من العراق ولبنان إلى هونغ كونغ وأمريكا اللاتينية وغيرها من الدول التي تجتاحها المظاهرات الشعبية، المختلفة الدوافع لكنها تلتقي معاً بقاسمٍ مشترك، وهو إستخدام التظاهر كسلاحٍ جديد إستطاع إسقاط أنظمة، وتغيير قوانين وتعديل أخرى، إجتاحت التظاهرات العالم العربي منذ العام 2011، وإشتهرت عبر العالم تحت إسم “ثورات الربيع العربي“، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إمتد ليسقط أنظمة ويغيّر رؤساء ويحاكم بعضهم، ووصل الأمر إلى مقتل زعماء كانت في السلطة لعقود.
هل من فرق؟
مع دخول البلاد العربية لعقدٍ من الزمن من حياة الفوضى تحت عناوين متعددة، إنطلقت مطالبات عديدة للثائرين وشعارات لم يألفها الشارع العربي من قبل كـ “إرحل إرحل، كلون يعني كلون، الشعب يريد إسقاط النظام، الموت ولا المذلّة، سلمية سلمية” وغيرها الكثير الكثير من الشعارات الرنانة، لتتحول هذه الشعارات في بعض الدول كالحالة السورية إلى شعارات طائفية خاصة في المناطق التي تمركز فيها الإرهاب كشعار “المسيحية عا بيروت، والعلوية عا التابوت”، ولسنا بصدد شرح التفاصيل التي يعرفها القاصي والداني، ليركب موجة الإحتجاجات هذه مخاطر كثيرة لعل أبرزها، تحولها إلى مظاهرات وثورات مسلحة، حصدت مئات آلاف القتلى على إمتداد العالم.
ومع إسقاط كل نظام وزعيم بفعل هذه الثورات، دخلت بعدها البلاد في أتون الفوضى والفراغ السياسي، والجمود الاقتصادي، فلقد كانت العناوين الأساسية هي المطالبات بعدالة إجتماعية وحرية وتحسين أوضاع المعيشة وما إلى هنالك، لكن إلى الآن ومن كل الثورات التي حدثت لم يحقق أي شعب هدف خروجه إلى الشارع، بل على العكس تماما.
ربيع غربي
عندما إنتفض العالم العربي، صدحت حناجر الغرب، بمطالبة الحكام العرب بتنفيذ مطالب المتظاهرين وضبط النفس، وما إلى هنالك، لكن مع خروج وإنحراف هذه التظاهرات إستغل الغرب الحراك العربي وبدأوا بإغلاق سفاراتهم وسحب بعثاتهم الدبلوماسية، والتدخل في شؤون البلاد العربية تحت بنود كثيرة لعل الظاهر منها هو حماية الأقليات أو حماية مصالحهم في تلك الدول، فمع إسقاط الأنظمة وجد تنافس غربي كبير في عددٍ من تلك الدول كالسودان وليبيا وسوريا والعراق، وبات العالم العربي مرتعاً لكل أنواع المخابرات الدولية على أرضه.
إلا أن إهتمام الغرب بالقضايا العربية، له إرتداداته على بلادهم داخلياً، فلم يكن وحده الشعب العربي يطالب بحريات وعدالة إجتماعية، ليتبين لنا أن المجتمع الغربي يعاني لربما أكثر من المجتمعات العربية، فمع وصول رؤساء جدد إلى سدة الحكم في أوروبا كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خرجت في عهده إحتجاجات أحرجته على الصعيد الدولي، ونظمت نفسها تحت مسمى “السترات الصفراء”، وما إن حدثت أعمال الشغب حتى قام بعض المحتجين بسرقة المحال وتدمير المنشآت العامة وحرق السيارات، فعلى الرغم من الهدوء النسبي إلا أنها تدلل على أن كل أنظمة العالم لديها من أساليب القمع المتعددة، أبرزها إستحواذ السلطة على كل شيء، بينما الشعوب يطالها القليل، الأمر الذي فتح أعين الشعوب إلى أخذ حقهم ولو بالقوة.
