تجرى الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية كل أربع سنوات ودائما نرى الكثير من الاهتمام العالمي بالنتيجة، نظراً لتأثير رئيس الولايات المتحدة الكبير على القضايا الدولية المهمة وكذلك لطبيعة عمل السياسة الخارجية الأمريكية وتعاطيها مع الملفات والقضايا المؤثرة عالمياً. في سبتمبر القادم ستنعقد الانتخابات الأمريكية بين جو بايدن النائب السابق للرئيس بارك اوباما والرئيس الحالي دونالد ترامب وسط تنافس شديد بين الحزبين الديمقراطي الذي ينتمي إليه الأول والجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس ترامب.
هناك تحديات كثيرة على المستوى السياسي تواجه المرشحين في الداخل الأمريكي وكذلك في الخارج على مستوى السياسة الخارجية والتي يحاول كلا منهما الأخر أن يوظف بطريقة أو بأخرى هذه التحديات لخدمته في هذه الإنتخابات. وتبقى هذه هي الطريقة المتداولة في جميع الدول التي تمر بمثل هذه الانتخابات.
اولاً- “تحديات ترامب”
– في الداخل الأمريكي
اذا نظرنا إلى الشارع الأمريكي وطريقة تعاطي المواطن الأمريكي مع الأحداث السياسية في ظل حكم الرئيس الأمريكي ترامب، سنجد أن هناك معضلة في طريقة هذا التعاطي حيث أن هناك نوعاً من عدم الرضا العام حول مستقبل بلادهم. وهذا ما أكدته جامعة مونموث الأمريكية في استطلاع رأي حيث أظهر أن 74 في المائة من الأميركيين يعتبرون أن الولايات المتحدة تتجه في مسار خاطئ. وقد تدهورت هذه الأرقام بشكل كبير منذ فبراير (شباط) الماضي حين اعتبر أكثر من 40 في المائة من الناخبين أن البلاد تسير على المسار الصحيح، مقابل 55 في المائة ممن اعتبروا أن العكس صحيح.(١)
وهنا لابد من أن نضع المتغير السياسي والاقتصادي كمعيار لهذا الاستطلاع مع العلم على المستوى السياسي فقد حقق ترامب وعوده الإنتخابية والتي أدلى بها قبل صعوده إلى السلطة عام ٢٠١٧، منها وضع بعض الدول منها إسلامية على لوائع عدم الدخول للولايات المتحدة (٢) كذلك بناء السور العازل مع دولة المكسيك لمنع عبور مهاجرين جدد(٣).
أما بالنسبة للجانب الاقتصادي فقد أجرى اتفاقيات اقتصادية عديدة مع دول العالم منها المملكة العربية السعودية والتي أعلن عنها ترامب انه وقع اتفاقيات استثمارية معها تتخطى حاجز ٤٠٠ مليار دولار (٤)، بالإضافة لانسحاب بلاده من بعض المنظمات الدولية لتقليص حجم النفقات الأمريكية لهذه المنظمات، كل ذلك كان عامل ساعد ترامب في تحسين صورته أمام المواطن الأمريكي عندما جاء للحكم ولكن مؤخراً في ظل انتشار الوباء العالمي لفيروس كورونا أدى ذلك إلى وجود أزمة ثقة بين الشارع الأمريكي وحكومة الرئيس ترامب حيث اهتزت المؤشرات الاقتصادية وانحدر الاقتصاد الامريكي بمعدل سنوي قدره 4.8 في المئة، ومنذ بداية أزمة الفيروس، تقدّم أكثر من 26 مليون شخص في الولايات المتحدة بطلبات للاستفادة من إعانات البطالة، وشهدت الولايات المتحدة انخفاضا تاريخيا في دورة الأعمال وفي ثقة المستهلك. وكان قد وصف مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في مؤسسة “موديز” الأمر بغير المسبوق.(٥)
جميع تلك المؤشرات وضعت الحكومة الأمريكية في أزمة ثقة مع المواطن الأمريكي وبطبيعة الحال وضع ترامب ذاته في موقف حرج أمام الشعب الأمريكي الذي كان يعتقد أن اقتصاد بلاده وهو الاكبر في العالم قادراً على عبور هذه الأزمة ولكن لم يحدث وحدث العكس. وبالتالي فإن الوضع الاقتصادي الصعب والذي تعيشه الولايات المتحدة الأن سيؤثر بطريقة أو بأخرى على صورة ترامب الانتخابية في الانتخابات الرئاسية القادمة ٢٠٢٠.
