ربما كانت حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أصعب فترة بالنسبة لنظام آية الله علي خامنئي، حيث انهارت آمالهم في إعادة الاندماج إقليمياً ودولياً، عبر خطة العمل الشاملة المشتركة أو مفاوضات العام 2015، عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018.
إنفراج مرتقب
إن فيروس “كورونا”، أضعف إيران أكثر من غيرها في المنطقة بسبب العقوبات المتزايدة والمعوقة حتى اليوم الأخير من نظام ترامب الذي دمر اقتصادها وخنق منافذها التجارية والنفطية ومنع الوصول إلى الأسواق. لكن بعد أن اعتادت إيران على فرض العقوبات لعقود من الزمن، نجت بالفعل وحافظت أيضاً على الصبر الاستراتيجي على الرغم من تشديد ترامب عليها من خلال استخدام تكتيكات الضغط القصوى وقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد بداية العام الماضي 2020.
ومع الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كثرت الآمال التي تتمنى وضع نهاية لتنمر ترامب، ليتولى خصمه بايدن المسؤولية ويحترم خطة العمل الشاملة المشتركة التي يمكن أن تخفف من معاناة طهران وتفتح الطريق مرة أخرى. إيران حافظت علانية على عنادها من خلال الاستمرار في تعزيز عتبة تخصيب اليورانيوم كمشروع تكتيكي من خلال ممارسة ضغط أكبر على فرنسا وبريطانيا وألمانيا في المفاوضات النووية المتبعة.
بعدما تكشفت الحقائق ونتائج الانتخابات في ولايات أمريكا المختلفة، أن جو بايدن سيكون الرئيس القادم، خلق ذلك فرصة قوية لأن يعود مجدداً إلى المفاوضات، التي بذل ترامب حولها كل جهد ممكن لخلق مشاكل لخصمه، خاصة في غرب آسيا ضد إيران حيث واصل تكتيكاته للضغط الأقصى والمزيد من العقوبات المركزة والتي في غالبيتها كانت مستفزة لإيران، وذلك لدفعها لارتكاب خطأ استراتيجي. من هذه التكتيكات، أن حلقت قاذفات (بي.52) فوق منطقة الخليج، وظلت حاملة الطائرات “نيميتز” مستعدة لمواجهة أي هجوم إيراني محتمل. كما تم توقيع اتفاقيات أبراهام وتوسيعها بين إسرائيل والعديد من الدول العربية كائتلاف مناهض لإيران من نوع ما، حتى لو لم تعتبر الإمارات العربية المتحدة إيران دولة معادية بشكل علني ولا تزال منخرطة معها إلى حدٍّ ما. حيث تريد طهران وتل أبيب محو الآخر من على وجه هذه الأرض. وسياسة إيران مستمرة من خلال استخدام وكلائها مع الحوثيين وحماس وحزب الله ضد الأهداف الإقليمية المعروفة وكذلك ضد الأمريكيين في العراق، على الرغم ن إعلان خطة هرمز للسلام من أجل الأمن والاستقرار والهدوء الإقليمي.
إحتواء الملفات
لا يزال الموقف متوتراً لأن إيران لا تفقد صبرها فقط بسبب التحديات المحلية والحرمان الاقتصادي، ولكن أيضاً بسبب الهجمات الذكية على أصولها النووية ومنشآتها وعلمائها. فهي لا يمكنها عدم الرد علناً حتى عندما وجهت أصابع الاتهام إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجهاز الموساد الإسرائيلي بمثل هذه الهجمات.
وأثناء حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأمريكي بايدن، اتفقا على العمل معاً وتنسيق ملف الشرق الأوسط وخاصة الملف النووي الإيراني الذي يزداد أهمية يوماً بعد يوم. وكان بايدن قد أكد أنه إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستنضم كنقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات. وقد يكون قرار إلغاء عقوبات ترامب الأخيرة على الحوثيين المتورطين في أسوأ أزمة إنسانية إشارة جيدة. وبالتالي تتوقع طهران تخفيف ورفع بعض العقوبات كإجراء حسن نية بعد أن تغلبت الولايات المتحدة على ترددها في إعادة الانضمام إلى المفاوضات.
