كشف المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون عن عزمه لعقد مؤتمر دولي حول سوريا بمشاركة جميع الأطراف الدولية المعنية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد مرور عقد على اندلاع الأحداث في سوريا وفشل المجتمع الدولي بإنهاء مأساة السوريين والانتقال للحل السياسي، طبقاً لوكالات أنباء.
وقال بيدرسون إنه يعمل بدبلوماسية “هادئة” لعقد مؤتمر حول سوريا، ولا بد للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون جزءاً منه، وأوضح: “إنني حالياً أناقش مع محاورين دوليين رئيسيين، نحن في الأيام الأولى لإدارة جو بايدن، ونريدهم أن يكونوا جزءاً من أي شيء يدفع العملية قدماً. ما أقوم به حالياً هو ما أسميه (دبلوماسية هادئة) لمناقشة هذه القضايا، آمل أنه خلال بضعة أشهر، سأكون قادراً على تحديد كيفية المضي قدماً في هذه العملية”.
توقعات بالفشل
لم يحقق المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون أي شكل من أشكال التقدم لإيجاد حل للأزمة السورية، حتى في ظل انعقاد جلسات اللجنة الدستورية في جنيف في الفترات السابقة، كان التقدم طفيفاً مقارنة بالجهود المبذولة، إذ كان المبعوث الأممي يدفع لإيجاد حل دون مراعاة موقف الطرفين خاصة بما يتعلق بالثوابت الوطنية التي تتسمك بها الدولة السورية، الأمر الذي اعتبره بيدرسون أنه حجر عثرة في طريق الحل، كذلك الأمر رفض المشروع الانفصالي، فهذا من غير الممكن المساومة به، لكن يبدو أنه غير مهم بما يتعلق بوجهة النظر الدولية.
إن المؤتمر الدولي الجديد الذي يطبخ على نار هادئة بحسب تصريح بيدرسون ويُعتقد أن تشارك به الولايات المتحدة، بدورنا نعتقد أن الأخيرة سترفض المشاركة فيه، ففي آخر اجتماع لمسار آستانا في سوتشي تمت دعوة واشنطن لكنها لم تحضر ولم تعلق أو تعلل سبب رفضها والذي هو معروف بطبيعة الحال، يقابل ذلك، أن التشدد في الموقف الدولي عموماً والأمريكي على وجه الخصوص يأتي عقب الجولة الروسية في منطقة الخليج، الأمر الذي دفع بالإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية بأن تتشدد في مسألة الضغط على دمشق، بل أخذت الولايات المتحدة الضغط بأمر أبعد من ذلك فهي منذ مدة تعمل على إنشاء مطارات في مناطق سيطرتها من سوريا، ومن يقرأ هذا الأمر يتأكد بطبيعة الحال أن لا نوايا أمريكية لأي حل على الأقل في الفترة الحالية، يتقاطع مع الموقف الأمريكي، الموقف الأوروبي الذي يصب في ذات اتجاه واشنطن، فلقد فرضت بريطانيا مؤخراً عقوبات على بعض الشخصيات السورية، ما يبين أن هذا المؤتمر لن يُكتب له النجاح حتى قبل أن يبدأ.
تضارب التصريحات
إن كثرة اللاعبين في الملف السوري، وضحت الانقسامات الكبيرة بين الأطراف المعنية لا بل انقسمت المواقف بشكل واضح لا لبس فيه، من جهة شكلت روسيا محوراً يقارع القوى العظمى من خلال تفعيل كل القنوات الدبلوماسية الممكنة، حتى الجولة الخليجية التي اتسمت ببعض الليونة، لكن هذا الأمر غير كافٍ حالياً، لأن ما إن تدفع واشنطن برفضه بطريقة أو أخرى سيكون لا قيمة له، وفي السياق، لأن موسكو هي من تقود هذا الملف فلذلك تعمل الولايات المتحدة على إفشال كل مساعي روسيا إن لم يكن مباشرةً منها، يكون عبر حلفائها الغربيين، حتى تركيا، التي أكدت من قطر أنها مع الحل السياسي وليست من الحل العسكري للأزمة السورية، لكنها مستمرة في قصف مواقع سورية، ومستمرة في مسألة التغيير الديموغرافي وبناء مدارس تتبع النموذج التركي في مناطق سيطرتها والذي كان آخرها في ريف الرقة.
إذاً، كل هذه الوعود بحلول ليست إلا كلام نظري لا يقدم ولا يؤخر، لكن بما أن الأوضاع السورية بلغت حداً غير مسبوق، ووصلت إلى القاع، لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، فهذا الأمر يعتبر أنه عملية إبادة لشعب كامل بطريقة ممنهجة، إضافة إلى التشكيك بنزاهة الانتخابات الرئاسية السورية قبل أن تبدأ، ما يعني أن الضغط مستمر حتى تصل الأمور إلى درجات من الدمار الكلي لا الجزئي، وبالتالي، إن لم يتغير الوضع القائم لن يحقق مؤتمر بيدرسون الجديد ولا عشرات المؤتمرات غيره أية نتائج مرجوة.
أخيراً، بعد أن كان الملف السوري بارداً لفترة ولا يحظى بالاهتمام الدولي كما السابق، عاد اليوم إلى مسرح الأحداث بقوة، بعد استقرار الملف الليبي، وإلى حدٍّ ما تم مسك زمام الملف اليمني، لتبقى سوريا وحيدة تقارع مع حلفائها هجمة دولية لا تريد لها النهوض من تحت ركام الفوضى الغارقة فيها منذ عشر سنوات.
فريق عمل “رياليست”.