طرابلس (رياليست عربي): يبدو أن ربيع البهجة بالسلطة الليبية الجديدة ذبل سريعاً، ووصل إلى مرحلة الخريف بسرعة أكثر مما توقع أكبر المتشائمين بفشل هذه السلطة.
ورغم الدعم الدولي الذي تلقته السلطة الجديدة، ووقف الأعمال القتالية منذ أكثر من 8 شهور، إلا أن تصاعد حدة الاشتباكات والأعمال القتالية وعمليات الحشد العسكري في مدينة العجيلات غرب العاصمة طرابلس، والتي نشبت منذ حوالي الأسبوعين أعلنت بوادر فشل السلطة الجديدة، ما تشهده الحالة الليبية ، من تحركات دولية دبلوماسية تسبق مؤتمر برلين، للتوصل إلى خطوات عملية لدعم الاستقرار وإخراج المرتزقة، وسحب السلاح من الميليشيات.
عودة القتال بين المليشيات المحلية في ضواحي العاصمة الليبية، أدى إلى توقف الحركة في مدينة العجيلات، وأغلقت كافة المحال اليوم بعد دخول مجموعات مسلحين من مدينة الزاوية يقودهم “محمد بحرون” الملقب بـ”الفأر” على وسط المدينة، وعملت هذه المجموعة على القيام بعمليات قتل ونهب وسرقة واختطاف لسكان المدينة.
ووفق مصادر أمنية كشفت لوكالة “رياليست” أن التوتر تصاعد بين عدة مليشيات في غرب ليبيا، بعد أن قامت مجموعة من المسلحين تابعة لمدينة الزاوية بمهاجمة عدة مقار حكومية، شملت مقرات أمنية، وصحية، ودوائر رسمية ، وقامت بحرقها ونهب ما يوجد فيها.
وبحسب ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع مرئية أظهرت بوضوح توقف الحركة وسط المدينة، وأوضحت شراسة الاشتباكات والتي أسفرت عن اندلاع حرائق في عدة مباني بالمدينة، كما وصل عدد الضحايا من المدنيين إثر هذه الاشتباكات إلى حوالي 40 قتيلاً.
وبحسب مراقبين للشأن الليبي، فإن السلطة الليبية سواء المجلس الرئاسي الليبي أو الحكومة الجديدة، لم يتحركا بشكل جاد وقوي لإنهاء هذه الخروقات الأمنية الكبيرة، وأكتفى المجلس الرئاسي ببيان هزيل توعد فيه بملاحقة ومحاسبة الميليشيات.
وأشار المراقبون بأن السلطة الجديدة في ليبيا، لا يمكنها القيام بأي ردة فعل قوية تجاه هذه المليشيات، لأنه لا قوة لديها، لكبح جماح المسلحين المنتشرين في غرب ليبيا، وحتى بعض المسلحين الذين أعطتهم السلطة صفة تبعيتها، لا يأتمرون بأمر القيادات العليا في الداخلية، أو في رئاسة الأركان التي تتبعها، ويأتمرون فقط بأوامر رؤسائهم المباشرين.
ومما يوضح ضعف السلطة الجديدة، وعدم وجود إرادة حقيقة لديها، لاتخاذ أي قرار فاعل، هو ما صدر عن عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، والذي نشر تدوينة عبر حسابه على “الفيسبوك”، يعلن فيه عن صدور توجيهات من رئيس المجلس الرئاسي “القائد الأعلى” بشأن التحشيدات القتالية في المدينة، موضحاً أن “هناك دعوة لجميع الأطراف داخل العجيلات بوقف التحشيدات والعمليات القتالية بشكل فوري”.
ورغم تأكيد اللافي على أنه “سيتم محاسبة كل من تسبب في إلحاق الأذى بالمدنيين أو الممتلكات العامة والخاصة” إلى أن الاشتباكات لا تزال مستمرة، منذ أكثر من أسبوعين، ولم يتم اتخاذ أي إجراء، أو البدء في اتخاذ أي خطوة لتنفيذ ما هدد به اللافي.
