قال خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة: “إن العفو الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أربعة أمريكيين أدينوا بقتل مدنيين عراقيين أثناء عملهم بعقود خاصة في 2007 يمثل انتهاكاً لالتزامات الولايات المتحدة بمقتضى القانون الدولي”. طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وكان الأربعة يعملون لشركة الأمن الخاصة بلاك ووتر التي يملكها شقيق وزير التعليم في إدارة ترامب. وقد شملهم العفو الذي أعلنه البيت الأبيض قبل عيد الميلاد.
وذكرت الخارجية العراقية في بيان صحفي أن “وزارة الخارجيّة العراقيّة تابعت القرار الصادر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب.. الوزارة ترى أنَّ هذا القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورةِ الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأمريكية المُعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، ويتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم”.
ما أسباب قرار ترامب؟
توقع الجميع أن ترامب في أيامه الأخيرة سيرتكب الكثير من العثرات بعضها يصل إلى حد الأخطاء القاتلة، فمع زخم التوقعات التي تتحدث عن مواجهة أمريكية محتملة مع إيران على الأراضي العراقية، جاء العفو الرئاسي ليؤكد بعض هذه التوقعات حيال أن الأيام المتبقية قد تشكل أخطر الأيام منذ استلام ترامب الرئاسة إلى اليوم، فالعفو الصادر عن القتلة العاملين في شركة بلاك ووتر يهدف إلى:
أولاً، هي رسالة أمريكية إلى الداخل العراقي، بأن الوجود الأمريكي قرار لا رجعة عنه، ولا يمكن إخلاء الساحة لإيران تحت أية ذرائع.
ثانياً، إن رفض العراق على تمديد عقد بلاك ووتر، دفع بالأخيرة إلى الدخول بأسماء شركات أخرى، ما يعني أن أمريكا قد تعيد مذبحة ساحة النسور التي نفذها عناصر بلاك ووتر العام 2007.
ثالثاً، القرار الأمريكي يضرب السيادة العراقية بعرض الحائط ولا يعطي لها أدنى أهمية، على الرغم من زيارة رئيس وزرائها مؤخراً، مصطفى الكاظمي إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.
لكن الدافع الأكبر جراء قرار ترامب هذا، هو التنسيق العراقي – الروسي الأخير على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة الروسية موسكو، ما يعني أن قرارات ترامب المتعلقة بالعراق، لن تسمح بتمرير أي صفقات مفيدة لروسيا تكون من العراق أو إلى العراق، على الرغم من إستبعاد فرضية حدوث صفقات أسلحة كبيرة من الممكن التعاقد عليها بين الجانبين، إلا أن الإعفاء عن القتلة ما هو إلا غيض من فيض حول ما تم إرتكابه من جرائم أمريكية على الأراضي العراقية، لا تزال تحفر في ذاكرة العراقيين.
هل سيكمل بايدن بنهج سلفه ترامب؟
من المعروف أن الرئيس المنتخب جو بايدن، سيفتح صفحات جديدة مع كل الحصوم وفي مقدمتهم روسيا والصين وإلى حدٍّ ما هناك توقعات أن تكون إيران والعودة إلى الإتفاق النووي جزءاً من السياسة الخارجية الجديدة، إلا أن العفو عن القتلة لم يكن يوماً من ضمن سياسة الرؤساء الأمريكيين خاصة أولئك المدانين وجرائمهم مثبتة بالأدلة، فكيف يتم توجيه إدانات إلى روسيا حيال شركة “فاغنر” في ليبيا رغم نفيها الدائم، بينما وجود بلاك ووتر حقيقة مؤكدة ثبتت جرائمهم، ويتم الإعفاء عنهم.
وبالتالي، فعلاً لقد ترك ترامب لخصمه الرئاسي ملفات معقدة كثيراً، ليس من السهل حلها، وستستغرق الوقت الطويل لمعالجتها، فالمسألة العراقية مسألة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، فلا يمكن هدر جهود التواجد الأمريكي منذ العام 2003 وإلى اليوم، بسبب قرارات لا محل لها من الإعراب، بل هي مجرد إنتقام ترامبي شخصي، يريد منه كسب الشارع الداخلي في أمريكا، على حساب كل القوانين والأعراف الدولية، وبات مصطلح كلمة “إرهاب” في أمريكا غير واضح المعالم في ضوء كل هذه التعقيدات في المشهد الدولي.
أخيراً، إن العفو الأمريكي عن المدانين بقتل مدنيين في العراق العام 2007، وبدمٍ بارد، كانت العراق وكل العرب وجميع من يرى بالسياسة الأمريكية، سياسة غير عادلة، على علم بعدم محاسبة أية جرائم تتعلق بالعرب، عموماً، والعراق على وجه الخصوص، وبالتالي، لم يتفاجأ أحد، لكن هل ستستطيع الخارجية العراقية متابعة هذا الأمر مع الولايات المتحدة عبر القنوات الدبلوماسية بعد رحيل ترامب؟
الجواب، من الصعب التكهن، لكن غالباً أن هذا الملف إنتهى ولن يحقق أية نتائج مرجوة منه.
فريق عمل “رياليست”.