حث البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي السياسيين اللبنانيين على التحرر من الضغط الخارجي وتشكيل حكومة لإنهاء الجمود السياسي والمساعدة على حل الأزمة المالية الطاحنة في البلاد، وقال الراعي في قداس عيد الميلاد: “إذا كانت أسباب عدم تشكيل الحكومة داخلية فالمصيبة عظيمة لأنها تكشف عدم المسؤولية، وإذا كانت أسبابها خارجية فالمصيبة أعظم لأنها تفضح الولاء لغير لبنان”، طبقاً لوكالة “رويترز“.
ومازالت الكتل السياسية المتصارعة عاجزة عن الاتفاق على حكومة جديدة منذ استقالة الحكومة في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس آب مما ترك سفينة لبنان بدون ربان وهي تغوص أكثر في الأزمة الاقتصادية، وتم اختيار السياسي السني البارز سعد الحريري في أكتوبر/ تشرين الأول للمرة الرابعة لتشكيل حكومة اختصاصيين لتنفيذ إصلاحات ضرورية لفتح الطريق أمام وصول مساعدات مالية أجنبية لكن التناحر السياسي يعرقل ذلك، طبقاً لذات المصدر.
هل لزيارة بابا الفاتيكان علاقة بتصريح البطريرك الراعي؟
بعد أن ذهبت الأزمة اللبنانية إلى أتون المجهول ومع عودة التدخل الغربي بقوة في الشأن السياسي الداخلي اللبناني وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وفرنسا، أتى تفجير بيروت ليكون الذريعة التي تطبق على لبنان في كل مفاصله، الأزمة اللبنانية قديمة وتجددت، لكن الجديد فيها هو دخول التصريحات من رجال الدين مؤخراً كانت تقف على الحياد بما يتعلق بالحياة السياسية عموماً واللبنانية على وجه الخصوص، فالبطريرك الراعي صوتٌ مؤثر لا شك في ذلك، لكن بنفس الوقت قوله أن من يعمل التعطيل مرتبط بالخارج، فهذا غير صحيح، سواء تشكلت الحكومة اللبنانية أم لا، كل القوى السياسية الداخلية في لبنان مرتبطة من الخارج ومتعددة الولاءات وهذا ليس سراً ومعروف للقاصي والداني، وبالتالي إن الأزمة الحقيقة التي تواجه لبنان اليوم ليس تشكيل الحكومة، بل الأزمة تكمن في الوضع الإقتصادي المتردي والذي إستغله الغرب بشكل كبير جداً وضغط من خلاله على لبنان للضغط عليها، لعل البداية كانت مع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
وأما زيارة بابا الفاتيكان إلى لبنان للوقوف معه في محنته، رغم أن الكثير من الدول تتعرض لظروف أصعب من لبنان لكنه إختارها مع العراق وجنوب السودان وخصها بالزيارة، وسيكون التنسيق مع قدومه بينه وبين البطريرك الراعي لبحث ملفات معينة، لكنها لصالح (تطبيع لبنان) لا لصالح لبنان الدولة والشعب.
ما أسباب التعطيل؟
لقد هجمت الظروف السيئة كلها سويةً على لبنان منها جائحة “كورونا”، ومنها تفجير مرفأ بيروت، وإستقالة الحكومة، وعدم إقراض البنك الدولي للبنان وفشل المفاوضات في هذا الإتجاه، وأزمة النازحين السوريين، كلها ملفات ضاغطة على بلد صغير بحجم لبنان الذي يحمل أضعافاً فوق طاقته، فالدول المسيطرة على القرار اللبناني والمتحكمة فيه تحاول تعطيل أية حلول لا تتوافق ومصالحها، رغم أن لبنان لا يشكل لها أية فوائد على الصعيد الإقتصادي، بل هو ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية، وبالتالي يقف لبنان اليوم أمام تحديات خطيرة مما لا شك أنها مقدمات الإنهيار الشامل وشبح الحرب الأهلية يقترب شيئاً فشيئاً، ما لم تتحقق معجزة تنقذ هذا البلد وتزيح عن كاهله بعضاً من هذه الظروف الصعبة.
أخيراً، إن تصريحات البطريرك الراعي لا تعبر عن لبنان الكبير بل هي نقد سلبي في إطار تصريحات إعتاد الساسة ورجال الدين اللبنانيين عليها، لن تنهي معاناة أسر لبنان المهجرة أو تنقذ لبنان من الظروف التي يعيش فيها، ولو كان الغرب حريصاً على لبنان لكان مرفأ بيروت الذي يشكل عصب الحياة قد أعادوا إعماره على أقل تقدير، لكن ميناء حيفا هو الأهم لدى الغرب، ومن مصلحة إسرائيل زيادة المصائب في لبنان والأمور لن تتغير بل سيكون الوضع القائم إلى مزيد من التفاقم حتى تستقر الإدارة الأمريكية وتغلق بعض الملفات الساخنة ومنها سوريا، وهذا ليس قريباً على المدى المنظور.
فريق عمل “رياليست”.