كما سيتعين على إيران أيضاً العمل على تخفيف العمل بما يتعلق بتخصيب اليورانيوم من خلال فتح مجال يمكن التحقق منه، بعد أن رفعت النسبة لتصل إلى 20٪ وهو ستة أضعاف الحدود المسموح بها بموجب خطة العمل النووية. فلقد أكدت طهران نيتها تخفيف النسبة بحسب ما صرح به ظريف حول أنه سيتم التراجع عن ذلك إذا عادت الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات ، فليس من الواضح ما إذا كان هذا الفعل الإيراني هو الحصول على العتبة المطلوبة أم أنه مجرد جس نبض. شجب بايدن سياسة ترامب تجاه إيران وانسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة المشحونة بـ “عواقب وخيمة”. بصفته نائباَ للرئيس في إدارة أوباما، وكان جزءاً كبيراً من الصفقة التاريخية لاحتواء طموحات إيران النووية، حتى لو لم تكن مثالية.
مشكلة إيران الحقيقية
مشكلة إيران داخلية أكثر منها خارجية في ضوء تصاعد قوة المحافظين فيها، إذ تلقى الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف نصيبهما غير العادل من الانتقادات من أعضاء مجلس المحافظين والخامنئي نفسه. ففي الآونة الأخيرة، تعرض ظريف لانتقادات بسبب مقابلته مع صحيفة “دير شبيغل” الألمانية، ولقاءه مع مسؤولين أميركيين بعد ثلاثة أسابيع من مقتل الجنرال سليماني، حيث أفادت التقارير أن من بين الحضور إسرائيليين، وبعد ذلك، تعهد ظريف الامتثال لتعليمات المرشد الأعلى علي خامنئي بشأن الاتفاق النووي. وبحسب التقارير، حضر جلسة الاستجواب 259 نائباً من أصل 290، صوت 173 ضد ظريف، بينما أعلن 55 دعمهم لمواقفه وامتنع 18 عن التصويت. وهذا يظهر بوضوح أن البرلمانيين المحافظين سيكون لهم نفوذ أكبر ما لم يأمرهم المرشد الأعلى بخلاف ذلك. وبناءً على ذلك، قال ظريف في مقال نشر في موقع الشؤون الخارجية الإيرانية أن العودة إلى طاولة المفاوضات ستتعرض للخطر إذا طلبت واشنطن أو حلفاء الاتحاد الأوروبي شروطاً جديدة للاتفاق.
تشكيل حلف دفاعي تقوده إيران
على الرغم من وجود بعض الأمل في محاولة رئاسة بايدن كسر الجليد، فإن الإيرانيين لا يمتنعون عن ممارسة الأعمال “العدائية” والتحالفات الاستفزازية. وردت أنباء عن عرض مشروع قانون على البرلمان يحدد “شروط التفاوض مع واشنطن ودعم حلفاء طهران”. وهي تسعى إلى إنشاء هيكل شبيه بحلف شمال الأطلسي يسمى “محور المقاومة” (بصورة تحاكي الدفاع المشترك عند الاعتداء على أي طرف من المحور) والذي قد يشمل إيران وسوريا وحزب الله اللبناني والحكومة اليمنية بقيادة الحوثيين وقوات الحشد الشعبي العراقية وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. قد يكون الدفاع والأمن الجماعيان الهدف المعلن، لكن بصورة أدق، هو سيكون موجه نحو إسرائيل التي تعتبر خصماً واضحاً، ومن ثم فإن طهران تسعى لأن تضمن شرعية دفاعها في حال هاجمت إسرائيل إحدى دول جبهة المقاومة أو إذا اتخذت إسرائيل أي إجراء ضد هذا المحور .
يجب على الدول الأعضاء الأخرى في المجموعة بذل كل جهودها في المجالات العسكرية والاقتصادية. والجوانب السياسية لدرء التهديد. “من المحتمل أن يسعى المحور إلى تعاون أوسع من تركيا والصين وباكستان وروسيا الذين طوروا علاقات أوثق مع طهران في الآونة الأخيرة. في حين أن إنشاء محور المقاومة قد يكون رداً على اتفاق إبراهام، تبقى الحقيقة أن أي حريق وتصعيد عنيف في المنطقة سيكون له تداعيات غير مسبوقة، وقد يكون هذا بمثابة علامة حمراء لمن يحاولون تحقيق المصالحة مثل قطر التي تصالحت مع جيرانها الخليجيين في قمة العلا بعد قطيعة دامت ثلاث سنوات، ما لبثت أن عرضت الوساطة بين واشنطن وطهران لأنها تدعم مبادرات مجلس التعاون الخليجي بشأن السلام والاستقرار الإقليميين.
