كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية، في تقرير لها، أن ضامني منطقة إدلب روسيا وتركيا في شمال سوريا، بدأوا بالتنافس مُجدداً، عقب الغارة الجوية الروسية على فصيلٍ موالٍ لأنقرة، بالرغم من سريان اتفاق مسبق بين الطرفين ينص على وقف النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة إدلب، طبقاً لوكالات أنباء.
هل وصلت الرسالة الروسية إلى تركيا؟
على الرغم من التحليلات الكثيرة التي رأت أن الغارة الروسية الأخيرة على معسكر يعود لفيلق الشام، هو رسالة إلى أنقرة، قد يبدو في ثنايا هذه الرسالة، جُملة من الأهداف التي ترمي إليها موسكو، ومن بينها تركيا على خلفية الدعم التركي لأذربيجان في مسألة الصراع بين الأخيرة وأرمينيا، لكن الهدف الروسي الحقيقي يكمن في أن المرحلة الأخيرة من الحراك السياسي للمسؤولين الروس، إتجه نحو التركيز على المسألة الإقتصادية، خاصة وأن الوجود الروسي اليوم في سوريا، قطع مدة الخمس سنوات، وتريد قطاف هذه السنوات، من خلال البدء بتنفيذ المشاريع الإقتصادية المؤجلة.
إذ أن من يعيق البدء بهذه المشاريع هو الجسم الإرهابي المنتشر في بقعة جغرافية حيوية ومهمة، تتوسط بين الساحل الروسي وداخله، ما يعني أن المشاريع الروسية معرضة للعمليات الإرهابية في أية لحظة، وتستطيع تركيا هنا الرد على روسيا متى ما أرادت، لكن عملياً، إن الوجود التركي في سوريا، يعتبر أقوى من الوجود الروسي، لجهة منع موسكو من الإستفادة منفردة دون أنقرة، ما يعني أن التفكير الروسي إنتقل إلى مرحلة ل هذا الملف بالقوة، أو سيبقى تواجد القوات الروسية يثقل كاهل الداخل الروسي في ظروف ليست يسيرة على أحد.
هل تشتعل معركة الشمال السوري بين روسيا وتركيا؟
رجح التقرير الأمريكي هذه الفرضية، وهي فرضية ممكنة وقائمة، لكنها ليست مؤكدة ولا يمكن التنبؤ بها في هذه الظروف، فبالأمس، غادر الأسطول الروسي قاعدته في طرطوس معللاً أن دوره إنتهى، لكن هذا غير صحيح أيضاً، فلقد حققت صواريخ كاليبر المجنحة الروسية أهدافها بدقة، وكان من شأنها أن غيّرت مجريات الميدان لأكثر من مرة، لكن خروج القطع البحرية الروسية، هو رسالة تهدئة إلى حدٍّ ما، أو رسالة هدنة لا حرب، ما يعني فرضية إشتعال ساحة إدلب الآن بعيدة، ولو كان مقدراً لها أن تحدث لحدثت في فترة فصل الصيف على أقل تقدير، فالإنسحاب هو فتح صفحة جديدة مع تركيا، القوية على روسيا من الناحية السياسية في عددٍ من الملفات وفي مقدمتها الملف السوري بطبيعة الحال.
فرغم نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في التخفيف من وطأة المعارك، لكن الأخير لن يمرر مسألة الغارة الروسية على مرتزقته بسلام، لكن كيف ومتى هذا ما سيتكشف في المرحلة المقبلة.
هل من رابط بين الغارة الروسية وإنسحاب الأتراك من نقاط المراقبة؟
فيما يتعلق بإنسحاب القوات التركية من نقاط مراقبتها في الشمال السوري، جاء بسبب محاصرتها من قبل القوات السورية، وتم نقلها إلى مناطق أخرى من شمال إدلب، وهي مناطق تعتبر هامة وحيوية ولها مفاعيلها إن حدثت أي معركة مقبلة، إذ تستطيع من خلالها أنقرة منع تقدم الجيش السوري وتعطيله، وبهذه الحالة هنا تركيا تملك الأرض، بينما روسيا وسوريا يملكون السماء، لكن أيضاً لا صلة بين الإنسحاب والغارة إذ انه بدأ قبيل الغارة، إنما نستطيع القول إنه عبارة عن تبديل أمكنة ضمن ذات السياق.
فكما نجح أردوغان في ليبيا بجعل تنظيم الإخوان المسلمين شريكاً في العملية السياسية، فإنه يحذو في نفس التوجه بما يتعلق في سوريا، فنظرة روسيا بما يتعلق بالجهاديين مختلفة كلياً عن نظرة تركيا، التي بدأت توجه إرهابييها نحو سلسلة من الإغتيالات، ففي يوم الأمس تحديداً، محاولة إغتيال قائد سرية الدفاع الوطني إياس صقر، في ضاحية الأسد بريف دمشق، وأخرى حدثت في بلدة الطيبة بريف درعا ومحاولة إغتيال ماريا الزعبي رئيس بلدية الطيبة، وكما هو معلوم تم إغتيال مفتي دمشق قبل بعض الوقت.
ما يعني أن لتركيا طرق وأساليب كثيرة تستطيع من خلالها رد الأمر لروسيا، وهذا واقع تعرفه روسيا جيداً.
من هنا، إن تركيا باقية وتتمدد، وتوسع نفوذها كثيراً، وكل من يقف في وجهها لا يقف أكثر من مسافة تصريح أو تنديد، ينتهي في صباح اليوم التالي، وهنا يأتي دور روسيا، فإن كانت تريد كبح جماح الأتراك، ما عليها إلا البدء بمعركة إدلب ووضع كل مقدرتها فيها، لكن هناك أسباب كثيرة تعيق هذه الخطوة وأهمها الوضع في ناغورنو قره باغ، وستستغل أنقرة هذا الأمر وتستثمره لصالح تعزيز تواجدها مستغلة الدعم الغربي لها كله دون إستثناء.
فريق عمل “رياليست”.