خالفت نتائج انتخابات ملتقى الحوار الليبي المنعقد في جنيف، لاختيار السلطات التنفيذية الجديدة، كل التوقعات، واستطاعت القائمة التي لم يتحصل رئيسها في الجولة الأولى سوى على 5 أصوات ، أن تضرب بقوة في آخر جولة، وتفوقت على أكثر قائمة كانت التوقعات بفوزها هي الغالبة.
وبحسب التوقعات وسبر الآراء، فقد كانت قائمة ( عقيلة – باشاغا ) الأكثر توقعا بالفوز، لعدة اسباب منها اختيار أغلب ممثلي اقليم برقة من قبل عقيلة صالح شخصيا، وتحالف لأغلب أعضاء غرب ليبيا مع باشاغا، غير أن سقوطها المفاجئ، اعتبره بعض المراقبين بأنه “عقابا” من المشاركين في جنيف، لعقيلة وباشاغا، نظرا لتمسكهم في الوجود بالسلطة، إضافة إلى أن تأثيرات النواب المناوئين لعقيلة، كان له أثر في اسقاط قائمته في آخر الجولات.
ويراهن كثير من التيارات، على أن وجود محمد المنفي، الشخصية التي لم تكن حاضرة بقوة، في مسرح الصراع السياسي السابق نصرا لهم، خصوصا تيار الإسلام السياسي، وكذلك تيار مجلس الدولة، وبعض الليبيين من “مزدوجي” الجنسية والمقيمين بالخارج. غير أن وصول رئيس المجلس الرئاسي الجديد ( محمد يونس المنفي) إلى مدينة بنغازي من اليونان التي كان يقيم بها، نظرا لعمله السابق كسفير لليبيا، ألقت عدة تساؤلات حيال توجه هذه السلطة، وطريقة عملها، خصوصا أن أول زيارة يقوم “المنفي” بها لشخصية في المشهد الليبي كانت لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر.
هذه الزيارة جعلت التيارات التي استبقت الأحداث، سواء من الإسلام السياسي، أو أعضاء مجلس الدولة، أو قيادات الميلشيات، التي اعتبرت بعد اعلان النتائج، أن فوز المنفي ، نصرا لها، تعود لتغير مواقفها، ولهجتها الخطابية تجاه السلطة الجديدة. ووفق أصوات محايدة يرون بأن لقاء المنفي حفتر، هو أمر منطقي، فلا يمكن لأي سلطة أن تتجاهل، وجود هذه الشخصية القوية والمؤثرة في المشهد الليبي، ولابد لهذه السلطة من الاستناد على قوة منظمة لحمايتها ولتنفيذ اجراءات عملها، في كل انحاء ليبيا.
ويظل المشكل الأمني هو العائق أمام نجاح السلطة الجديدة بمجلسها وحكومتها، وتحديدا في العاصمة طرابلس ، والتي تخضع لسلطة المسلحين خارج شرعية الدولة، فإذا اعتمدت السلطة الجديدة، طرابلس مقرا لها، ستكون تحت ضغط المسلحين ، ورغبات قياداتها، ولن تحقق ما يختلف عما حققته حكومة السراج طوال سنوات توليها السلطة. كما تظل أمام السلطة الجديدة مسألة أكثر أهمية، وهي أن بعض الشخصيات التي لم تستطع الحصول على منصب في السلطة الجديدة، لن تقتنع بأنها أصبحت خارج السلطة، وربما ستقف حجر عثرة، في سبيل أداء السلطة الجديدة بشكل مرضي لكل الليبيين.
وتظل شخصيات مثل فتحي باشاغا وزير الداخلية الحالي، والذي يتبعه مئات الأفراد المسلحين، كعناصر أمنية، لكنهم في الواقع يدينون له بالولاء الشخصي، من الصعب التعامل معه، واقناعه بأنه خارج السلطة، إذا تم اختيار وزير داخلية جديد بدلا عنه، وربما ستحدث مواجهات مباشرة معه ومع عناصره. كما ستعاني السلطة الجديدة من فرض سيطرتها على مساحات شاسعة، خصوصا في اقليم فزان، بحكم الجغرافيا الممتدة في الصحراء، وبعد مناطقها عن بعضها، لذلك إن لم تكن لديها قوة عسكرية وأمنية منظمة، ستظل مسألة فرضها سلاطتها أمر يحتاج لسنوات، وليس مجرد 8 شهور هي كل مدتها الحالية.
ويظل أمام السلطة الجديدة، حلاً وحيداً لتجنب كل هذا، يتمثل في نقل المؤسسات الفاعلة لمدينة أخرى، تحت حماية قوات أمن محترفة من كل أنحاء ليبيا، وكذلك العمل على تلبية احتياجات الشعب الليبي، وإعادة مؤسسات الدولة للعمل كوحدة واحدة، وتغيير نمط وإدارة المصرف المركزي والمؤسسات المالية. وتظل مسألة الوصول إلى انتخابات منظمة ونزيهة وفي أجواء من الأمن والطمأنينة، هو الأكثر أهمية، فموعد 24 ديسمبر المقبل لاختيار رئيس للدولة وبرلمان جديد، لم يعد يفصلنا عنه الكثير من الوقت.
لذلك سيكون أمام السلطة الجديدة عدة تحديات ، أهمها عامل الزمن ، فمهلة الثمانية أشهر قد يذهب منها شهران، لبحث في الشخصيات “التوافقية” لإدارة مؤسسات الدولة، ومدة أخرى لتطبيق التفاهمات بخصوص المناصب السيادية في المصرف المركزي، والرقابة، ومكافحة الفساد وغيرها، وهي مشاكل تحتاج لوقت طويل لتطبيقها، واقناع الجميع بها.
ولتحقيق هذه الأولويات، وتجنب العراقيل يفترض أن يشكّل المجلس الرئاسي الجديد حكومة مصغرة لا تتعدى عشر حقائب وزارية، تهتم بأمور الخارجية والدفاع والأمن والاقتصاد والعدل. ووفق ما يحدث في ليبيا الآن ، فإن البلاد لا تحتاج إلى وضع استراتيجيات للتعليم والصحة والمرافق، بقدر ما تحتاج إلى إدارة هذه المرافق بالشكل الذي هي عليه حالياً، وعدم التوسع في الإنفاق.
بينما تظل المشكلة الكبرى أمام السلطة الجديدة ، تتمثل في عدم قبول المسلحين في غرب ليبيا بعملية “توحيد الجيش” وسيكون هذا الملف من “الملفات الشائكة التي ستواجه الحكومة” في هذه المرحلة، خصوصاً مع التدخل التركي من خلال جلبها لمرتزقة من سورية متطرفة إلى ليبيا. وهناك مسألة أخيرة تتمثل في التحولات الإقليمية والدولية الجديدة، قد تساعد بصورة أكبر في حلحلة المشكلة الليبية، مقارنة بما كان عليه الحال في فترات سابقة، خصوصا بعد وصول إدارة أمريكية جديدة تختلف مقاربتها للمنطقة عن الإدارة السابقة.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.