مفاوضات الضرورة
المؤشرات تدلل على أن باب المفاوضات قد يغلق وخطة العمل الشاملة المشتركة قد تتوقف، وبالتالي على الولايات المتحدة وإيران تحييد الخلافات، خاصة طهران، للعمل مع واشنطن الذي هو أمر حتمي، كذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا لديهما من العمل الكثير، بعدما انسحب ترامب من الملف النووي، هذا العمل وهذه الدوافع الغربية لاستئناف المفاوضات بسبب تنامي القدرة الصاروخية الإيرانية التي تخولها من مد نفوذها الإقليمي، وبالتالي من المرجح أن يكون ذلك، جزءاً من ملامح جديدة للمفاوضات.
فقد أطلقت طهران بالفعل صواريخها الباليستية طويلة المدى في اليوم الثاني من تدريبات “القوة 99” في بحر عُمان، التي سقطت ليس بعيداً جداً عن أسطول البحرية الأمريكية في المحيط الهندي. حيث ادعى اللواء حسين سلامي أن “أحد أهم أهداف سياستنا الدفاعية هو استخدام الصواريخ الباليستية بعيدة المدى ضد السفن الحربية المعادية، بما في ذلك حاملات الطائرات والسفن الحربية. وبهذه الصواريخ التي يبلغ مداها 1800 كيلومتر، يمكننا الآن توجيه الضربات المتحركة ضد أهداف في المحيط “، بدلاً من صواريخ كروز العادية منخفضة السرعة.
تحديد الخطوط العريضة للاتفاق
إن إحياء المفاوضات أمر لا بد منه، فمن الضروري معالجة المخاوف الحقيقية للقوى الإقليمية الأخرى بشكل واقعي. بطبيعة الحال، إن انعدام الثقة التاريخي لديهم سيستغرق وقتاً، ولا يمكن إلا لقيادة أكثر استنارة وجرأة من جميع الأطراف لكي تسد هذا العجز. قال عمر غباش، مساعد وزير الخارجية الإماراتي، إن الإمارات ليس لديها مشكلة في التقارب مع إيران، لكن أي محادثات حول اتفاق نووي يجب أن تكون مشروطة وتشاركية، ولا يمكن لدول الخليج أن تكون مجرد متفرج عندما يكون أمنها موضع شك. وبالمثل، وفقاً لبعض التقارير الإعلامية، تم تكليف رئيس الموساد، يوسي كوهين، بزيارة واشنطن لإطلاع الرئيس بايدن وإدارته ومقابلة رئيس وكالة المخابرات المركزية الجديد للتحدث عن المخاوف الإسرائيلية بشأن برنامج التخصيب النووي الإيراني، وقد يحدد الخطوط العريضة لبعض المعلومات المسبقة المعروفة جيداً. قبل أن تنضم الولايات المتحدة مجدداً إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. لقد تحدثت الدولتان من الجهات غير الحكومية بالفعل عن القضايا ذات الصلة.
في خطوة جديدة، طالبت دول الخليج أن يتم إشراكها في المحادثات وأن يتم قبولها، لكن هذا قد لا يكون ممكناً بالنسبة لإيران ومن المرجح أن تقاوم هذا الطلب لما سينتج عنه من تغييرات، خاصة مسألة كيفية تعاطي كل من الأمريكي والإسرائيلي بشأن معالجة القدرة الصاروخية الإيرانية وعلاقاتها مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما يعني أن الأهداف الثابتة لإيران ستبدأ بالتنازل عنها أو التخفيف أو الحد منها وهذا ما لا يناسبها، فطبيعة رفض الطلب الخليجي أمر مفروغ منه.
بالمحصلة، إن استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة أو المفاوضات على النحو الذي المأمول منذ البداية هو مصدر قلق لمنافسي إيران الإقليميين، وأيضاً شكل الدبلوماسية الأمريكية الجديدة فقد يضطر الرئيس بايدن إلى مراعاة جميع المصالح باعتباره حكماً موثوقاً به أثناء التعامل مع تعدد المصالح المتضاربة للأصدقاء والمنافسين على حد سواء. ولكن بدون تقييم واقعي واستيفاء للتوقعات والقيود والنوايا لجميع أصحاب المصلحة، سيستمر الوضع الأمريكي الإيراني متأرجحاً بسرعات غير متكافئة خصوصاً في غرب آسيا.
خاص وكالة “رياليست” – السفير الهندي السابق لدى الأردن وليبيا ومالطا، آنيل تريجونيات.