ليست فقط كل تلك القضايا التي ربما تؤثر على مسيرة ترامب في الجولة القادمة من الانتخابات الرئاسية بل يجب أن نضع في الاعتبار شرارة الاحتجاجات على مدى 6 أيام متتالية في الشارع الأمريكي عقب مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي ذي البشرة السمراء على يد الشرطة بمدينة مينيابوليس، حيث أن أعمال العنف مستمرة حتى اليوم (٦) و استخدم الحزب الديمقراطي هذه الاحتجاجات لصالحه بل ومن غير المستبعد أن يكون لدى الحزب الديمقراطي او مرشحه جو بايدن مخربون داخل هذه الاحتجاجات للاستفادة منها كورقة لصالح الحزب يستدل بها على مدى وجود اضطرابات أمنية وعنصرية في ظل حكومة او إدارة ترامب وهذا بدون شك سيضعف من فرص حصول ترامب على الأصوات الانتخابية في تلك الانتخابات.
التحديات الخارجية
– التنافس بين واشنطن وبكين
منذ أن أتي ترامب إلى البيت الأبيض وهو يستخدم سياسة برجماتية في علاقاته الاقتصادية وأيضاً السياسية وخصوصاً مع الدول التي لديها قوة اقتصادية او تسمى في المجتمع الدولي بالعظمى أو لديها تأثير سياسي كبير على الساحة الدولية.
فالصين تعتبر العدو الأول او المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً في الاسواق العالمية وربما تعلو عليها واشنطن في المحور السياسي نظراً للانتشار العسكري لأمريكا على مستوى العالم والاتكاء على المحور السياسي كما الاقتصادي بعكس الصين وهذا ما يساعدها في الميدان السياسي على الرغم أن سياسة ترامب في هذا المنحى اعتمدت على فكرة الخروج من الصراعات او النزاعات العسكرية مثل تخفيف القوات الأمريكية في أفغانستان او في العراق او في سوريا وبالتالي ركز ترامب في تعامله على المستوى الدولي خلال حقبته الأولى على نوع من البرجماتية السياسية والاعتماد على الصفقات الاقتصادية. فقد عقدت الحكومة الأمريكية اتفاقيات تجارية مع الصين لتخفيف النزاع التجاري القائم بينهما وهذا ما فعلته الإدارة الأمريكية مع بكين من خلال توقيع الإتفاق التجاري الأولي في ديسمبر الماضي والذي أثر على الأسواق العالمية وأذكى المخاوف من ركود عالمي. لكن الولايات المتحدة مازالت تفرض رسوما على واردات صينية بقيمة 370 مليار دولار وربما تقترب مفاوضات المرحلة الثانية من قضايا أصعب(٧).
على الرغم من وصول الجانبين إلى اتفاق مبدئي إلا أن هذا الاتفاق مهدد في أي وقت لأن الرئيس ترامب يريد من الولايات المتحدة أن تكون المنافس الأوحد في الاسواق العالمية وهذا لن ترضى به الصين عاجلاً ام أجلاً وبالتالي فإن من الممكن القول أن هذا الإتفاق قد أوجز قبل موعد الانتخابات الأمريكية، مع الأحد في الإعتبار أن هذا الإتجاة من الممكن أن يحسّن من شعبية الرئيس ترامب لدى طبقة معينة من المجتمع الأمريكي، وبالتالي يمكن القول اذا فاز الرئيس ترامب لفترة رئاسية ثانية فمن المتوقع أن نجد هناك نوع من إضطراب العلاقات الثانية مجدداً بل من المتوقع أن ترفع الولايات المتحدة من شروط التفاوض مع بكين وبالتالي يؤدي ذلك إلى منافسة تجارية أشرس مما سبقت وهذا ليس جديد على سياسة الرئيس الأمريكي ترامب خصوصاً مع الصين مع اعتبارها عدواً دائم وهذا ما يظهر دائما على لسان المسؤولين الأمريكين مثل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي يهاجم فيها بكين ونظامها السياسي والحزب الشيوعي الحاكم والسياسة الخارجية للبلاد.(٨)
– الصراع بين موسكو واشنطن
للعلاقات الروسية الأمريكية طابع خاص على المستوى الثنائي او حتى على المستوى الدولي حيث تتسم بالصراع الدائم وخاصة في مناطق التلاقي السياسي الروسي الأمريكي وبالأخص حينما جاء ترامب للحكم عام ٢٠١٧، بسبب الشكوك التي لاحقت روسيا على أنها تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وهي من ساعدت ترامب للمجئ للحكم إلا أن بعد عامين من التحقيقات في ظل وجود ترامب في سدة الحكم خلص تقرير مولر إلى عدم وجود دليل على التآمر مع روسيا للفوز بانتخابات أمريكا.(٩)
ولكن على الرغم من هذا فقد اتجه ترامب للصراع مع موسكو وهذا من خلال إقراره المستمر للعقوبات الاقتصادية عليها (١٠)، او من خلال الانسحاب من المعاهدات الثنائية مثل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مايو الماضي، انسحاب بلاده من معاهدة “الأجواء المفتوحة” مع روسيا (١١) وتسمح هذه الاتفاقية “الأجواء المفتوحة” بين روسيا والولايات المتحدة و32 دولة أخرى، معظمها منضوية في حلف الأطلسي، لجيش بلد عضو فيها بتنفيذ عدد محدد من الرحلات الاستطلاعية فوق بلد عضو آخر بعد وقت قصير من إبلاغه بالأمر.