وتظل مسألة سيطرة الميليشيات المسلحة، في غرب ليبيا، وتحكمها في في المشهد في عدة مدن مثل مصراته وطرابلس والزاوية، واحدة من أبرز العقبات التي تواجه السلطة التنفيذية الجديدة، التي وعدت الليبيين بالسلام والوحدة والاستقرار.
يذكر أن الاشتباكات مستمرة منذ حوالي اسبوعين، في مدينة العجيلات الواقعة على بعد 80 كلم إلى الغرب من طرابلس، بين ميليشيات من مدينة الزاوية يتزعمها محمد بحرون، المعروف محلياً باسم الفأر، وميليشيا محلية من العجيلات يقودها “محمد بركة” الملقب بـ”الشلفوح” والتي تسيطر على المدينة منذ أكثر من ست سنوات.
وتعتبر المليشيا التي يقودها “الفأر” أكبر مليشيات مدينة الزاوية، ويعتبر زعيم هذه المليشيا “بحرون” من أكبر زعماء المليشيات في غرب ليبيا المتهمين بارتكاب عدة جرائم، منها التعاون مع أفراد منتسبين لتنظيم “داعش” قبل خروجه من مدينة صبراتة غرب طرابلس، وكذلك له علاقات مع زعماء شبكات مهربي البشر في غرب ليبيا، منهم “عبدالرحمن ميلاد” المعروف بـ”البيدجا” كما أنه مطلوب عدليا في القضية 131 لعام 2017/ إرهاب، المنظورة لدى النائب العام، ورغم ذلك، عينه وزير الداخلية الوفاق السابقة، فتحي باشاغا، رئيسا للبحث الجنائي بمدينة الزاوية.
أما الشخصية الثانية في معارك “العجيلات” الملييشاوي “محمد بركة” المعروف بلقب “الشلفوح”، فهو مقرب من قيادي مليشياوي آخر، عبد الغني الككلي، والذي عين في منصب رئيس جهاز الأمن القومي، من قبل حكومة الوفاق السابقة، وهو متهم بالسيطرة على مدينة العجيلات، وتحويلها إلى مركز لعملياته المشبوهة، المتعلقة بتهريب السلع والنفط والبشر.
وشارك “الشلفوح” ضمن صفوف المقاتلين في عملية فجر ليبيا، خلال العام 2014، والتي أسفرت عن تدمير مطار طرابلس ، وعدة منشآت نفطية غرب ليبيا، كما أنه عضو في غرفة عمليات صبراتة ، وكان عضوا في مليشيا “العمو” ومجموعات أخرى متطرفة هاربة من مدن الشرق الليبي خلال العام 2017 و2018، ملتحقاً بصفوف مليشيات قوات حكومة الوفاق خلال حرب طرابلس، وأصبح قياديا وآمرًا بمليشيا “كتيبة شهداء العجيلات” التابعة للمنطقة العسكرية الغربية، تحت إمرة أسامة الجويلي.
ويملك “الشلفوح” سجلاً حافلاً من الجرائم، من بينها عمليات قتل، وخطف وابتزاز، وتهريب البشر، والوقود، وبيع المحروقات في السوق السوداء في مدن العجيلات، وصبراتة، وصرمان، والزاوية، وله تعامل وصلات مباشرة مع آمري وقادة مليشيات الاتجار بالبشر، وأبرزهم أحمد الدباشي الشهير بـ”العمو” وصدر بحق الشلفوح مذكرة جلب وقبض صادرة من وكيل النيابة بمكتب النائب العام في محضر رقم “2017/158 ” بخصوص قضية قتل المواطن عمر صالح الشاملي والصادرة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وبحسب متابعين للشأن الليبي فإن الصراع بين ميليشيات الغرب الليبي مؤهل للاتساع خلال الفترة المقبلة، لإعادة خلط الأوراق، وإحراج حكومة الوحدة الوطنية، ونسف خارطة الطريق الخاصة بالحل السلمي، والمنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، كما أن تصعيد المواجهة بين الميليشيات هدفه التأثير على خارطة الطريق، وتعطيل المسار الانتخابي المقبل، وهو هدف تسعى له جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، لكي تتم عملية تأجيل المسار الانتخابي.
خاص وكالة “رياليست” – عبدالعزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.