صعود اليسار
ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن أمريكا اللاتينية هي الحديقة الخلفية لها، ولها من الإتفاقيات معها الكثير كما مع المكسيك، والعلاقات الجيدة جدا مع الرئيس البرازيلي الحالي جايير بولسونارو، لكن هذا غير كافٍ بالنسبة لواشنطن، فهي تريد الإستحواذ على كل القارة، ولن تسمح لروسيا بان تأخذ مكانها، فتم إطلاق شرارة التظاهر في فنزويلا وإدراج خوان غوايدو كحالة شرعية إعتمدتها الإدارة الأمريكية في وجه اليسار أي نيكولاس مادورو إلى جانب إتباع السلاح الأمريكي الأقوى وهو خنق البلاد إقتصاديا، ورغم أن مادورو إحتوى الوضع، إلا أن عدم الاستقرار خلق حالات من القلق لدى الشعوب، وما لبثت أن إستعادت الساحة الفنزويلية هدوءا حذر، ليتفاجئ العالم بالرئيس البوليفي إيفو موراليس بتنحيه لأسباب مبهمة رغم عرضها وشرحها.
فصعود اليسار في وجه اليمين، من شأنه أن يقوض القطبية الأحادية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، فكان اليسار على قاب قوسين أو أدنى من أن يشكل تحالفا متينا قد يتوسع مع القادم من الأيام، وهذا شهدته منظمة شنغهاي ودول مجموعة البريكس التي حاولت أن تتوحد في وجه القطبية الواحدة لتشكل نظاما يحدث فرقا بدءا من الحالة الاقتصادية وليس إنتهاءا بالجوانب السياسية.
مناورات على حدود روسيا
إن إهتمام الإتحاد الروسي بالتوسع خارج حدود أسوار الكرملين وخاصة في الشرق الأوسط هو أمر بات واقعا خصوصا بعد تثبيت القواعد الروسية في سوريا، وإبرام عشرات الإتفاقيات مع عددٍ من الدول العربية والإقليمية، لكن على المقلب الآخر، تم إهمال الداخل الروسي، الأمر الذي كاد أن يضع البلاد أمام تحدٍّ وسيناريو مشابه للدول المنتفضة والمثال على ذلك، في انتخابات البلديات في المدن الروسية وخاصة العاصمة موسكو وما شهدته من إضطرابات آنذاك.
لكن على المقلب الآخر، هناك عيون ترصد، إذ أن إعلان أوروبا وبمشاركة الولايات المتحدة عن قيامهم بمناورات مشتركة إسمها “المدافعين عن أوروبا 2020” بين شهري أبريل/ نيسان، ومايو/ أيار العام 2020، على الحدود مع روسيا، هي رسالة متعددة الأوجه، تحمل أنه لا يمكن السماح لروسيا بأن تحقق أهدافها وأن تكسر مبدأ القطبية الأحادية التي تعتلي عرشها واشنطن، ورأينا ذلك، في الحرب التجارية مع الصين، وفي أحداث مضيق هرمز، وفي سوريا وليبيا والعراق، وفي كل مكان تكون روسيا فيه، يجب أن يحدث أمر ما يقوض هذا التحرك الدولي.
من هنا، إن ثورات العالم أجمع، باتت سلاحا فتاكا في وجه الرؤساء والأنظمة عربية كانت أم غربية، بعضها بدأ بطريقة عفوية، لكنه إنتهى بمآسٍ دموية، قد تنتهي الثورات في العالم الغربي، لكن المؤكد أنها ستستمر في العالم العربي طالما أنها تنعش الغرب من جميع النواحي، فمع السيطرة على منابع النفط والغاز وحتى المياه يبقى العالم العربي أمام نوع من إستعمار جديد لا يختلف عما كان سابقا إلا أن الوقود من العرب أنفسهم.
فريق عمل “رياليست”