باريس – (رياليست عربي): القانون هو والعدالة والمساواة، وهو أساس الحكم، وبه تحيا الأمم والشعوب، ولذلك فالعدالة شعارها، هو الميزان متكافئ ومتساوي الكفتين، تحمله امرأة معصوبة العينين، دلالة على المساواة بين كلا المتنازعين أو الخصوم دون النظر إليهم أو من هم .
وقد طالعتنا الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة، بقيام الرئيس الأميركي بإصدار قرار عفو رئاسي عن ابنه والمتهم والمتورط في قضايا تهرب ضريبي وسلاح .
وذكر السيد بايدن في بيان نشره البيت الأبيض: “منذ اليوم الذي توليت فيه منصبي، أكدت أنني لن أتدخل في قرارات وزارة العدل، وقد التزمت بوعدي حتى وأنا أشاهد ابني يحاكم بشكل انتقائي وغير عادل”.
وأضاف: “لا يمكن لأي شخص عاقل ينظر إلى وقائع قضايا هانتر أن يصل إلى نتيجة أخرى سوى أنه استهدف فقط لأنه ابني – وهذا خطأ”.
وتابع بايدن: “آمل أن يفهم الأميركيون السبب الذي جعل أباً ورئيساً يتخذ هذا القرار”.
وقال إن “هانتر تعرض لمحاولات لكسر عزيمته رغم أنه ابتعد عن الإدمان لمدة خمس سنوات ونصف حتى في ظل تعرضه لهجمات مستمرة وملاحقات قضائية انتقائية”.
وعلى الجانب الآخر، سارع الرئيس الامريكي المنتخب، دونالد ترامب انتقاد فرار الرئيس جو بايدن، العفو عن نجله هانتر بايدن المتهم في قضايا سلاح وضرائب، ووصف القرار بـ “الانتهاك الفاضح والتحريف للعدالة”، وتساءل ترامب على حسابه الخاص، لماذا لم يشمل العفو الرئاسي الذي أصدره سلفه الأشخاص الذين تم سجنهم عقب أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في يناير 2021؟
وعلق ترامب: “هل يشمل العفو الذي منحه جو لهانتر، الأشخاص الذين تم احتجازهم في أحداث السادس من يناير، والذين تم سجنهم الآن لسنوات؟ إنه انتهاك فاضح وتحريف للعدالة!”.
إن هذا القرار والتعليق عليه يجعلنا نتوقف ونتأمل كثيراً، إلى فلسفة ومنطق من يحكمون أكبر وأقوى دولة اقتصادياً ومالياً وتجارياً في العالم الحديث، والمهيمنة على مجريات أغلب القضايا والملفات الدولية.
معهم فقد القانون قدسيته وهيبته، وأصبح دمية يتلاعب بها، وهو الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة قريباً وبعيداً على القانون والعدالة والمساواة.
وللأسف فهذا الأمر رأيناه، يحدث كثيراً تمثل في تدخل رجال الحكم واستخدامهم صلاحياتهم الممنوحة لهم بحكم منصبهم السياسي، في إصدار قرارات عفو عن مدانين في جرائم يعاقب عليها القانون، وهو الأمر الذي يطرح طلب عاجل بضرورة إعادة النظر في تلك الصلاحيات القانونية التي تخل بالعدالة والمساواة وتضر بالأمن القومي الوطني والعالمي، أو على الأقل الحد من استخدامها.
إن الاستخدام غير الرشيد للقوانين لمصلحة افراد بعينهم، يصيب الرأي العام بعدم الرضا وفقد الثقة والشك والريبة في القانون والعدالة، ويساعد في نشر السلبية لدي المواطنين، وهو أمر شديد الخطورة، على استقرار الأمن والسلم الاجتماعي وطنياً وعالمياً، وهو الأمر المتوقع أن يحدث في المدي القريب والبعيد.
ونذكر هؤلاء الذين تحركهم أهوائهم ونفوسهم الضعيفة، أن يسترجعوا التاريخ وقراءته، وكيف كانت عاقبة هؤلاء، وكيف كانوا سبب في سقوط واندثار أمم وشقاء شعوب.
فالعَدلِ والقِسطِ في تطبيقِ أحكام القانون، وعدمِ مُحاباةِ أحدٍ على حسابِ أحدٍ آخر.
وذكرت كتب السنة النبوية قصة عن امرأةٍ مِن بني مخزوم سرقَت في عهدِ رسولِ الله (ص)، ولـمّا كانَت هذهِ المرأةُ مِن قبيلةٍ معروفةٍ وذاتِ شأنٍ في قريش، أرادَ جماعةٌ مِن كُبراءِ قريش ورجالاتِها أن يشفعوا لهذه المخزوميّة، حتّى لا يُقامَ عليها حدُّ السرقة، فلم يجرؤ أحدٌ مِن قُريش أن يُكلّمَ رسولَ اللهِ (ص) في هذهِ القضيّةِ، فالتمسوا مِن أسامةَ بنِ زيدٍ أن يشفعَ لها عندَ رسولِ اللهِ (ص)، فلـمّا كلَّمَه أسامةُ في ذلكَ، قالَ له رسولُ اللهِ (ص) أتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ؟
ثمَّ قامَ فخطبَ، فقالَ (ص): إنمّا هلكَ الذينَ قبلَكم، أنّهم كانوا إذا سرقَ فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرقَ فيهم الضعيفُ أقاموا عليهِ الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمّدٍ سرقت لقطعتُ يدَها. فالحديثُ فيه تحذيرٌ صريحٌ وبيانٌ لأحدِ الأسبابِ الرئيسةِ في هلاكِ الأممِ السابقةِ التي ما كانَت تُطبّقُ أحكامَ اللهِ تعالى بينَ الناسِ على السواء، وإنّما كانَت تُحابي بينَهم على حسبِ المصلحةِ، والمكانة والوجاهة الاجتماعية.
ومن أجمل ما قيل في القانون والعدل والإنصاف، قول أبي بكر الصدّيق: ” القويّ فيكم ضعيف عندي.. حتى آخذ الحقّ منه.. والضّعيف فيكم قويّ عندي، حتّى آخذ الحقّ له.”
انتبهوا ايها السادة، احترام القانون والعدالة والمساواة وعدم المحاباة أساس الحكم والاستقرار والسلام الاجتماعي.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.