، والنيجر بها ثلاثة بنايات هي: سونارا 1، وسونارا 2، وعمارة النصر، التي تعتبر معلم من معالم النيجر وتقع بأهم شارع في العاصمة نيامي، شارع جمال عبد النصر، والتي تم افتتاحها في عام 1967، والذي في أوله تقع سفارتي مصر والمغرب، وتعتمد النيجر أيضاً على سياحة السفاري، التي يقوم بها أغنياء وأمراء العرب في صحراء النيجر الشاسعة لصيد الغزال والحيوانات والطيور المهاجرة من وإلى أوروبا، ويوجد فيها 3 فنادق كبرى هي سوفتيل”جاواي” والترمنيس وجراند أوتيل، وعدد من الفنادق الصغيرة الأخرى، وتشتهر النيجر ببيت الأزياء العالمي “الفادي” المشهور عالمياً في إفريقيا وأوروبا، وخاصة فرنسا.
وتحضرني الذاكرة، أنه في لقاء مع وزير التجارة: أخبرني أنه في طفولته كان يذهب إلى بناية النصر لاستخدام المصعد والذي كان شيء غريب وحديث جداً في ذلك الحين.
من جانب آخر، مع بداية موسم المطر ، تبدأ ظاهرة الشحنات الكهربائية، اذا تلامست مع الأشياء المعدنية أو عند السلام مع أي شخص، والغريب أيضاً إذا لا مست الخشب!، بسبب اليورانيوم الذي تشتهر به النيجر حيث تحل في المركز السابع عالمياً من حيث الاحتياطي العالمي، حيث يؤدي اليورانيوم دوراً حيوياً في صناعة الطاقة، وسط توقعات بنمو الطلب على اليورانيوم في السنوات المقبلة، وتكشف قائمة أكبر 10 دول في احتياطيات اليورانيوم، النقاب عن أهمية هذا المعدن في قطاع الطاقة العالمي، فموارد اليورانيوم المستخرجة تُتيح الوقود اللازم لتوليد الطاقة النووية منذ أكثر من 60 سنة، وتغطي الطاقة النووية –الآن- 10% من احتياجات الكهرباء العالمية، ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على اليورانيوم في السنوات المقبلة، وهو ما يُعدّ نذير خير لأسعار اليورانيوم بالارتفاع في المستقبل.
ووفقاً للتقديرات والبيانات العالمية، ما يزال هناك 60 مفاعلاً نووياً قيد الإنشاء عالمياً، مع وجود خطط لإضافة زيادات كبيرة في السعة إلى المحطات القائمة أيضاً، ويبلغ الاحتياطي العالمي من اليورانيوم 57 ألف طن تقريباً، وفقاً لبيانات عام 2021، وقائمة الدول العشرة بالترتيب: أستراليا، كازاخستان، وكندا، روسيا، ناميبيا، جنوب إفريقيا، النيجر، البرازيل، الصين، وأخيراً الهند.
انقلاب أبريل 1999
فجأة في أحد أيام شهر أبريل الحارة، أعلن الراديو والتلفاز الوطني “الذي يعمل ساعتين” عن وقوع انقلاب عسكري على الرئيس إبراهيم باري، والذي تم اغتياله بالمطار عند وصوله من رحلة خارج البلاد “وقد قتل بقذيفة مدفع وتناثرت جثته، والتي تم جمعها لاحقاً” كما ذكر لي بعض المقربين من الرئاسة، في ذلك الحين، وتم تكوين مجلس حاكم وإلغاء الدستور، وأعلنت الأحكام العرفية، وحظر التجوال وقطع كافة الاتصالات، كما حدث في الانقلاب العسكري الأخير، وهي سمة كافة الانقلابات التي وقعت في السابق أو ستقع مستقبلاً.
فقد كانت فترة عصيبة جداً في الحفاظ وإدارة هذا الصرح وأمن أرواح السكان من مختلف الجنسيات.