العلاقات الروسية الأمريكية في المستقبل نحو المزيد من التصعيد خاصة في أماكن التنافس السياسي الروسي الأمريكي في الشرق الأوسط خاصة الأزمة السورية وملف طهران، حيث تتسم العلاقات الثنائية اليوم وتتشابه بالعلاقات الثنائية منذ سنوات الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي ولكن دون تداخل للأيديولوجيا في الصراع بينهما ولكن تبقى في الذهنية الروسية وكذلك الأمريكية فكرة السيطرة عالمياً على كلا منهما الأخر. وبالتالي يبقى المحددان الأول منهما العلاقة بين واشنطن-موسكو والثاني الصين-واشنطن هما محددان سياسيان مهمان للغاية بالنسبة لتقييم الشارع الأمريكي لأداء الرئيس الأمريكي خلال حقبته الرئاسية الأولى مع الأخذ في الاعتبار المحدد الاقتصادي والذي بناءاً عليه سيقرر الناخب الأمريكي من سيختار.
ثانياً- فرص صعود ترامب
اللوبي الصهيوني وتأثيره على الانتخابات الرئاسية
في هذا السياق يمكن تعريف “اللوبي” على أنهم أشخاص ليسوا أعضاء في المجلس التشريعي ولا يحملون صفة رسمية، أو يشغلون مناصب حكومية، يحاولون التأثير على المشتركين أو الشخصيات العامة من خلال الصلات الخاصة وذلك بهدف تشريع معين أو اتخاذ قرارات محددة. ومن هنا استطاعت الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة والتي وصل عددهم إلى أكثر من خمسة مليون نسمة إلى إنشاء لوبي يهودي ضاغط في الولايات المتحدة بالاعتماد على القانون الأمريكي الصادر عام 1946 والذي أعطى الحق للجماعات المختلفة بتشكيل مجموعة ضغط، بهدف ضمان مصالحها من خلال استراتيجيات وتكتيكات متعددة.
استطاع اللوبي اليهودي في أمريكا على مدار السنوات السابقة، محاربة أعضاء الكونغرس الأمريكيين الذين حاولوا الوقوف إلى جانب الحق العربي في فلسطين، ويتهمون عضو الكونغرس الذي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني بمعاداته السامية، وكذلك مناهضة دولة الاحتلال، ونجح اللوبي اليهودي في إبعاد المشرعين الأمريكيين عن زيارة البلدان العربية، بقدر نجاحه في عرض وجهات نظر دولة الاحتلال الصهيوني دون سواها، ويستخدم اللوبي اليهودي عبر منظماته العديدة في الولايات المتحدة، المال لاستمالة بعض أعضاء الكونغرس إلى جانب إسرائيل.
فمن خلال ذلك يتضح أن للوبي الصهيوني نفوذ كبير على العملية السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي، وبطبيعة الحال فإن ترامب دونً عن أي رئيس أمريكي سابق منذ تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية قدم الكثير من التسهيلات السياسية للكيان الصهيوني على اعتبار أن ورقة إسرائيل هي ورقة رابحة مستقبلاً لترامب وتعود بالنفع عليه في مسيرته الانتخابية فقد قدم ترامب للكيان الإسرائيلي ما يلي:-
(١) نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس(١٢).
