قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “إن تركيا ستبحث سحب قواتها من ليبيا إذا انسحبت القوات الأجنبية الأخرى أولاً، وأضاف متحدثاً في إحدى المناسبات في أنقرة، أن أفراد القوات المسلحة التركية نُشروا في ليبيا فقط من أجل تدريب الوحدات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً والتي مقرها طرابلس، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
التدخل الأجنبي
إن تشكيل حكومة مؤقتة ليبية بعد عشر سنوات من الاقتتال الدائر في ليبيا، هو إنجاز ما بعده إنجاز، إن اكتمل وصمد حتى موعد الانتخابات المقبلة نهاية العام الجاري 2021، من الممكن القول إن ليبيا بدأت تتلمس السلام والأمن، إذ مخطئ من يعتقد أن الشعب الليبي فكّر طوعاً في محاربة بعضه البعض، لولا التدخلات الخارجية والزج بأجندات لا تحمل في طياتها أي منفعة لليبيا ولا على صعيد، فبدأت الانقسامات تتنامى وتتصاعد لصالح القوى الأجنبية على حساب توحيد البلاد من الانقسامات التي وصلت إلى حد حربٍ دموية انتهت بهدنة لا تزال صامدة منذ العام الماضي 2020.
إن التدخلات الخارجية وصلت إلى حد تقرير مصير ليبيا في فترة من الفترات وخلال سنوات الأزمة، وبدأ الطامعون يتوافدون إلى الداخل الليبي، بين مقاتلين ومدربين، وعسكريين ومدنيين، وبدأت القواعد العسكرية تُقام على الأراضي الليبية، وبدأ السلاح يتدفق، وكثّف المجتمع الغربي اجتماعاته من برلين إلى جنيف إلى عدد من العواصم العربية في محاولات لتقرير مصير ليبيا، وبالطبع تركيا ليست بمنأى عن كل هذه الأحداث فهي كانت من بين المسارعين إلى بسط نفوذها في البلد الشمال أفريقي، بطريقة شرعية من خلال تحالفاتها مع حكومة الوفاق الليبية وأحد طرفي النزاع، فكانت أنقرة حاضرة في معظم المعارك التي حدثت من خلال دعمها اللامحدود لحكومة فائز السراج، وتفاصيل ما حدث موثقة على مدار سنوات الأزمة خاصة فيما يتعلق بمسألة إدخال السلاح دون موافقة الأمم المتحدة، والمرتزقة للقتال إلى جانب حكومة طرابلس.
من المقصود؟
إن تصريح الرئيس أردوغان بما يتعلق بخروج قواته بعد خروج القوات الأخرى، لا يقصد به سوى روسيا، فلم يثبت أن تواجدت قوات أجنبية غير القوات التركية والمرتزقة التابعة لها، واتهامات الولايات المتحدة الأمريكية المتكررة لروسيا حيال وجود قوات روسية بطريقة غير شرعية، رغم نفي الأخيرة مراراً وتكراراً وانعدام الأدلة التي تؤكد ذلك، لكن أردوغان قصد موسكو ليقينه بعدم وجودهم، وحتى وإن كانوا موجودين فإن وجودهم ليس رسمياً ولا علاقة للحكومة الروسية به، التي تستطيع إرسال قواتها إن أرادت بحكم علاقاتها الجيدة مع القيادة الشرقية والغربية على حدٍّ سواء وبالطرق الشرعية أسوةً بتركيا، وبالتالي، هذه الذريعة التي أطلقها رجب طيب أردوغان، هي ذريعة البقاء حتى الرمق الأخير، للتصرف في الربع ساعة الأخيرة خاصة بعد استكشاف الأداء الحكومي الجديد وتعامله مع الملفات الساخنة وموقف الأمم المتحدة من إلزام الأطراف جميعها بتنفيذ البنود المتفق عليها حول انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب والذي لم ينفذ إلى اليوم، ليستطيع من خلال أي تطور حاصل خلط الأوراق بطرقه المتعارف عليها، وهذا إن حدث بدون أدنى شك بأنه سيؤثر على الأحداث اللاحقة خاصة مسألة إجراء الانتخابات في موعدها.
أخيراً، إن تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تصريح يؤكد أن لا نوايا حقيقية للانسحاب، وهذه النية إن بقيت على حالها، سيكون من المقلق التفكير في المستقبل الليبي، لجهة الاستفزازت التي قد تحصل مثل الأعمال الإرهابية أو التفجيرات، أو تعطيل الانتخابات، ففي جعبة أنقرة الكثير من أدوات التخريب التي تقدر على استخدامها، وهنا سيبرز أكثر في الفترة اللاحقة الموقف الأمريكي في عهد الرئيس جو بايدن، وموقفه من تركيا فهل سيكون كما توقع الكثير من المحللين أم أن الفتور الحاصل بين الجانبين ستغيره الأزمة الليبية، هذه الأمور برسم الأيام القادمة وتطوراتها، لمعرفة وكشف كل التفاصيل التي ستحدث، لكن العين اليوم على الحكومة الانتقالية ومدى عملها، رغم أن الحمل ثقيل جداً، فهل تقوى على الصمود في وجه القوى الأجنبية أم سيكون دورها شكلياً فقط؟
فريق عمل “رياليست”.