قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن الإتحاد الروسي يتابع بإهتمام الموضوع الذي صرحت به تركيا حول نيتها إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا بشكل منفرد، إلى جانب مخطط إنشاء مبانٍ سكنية بكلفة 27 مليار دولار في ذات المنطقة لتوطين النازحين السوريين، طبقا لوكالة رويترز.
إفراغ الشرق السوري
إن قرار تركيا إنشاء المنطقة الآمنة منفردة، يؤكد أن هذا الملف لم يحسم بعد بين واشنطن وأنقرة، فنقطة الإختلاف الجوهرية فيه هي رغبة تركيا التوغل بعمق 32 كلم وعرض 480 كلم، بحسب وسائل إعلام تركية، الأمر الذي لاقى رفضا أمريكيا، بسبب العائق الرئيس في المنطقة أي الأكراد، فالهدف التركي على وجه التحديد هو إفراغ منطقة شرق الفرات من القوات الكردية بشكل نهائي، وهذا لا يتحقق بعمق الـ 15 كلم المتفق عليه كبداية مع واشنطن، فيما يبدو أن الأخيرة لم تحسم خياراتها بعد بشأن ذلك، في حين أن روسيا وكما صدر عن الكرملين تتابع بإهتمام هذا الأمر، مبدية أحقية تركيا في الدفاع عن نفسها مقابل الإلتزام بسيادة ووحدة الأراضي السورية.
موقف رمادي
إن التصريح الروسي، عن حق أنقرة في الدفاع عن نفسها أمر غير مفهوم، و يعتبر نوع من من الصمت الروسي المعتاد لكل ما هو متصل بالرغبات الأردوغانية. فكيف تشكل سوريا تهديدا لتركيا، في حين أن الأخيرة هي من موّلت ودعمت الإرهاب وأدخلت المتطرفين عبر حدودها، وهي الضامن الأول للفصائل الإرهابية في سوريا، فعندما تدخل تركيا بالعمق الذي ذكرته وسائل إعلامها، هذا ليس دفاعا عن أي أمن قومي تركي، بل هو إحتلال وسلب أراضي دولة أخرى، دون عرض الأمر على الأمم المتحدة، خاصة وان النوايا التركية لم تتوقف هنا، بل إمتدت لتضع مخططا سكنيا لقرى وبلدات في المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها لتستوعب ما بين 2-3 ملايين لاجئ سوري، في محاولة لتغيير الواقع الديموغرافي في المنطقة، فالبُعد والهدف التركي أبعد من أن يكون سببا لحماية تركيا، بل يندرج في خانة مشاركة واشنطن المنطقة للإستثمار السياسي والإقتصادي فيها.
خسارة الشمال
ربطا مع ما سبق، إن خسارة تركيا للشمال السوري أصبح قاب قوسين أو أدنى وبالتالي، النظام التركي على يقين بأن نقاط المراقبة في كل المنطقة باتت محاصرة إن لم يكن من الجيش السوري فبالتعاون مع القوات الروسية، وبالتالي خسرت تركيا النقطة الأقوى، لكنها لم تتوقع أن تصطدم بموقف واشنطن الرافض السماح لها التوغل بالعمق المذكور ما يعني أن هناك عملا عسكريا تركيّاً منفردا، وحتى هذه النظرية غير قابلة للتطبيق، فهي تعني أن هناك مواجهة حتمية مع الأكراد حلفاء أمريكا، إلا أن الواقع يقول إن العملية إن حدثت فهي بالإتفاق مع الأطراف الثلاثة ومن ضمنهم الأكراد، ولن تعدو أكثر من تسليم المناطق كما حدث في عملية غصن الزيتون التركية في عفرين، وهنا تكون واشنطن قد حافظت على تحالفها مع القوات الكردية وأرضت الحليف التركي، هنا بالإضافة إلى الصمت الروسي على أي عملية عسكرية تركية في شرق الفرات مقابل ما يحدث حاليا في إدلب.
إذاً، يبدو جلياً أن الواقع المُراد تطبيقه سواء من الجانب التركي أو غيره يؤكد أن هناك مخططا سيفرض على الشرق السوري، يبدأ من التغيير الديموغرافي للمنطقة، وإفراغها من سكانها الأصليين، ولو بسكان سوريين، لكن الجميع يعلم أن هؤلاء النازحين ولاءاتهم أصبحت لتركيا لا لسوريا، في مقابل إقتطاع جزء معين للأكراد، لكن التعويل هنا على شركاء تركيا الرئيسيين روسيا وإيران، فالمراقبة بإهتمام لن تغير من واقع التغيير أي شيء إذا لم يتم رفض المخطط بشكل حازم قبل البدء به، وإلا تكون البلاد قد دخلت مرحلة جديدة من واقع يشابه سلخ لواء إسكندرون عن سوريا فيما مضى.