![صورة.رويترز](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2023/08/النيجر.jpg)
انقلاب اليوم: الأسباب والحل
منذ استقلال النيجر عن فرنسا في عام 1960، وهي تتبع نظام ديمقراطي، لتداول السلطة السياسية الحاكمة عبر انتخابات حرة، ولكن منذ حقبة التسعينات من القرن الماضي، تلاحق الانقلاب بها الواحد تلو الآخر.
” رؤية تحليلية “
سمات عامة:
- الانقلاب هو بمثابة عدوة ينتقل من بلد لآخر، خاصة في الدول الفقيرة، ونظراً لنجاح الانقلاب في كل من الكونغو ومالي وبوركينا فاسو، شجع تكرار ومحاكاة القيام بهذا الانقلاب، ويتوقع تكراره مستقبلاً في دول أخرى محيطة؛
- المشاكل الاقتصادية والمالية التي تمر بها معظم دول العالم وخاصة الفقيرة، ألقت بظلالها القاتمة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية؛
- ضعف مخصصات المنح والمساعدات لتلك الدول، او منحها لجهات تستأثر بغالبيتها دون غيرها من الجهات الأخرى، مما يساعد على نشر الصراعات الداخلية بين السلطات والجهات المسؤولة؛
- تدخل جهات خارجية، نتيجة الصراعات بين القوى العظمى، كما هو واضح على الساحة الدولية؛
- نتيجة الانقسام الذي يمر به العالم اليوم، أصاب المنظمات الدولية بحالة من الارتباك الشديد وحالة شلل وجمود، وعدم القدرة على اتخاذ قرار دولي بالإجماع، ويتضح ذلك في كافة قرارات الدولية؛ التي لا تقرر بسبب استخدام حق الاعتراض “الفيتو” من كلا الجانبين ضد الآخر “مكايدة سياسية “.
- الأوضاع الاقتصادية العالمية والداخلية التي تمر بها الدول الكبرى أضعفت من سيطرتها على مناطق كثيرة حول العالم “وذلك ما ذكرناه في مقالات سابقة، حيث توقعت انتشار الفوضى والقلاقل في بلاد ومناطق كثيرة حول العالم، إذا لم يتم التغلب على الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وقبلها إحداث توافق سريع بين الدول الكبرى، ووقف الصراع المحموم بينهم “المعلن وغير المعلن” بأسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان.
وفوق كل ما سبق: أخطر وأهم سبب في وقوع تلك الأحداث، هو “الفساد السياسي” الذي تعاني منه تلك الدول منذ نيل استقلالها وحتى اليوم.
النيجر: سمات خاصة
رغم الفقر الشديد الظروف المعيشة الصعبة التي يعيشها السواد الأعظم من شعب النيجر، إلا أنهم شعب مثقف ومهتم بالشأن السياسي وممارسة الديمقراطية وحرية الرأي والانتخاب، ولكن:
مع انتشار عدم الأمن في السنوات الأخيرة، واتساع نشاط الجماعات المسلحة “بوكو حرام” لضعف الإمكانات والمعدات ولكبر المساحة الجغرافية للنيجر وحدودها المشتركة مع عدة دول، كما ذكر في السابق، والتي أغلبها يعاني عدم الاستقرار والأمن بنسب متفاوتة.
وعلى الرغم من أن مواطني النيجر يتسمون بالطيبة والسلم، الا أنهم قد يظهرون العنف والغضب الشديد دون سابق إنذار، كما أنه نظراً لبعض المعتقدات والمفاهيم والعادات والتقاليد والأعراف والثقافة الإفريقية العامة الراسخة لديهم، والتي كثيراً ما تكون أقوى من التعاليم الدينية، “أو مخالفة له” مثل الفساد والرشوة فهي تجعل من السهل شراء الذمم والضمائر، وتجعل كل شيء صعب ومستحيل، أمر ممكن وسهل المنال.