(٢) قطع المساعدات الأمريكية عن منظمة الأنوروا وهي مساعدات مقدمة من الولايات المتحدة للأجئين الفلسطينين(١٣).
(٣) الورقة الأولى والأخيرة وهي التي تلعب عليها الإدارة الأمريكية الحالية قبيل إنطلاق الإنتخابات الأمريكية واستخدامها لصالحها وهي محاولة جذب المزيد من الدول العربية لعمل علاقات مشتركة مع الكيان الإسرائيلي، مثل اتفاقية السلام التي وقعت بين الأخيرة ودولة الإمارات العربية المتحدة في اغسطس الماضي (١٤). وبالتالي فهو معيار كبير بالنسبة لفوز ترامب من عدمه وخصوصاً بعد ترشيح الرئيس ترامب للفوز بجائزة نوبل للسلام (١٥).
حاول ترامب عمل غطاء مؤسساتي أمريكي عند تدشين التعاون المشرك بين الإمارات واسرائيل، عندما أرسل جاريد كوشنر مع الوفد الإسرائيلي المرافق والذي حطت طائرته في الإمارات العربية لبحث سبل العلاقات الثنائية سواء تجارية أو سياسية أو عسكرية. ولذلك ربما من المتوقع أن توقع دولتين أو على الأقل دولة واحدة أخرى إتفاق سلام أخر مع إسرائيل قبل إنطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سبتمبر القادم.
وبالتالي فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفكرة “مغازلاتهم” من قبل ترامب عبر دعم الكيان الإسرائيلي تعتبر معيار هام في مسيرة ترامب الرئاسية وفي مدى تقدم ترامب على نظيره جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية القادمة.
تحسين فرص العمل ومناهضة العنصرية في البلاد
منذ ظهور جائحة كورونا في العالم وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية أدى ذلك إلى تداعيات اقتصادية خطيرة في أمريكا حيث لأول مرة منذ عام ١٩٤٥، أي منذ الحرب العالمية الثانية ديون أمريكا تتجاوز حجم الناتج المحلي ومن المتوقع أن تتجاوز الديون الأمريكية حجم اقتصاد البلاد العام المقبل، بينما توافق الحكومة على مبالغ إنفاق ضخمة في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا. حيث توقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن الدين الفيدرالي قد يتخطى حجم الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة للسنة المالية التي تبدأ في أكتوبر/ تشرين الأول. ولم يتجاوز الدين هذا الحد منذ العام 1946، كما توقع المكتب أيضاً أن يصل عجز الميزانية الفيدرالية إلى 3.3 ترليون دولار هذا العام، أي أكثر من 3 أضعاف العجز المسجل في العام 2019. وسيكون هذا أكبر عجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 1945.(١٦) حيث ارتفعت البطالة أيضاً في الولايات المتحدة إلى 14.7 في المئة، مع فقدان 20.5 مليون وظيفة في شهر أبريل/نيسان الماضي. ويعني هذا الارتفاع أن معدل البطالة أصبح الآن أسوأ مما كان عليه في أي وقت منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي (١٧).
وبالتالي يعني ذلك أن أمام ترامب قبل إجراء الانتخابات معضلة كبيرة من الممكن أن يحولها لفرصة أكبر عبر عمل إجراءات اقتصادية فورية تساعد على تخفيض نسبة البطالة وتعمل على زيادة دخل الفرد والذي بطبيعة الحال تقلص عقب انتشار فيروس كورونا، ومن ثم ستتحسن صورة ترامب الانتخابية على إعتبار أن العامل الاقتصادي عامل مهم سيساعد ترامب من دون شك في الانتخابات الرئاسية القادمة.
مناهضة العنصرية في البلاد
منذ قرون عدة وتعاني الولايات المتحدة الأمريكية من العنصرية ولعل أخرها العنصرية الحديثة تجاه السود والتي بدأت في أمريكا منذ 400 عام، عندما دخلت أول سفينة بريطانية ميناءً في ولاية فيرجينيا في 1619، تحمل على متنها 20 رجلاً إفريقياً، كانوا أول العبيد في ذلك الزمان، ومنذ تلك اللحظة وحتى اليوم، خاض السود في أمريكا تاريخاً طويلاً من العبودية ومن ثم العنصرية، التي عادت لتطفو على السطح مؤخراً، بعد مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد شرطي أمريكي.(١٨)