موسكو – (رياليست عربي): إن الحرب الافتراضية التي روّج لها الغرب، من المستحيل أن تبادر إليها روسيا، خاصة في محيطها، لا ضد أوكرانيا ولا غيرها، إلا أن عمق المشكلة الأساسي كان يتمحور حول الرفض الروسي القاطع لدخول قوات أطلسية إلى حدودها، لا من البوابة الأوروبية ولا من البوابة الأوكرانية أو الجورجية.
ومع ازدياد الصراخ الغربي والضجيج الإعلامي بتحديد موعد المعركة، وقرب اجتياح روسيا لأوكرانيا، بادرت موسكو لإغلاق هذه الصفحة بأن سحبت بعد قطعاتها العسكرية إلى ثكناتها الأمر الذي سيقطع الذريعة الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وينهي حالة الحرب الافتراضية التي أب الغرب الترويج لها، حول هذا الموضوع، يقول مدير مركز خبراء رياليست، أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور عمرو الديب خلال تصريحات إعلامية.
ماذا تريد روسيا من أوكرانيا؟
يقول الدكتور الديب: تريد روسيا من أوكرانيا أن تكون دولة مستقرة سياسياً، وألا تكون قاعدة تشكل أي تهديد غربي ما، للأراضي الروسية انطلاقاً من أراضيها، خاصة وأن أوكرانيا هي الدولة الأقرب إلى روسيا جغرافياً من الجانب الأوروبي الذي هو في غالبيته في حلف شمال الأطلسي – الناتو، بالتالي، تشكل الجغرافية الأوكرانية مسألة غاية في الأهمية والخطورة البالغة للأمن القومي الروسي، لذلك ومنذ أول ثورة ملونة في العام 2004 التي حدثت في شكلها الجديد وحتى الآن، تسبب أوكرانيا صداعاً كبيراً للقيادة الروسية لأنه أمر خطر جداً، بسبب أن الهدف الغربي الأوحد في سياستهم تجاه روسيا، أن الحرب المباشرة مع روسيا هي أمر صعب، لذلك الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، يعتمدون على تشكيل نقاط ساخنة كثيرة حول المنطقة الجغرافية المحيطة بروسيا بسيناريوهات متعددة، الأمر الذي قد يرهق روسيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لكي تضعف القوة الروسية والاتحاد الروسي الجديد الذي بدأ مع دخول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين بداية العام 2000، وحتى الآن.
ويتابع مدير مركز خبراء رياليست بالقول، إن الاتحاد الروسي، وريث شرعي للاتحاد السوفيتي، لذلك قوة الاتحاد الروسي في آخر 15 عاماً، تطورت وتنامت بشكل كبير ومتسارع، لذلك تعمل الولايات المتحدة على تقويض هذه القوة من خلال تشكيل النقاط الساخنة حول المحيط الروسي، ورأينا ذلك في كازاخستان وقيرغستان وفي بيلاروسيا وأوكرانيا وكذلك في جورجيا العام 2008.
هل يقوم الغرب بشكل أو بآخر، بدفع الاتحاد الروسي دفعاً لاحتلال أوكرانيا كي يكرر تجربة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان؟
يقول الدكتور الديب، من خلال مقارنة بين تجربة أوكرانيا وأفغانستان، بتجربة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين باحتلال الكويت العام 1990، بالتالي ما يحدث في الحالة الأوكرانية هو فخ أمريكي – بريطاني، وليس فرنسياً ولا ألمانياً لأنهما خارج هذا الأمر، وذلك لجر روسيا للوقوع في هذا المستنقع، وسيكون ذلك أشبه بدخول الاتحاد السوفيتي إلى أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، ودخول العراق إلى الكويت في تسعينيات القرن الماضي، وهذا أمر في منتهى الخطورة لأنه من الممكن أن يؤدي إلى إنهاء كل ما توصل إليه الاتحاد الروسي في آخر عشرين عام، منذ قيادة الرئيس فلاديمير بوتين لهذه الدولة الكبيرة.
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أن بوتين والقيادة الروسية يعون ذلك جيداً ويتفهمون أبعاد هذا الفخ جيداً، فالرئيس بوتين شخصية تحب المفاجآت بشكل كبير، ولم يحدث في تاريخ الحياة السياسية لبوتين منذ أن دخل الكرملين وحتى الآن أن اتخذ قرار يتم تداوله في الإعلام، خصوصاً الإعلام الغربي، فلو قرر بوتين غزو أوكرانيا، فإنه سيغزوها.
وفي نقطة مهمة جداً، يقول الدكتور الديب إن كل ما يدور الآن في الملف الأوكراني وملف الضمانات الأمنية، جاء بعد استخدام الطائرات المسيّرة التركية من قبل الجيش الأوكراني ضد شرق أوكرانيا، حيث تم استخدام تلك الطائرات في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (2021)، ومن بعد هذا التاريخ بدأت روسيا ترى كل ما حدث خلال آخر أربعة أشهر من تحول الموقف الروسي ورغبتها بأن يُقدّم لها ضمانات أمنية قوية مكتوبة من الجانب الغربي، كي لا تكرر سيناريو الضمانات الشفهية في تسعينيات القرن الماضي التي لم يلتزم بها حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، لذلك الرئيس بوتين لن يسمح بتكرار هذا الخطأ مرة أخرى، فالضمانات يجب أن تكون مكتوبة ومعلومة للجميع، وهنا الجدير بذكره أن روسيا نشرت منذ فترة المراسلات الدبلوماسية بينها وبين ألمانيا، وهذا أمر خارج العرف الدبلوماسي، لكن روسيا في كل ما يحدث بينها وبين الغرب يجب أن يكون معلوماً للجميع وألا يكون هناك شيئاً سرياً نهائياً، كي لا يتحول الأمر في نقطة معينة إلى حرب كبرى، فيجب أن يكون كل العالم على معرفة تامة بما دار بين السياسيين الروس ونظرائهم الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.
ويؤكد مدير مركز خبراء رياليست، ان مسألة غزو أوكرانيا لن تحدث، لكن أوكرانيا في قلب الحدث وهي مركزه، مع الإشارة إلى أنه في العام 2014 تم ضم شبه جزيرة القرم، وقال الساسة في أوكرانيا إنه على الجيش الأوكراني أن يعيد القرم إلى أوكرانيا وأيضاً هناك جمهوريتان في شرق أوكرانيا هما دونيتسك (دونباس)، ولوهانسك تم انفصالهما كذلك عن أوكرانيا، لكن أوكرانيا تطالب بإعادتهما، من هنا الرئيس بوتين مهتم جداً لمسألة عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، لأنه إذا انضمت فعلاً، سنكون أمام فرضية حرب مباشرة بين روسيا والحلف، حينها تستطيع أوكرانيا العضو في حلف شمال الأطلسي أن تستعيد مناطقها بمساعدة دول الحلف ضمن معاهدة الدفاع المشترك.
وهذا ما يريد الرئيس بوتين إيصاله للغرب بأن هذا هو الذي سيحدث في حالة انضمام أوكرانيا للحلف.