![](https://arabic.realtribune.ru/img/uploads/2022/07/ماكرون.jpg)
ماذا ستفعل فرنسا؟
بحكم إن دولة النيجر إحدى المستعمرات الفرنسية في السابق، مثل دول إفريقية كثيرة، ورغم مظاهر العداء التي ظهرت في وسائل الإعلام المصورة من اعتداءات على مقر السفارة الفرنسية بالعاصمة نيامي، وحرق للعلم الفرنسي ورفع العلم الروسي، وإعلانها رفض الانقلاب وضرورة عودة الرئيس المنتخب محمد بازوم “المحتجز هو وعائلته من قبل قادة الانقلاب” وعدم التعرض للمنشآت والأفراد الفرنسيين، والتهديد بالتدخل العسكري، وهو الأمر الذي اتخذته أمريكا ومنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، ومجموعة الإيكواس، وإمهال قادة الانقلاب 15 يوماً لعودة النظام إلى وضع ما قبل يوم 26 يوليو الماضي، وكما فوض وزير الخارجية لنظام بازوم الموجود في باريس، بطلب تدخل الإدارة الفرنسية لإعادة النظام الشرعي .
ووفقاً لتلك المعطيات، فمن المؤكد أن الإدارة الفرنسية أو الأمريكية لن تتدخل عسكرياً إلا بعد إجلاء كافة رعاياهم وأخذ كافة الضمانات لتأمين مصالحها هناك، عندها قد يكون هناك احتمال لتدخل عسكري “لكنه ضعيف” لماذا؟
- يمر الاقتصاد الفرنسي بمرحلة صعبة حالياً، ومثقل بالأعباء وهناك ضرورة لتلبية المطالب الداخلية، فهو في غنى عن استنزاف موارده في تدخلات ومشاكل خارجية، وكذلك حال الإدارة الأميركية؛
- فطنة الإدارة الفرنسية، بأن هناك قوى خارجية تحاول بشتى الطرق توريط الإدارة الفرنسية في مناطق نفوذها وخاصة مستعمراتها السابقة؛
- مواطنو المستعمرات الفرنسية القديمة، رغم كره الطبقة الشعبية لفرنسا، إلا ان الطبقة الحاكمة والأغنياء والمثقفين، تدين بالولاء الكامل لفرنسا، وأن مدينة باريس هي مزار مقدس لهم، وأن فرنسا بالنسبة لهم هي “الأم والأب”، فالصراع الدولي على إفريقيا منذ فترة كبيرة، فقد حلت دول كثيرة لملئ الفراغ الذي تركته مصر بعد الزعيم جمال عبد الناصر “فقد سمعت بأذني أن الحجر قبل البشر كان ينادي ويهتف باسم عبد الناصر في الحناجر، وكل الشوارع والميادين والبيوت”.
فأفريقيا هدف لدول لا تخطر على بالنا، جاءت وليس لها أي تواجد أو روابط ثقافية أو اقتصادية أو سياسية او اجتماعية أو تاريخية أو أمن قومي، كالتي تتمتع بها مصر مع دول إفريقيا دون استثناء.
لذا، أتوقع عدم قيام الإدارة الفرنسية بالتدخل العسكري، أو استخدام القوة، وإن حدث فسوف يكون تدخل خاطف وسريع ومؤثر، على غرار ما قامت به بريطانيا في حرب جزر فوكلاند.
وأن عنصر الوقت والزمن ليس في صالح قادة الانقلاب، وإن بقاء محمد بازوم على قيد الحياة يعطينا أمل “ولو ضعيف” بإمكانها العودة مرة أخرى، مع تلبية لبعض مطالب قادة الانقلاب، وهو الاحتمال الوارد والمرجح.
وإن كان هناك احتمال آخر، بأن تستخدم الإدارة الفرنسية الانتظار والصبر والدهاء، وأنه كما حدث انقلاب عسكري مفاجئ لها، تستطيع بحكم المعطيات والأسباب العديدة، من مساعدة بعض الآخرين الذين يدينون لها “وما أسهل من ذلك ” من تولي السلطة والحكم، دون الحاجة إلى استخدام القوة او التدخل العسكري، فهي “تدير تلك الدول عند بعد” وتحصل على ما تريده دون عناء أو تكلفة.
وهناك من يبرر ذلك التدخل بإنه يحرم فرنسا من مصادر ثروة هامة لها مثل خام الذهب واليورانيوم:
وهذا أمر سهل الرد عليه، بأن مصادر تلك المعادن رغم تواجدها في تلك الدول إلا أنها تحت سيطرة وهيمنة ورقابة الدول الكبرى، وأنه ليس بالأمر السهل استحواذ دول أخرى بسهولة عليه، وأن خطورة استخدام خام اليورانيوم في القدرة على التخصيب، فامتلاكه على حالته الطبيعية ليس له أي فائدة صناعية، قد يحدث مضايقة أو مزاحمة، ولكن السيطرة أمر مستبعد، وعلى أقصى تقدير في الزمن القريب والمتوسط.
النتائج المستخلصة:
بصرف النظر عن نجاح الانقلاب أو عودة السلطة والأوضاع إلى ما قبل يوم 26 يوليو الماضي، فإن الخاسر الوحيد هي دولة وشعب النيجر، والعودة دائماً إلى المربع رقم واحد، وأن الشعب في غنى عن حرمانه من المساعدات والهبات الخارجية، التي تعيش عليها الدولة والتي لا تمتلك أي موارد او مقومات دولة حديثة “فهي دولة شديدة الفقر والمعاناة، يصعب وصفها”.
وأن الصراع على السلطة والمنفعة الشخصية هي الهدف والمحرك الأساسي، لهؤلاء المنتفعين، وأصحاب المهارات الخاصة وحاملي المباخر، والبطانة “أحلامك أوامر” الفاسدة والذين يحققون أغراضهم الخبيثة، تحت شعارات وهمية وزائفة، أصبحت ” قالب” ونموذج يستخدمون سمعه ليل نهار عن محاربة الفساد، وتحقيق الاستقرار والأمن، وبناء وتشييد للأجيال القادمة، وحماية الدولة من التهديدات الخارجية، والبث الدائم المستمر لأفكار المؤامرة، “وكأن الدول الأخرى شغلها الشاغل هي تلك الدول الفاشلة الغارقة في الفساد والمشاكل” وأن الغد أفضل من أمس واليوم، ثم نكتشف ان كل ذلك وهم وأحلام وأننا كنا نعيش كابوس، وسوف نورث الأجيال القادمة المشاكل والأزمات ليس لهم بها أي ذنب، كما ورثنا نحن ممن سبقنا المشاكل والأزمات دون ذنب لنا .
وسواء نجح أو فشل هذه الانقلاب في النيجر أو غيرها هل سوف يتغير الحال، ونرى سفينة فضاء أو غواصة أو قمر صناعي صناعة النيجر “أو حتي علبة كبريت”، بل العكس سوف تزاد مشاكلها وأزماتها ومعاناة شعبها واللجوء الي الفرار والهجرة عبر البحر والموت، عبر تجار الهجرة غير الشرعية، والتي أظن أنهم يزاولون ذلك النشاط بدعم من جهات وسلطات رسمية، وإلا لماذا لم يتم القبض عليهم وتركهم هكذا يعملون بكل حرية، وآلاف الضحايا يموتون كل يوم بعد شراء الوهم وحلم الهجرة، وخير دليل على ذلك هو أن كافة الوعود والقرارات التي صدرت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه سوف يمنح ويقدم لإفريقيا مساعدات فنية وبضائع “دون التطرق إلى أي منح أو مساعدات مالية وهو خير ما فعل” لأنه يعلم جيداً حجم الفساد المتجذر في الإدارات والسلطات الأفريقية، والتي سوف يستحوذ عليها أصحاب العزوة والنفوذ، وعدم وصولها لمستحقيها من المواطنين الفقراء والمحتاجين.
فالعدو الحق هو: الفقر والجهل والفاسدين والمنتفعين والجهلاء والخونة والمنافقين، وسلاماً على أرض النيجر العزيز، سلاماً على إفريقيا الغالية.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.