القاهرة – (رياليست عربي): أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضم 4 أقاليم أوكرانية إلى روسيا بحضور نواب البرلمان وممثلي الأقاليم، مشيراً إلى أن “الناس حددوا خياراتهم في الاستفتاءات التي جرت في مناطق بأوكرانيا”.
وأضاف الرئيس الروسي، “هناك تاريخ مشترك بين روسيا والأقاليم الأربعة ولذلك صوت الجيل الناشئ من أجل مستقبلنا المشترك، من حق سكان هذه المناطق أن يختاروا الانضمام إلى روسيا من أجل حماية حقوقهم في الحياة”.
يعد هذا التقليد بالغ الدلالة في تاريخ روسيا، فكل قيصر أو إمبراطور لابد أن يضيف أرضاً جديدة لروسيا معلناً لشعبه وحاشيته مبررات بقاء حكمه وشرعية نظامه، وليس هناك أبلغ للشرعية في روسيا من ضم أراض جديدة، وفق تعليق د.عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا الطبيعية المساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة، نقلاً عن صفحته الرسمية.
مؤكداً فى سياق رؤيته لمراسم التوقيع، إلى أنه قبل عدة أعوام كان هناك موقف بالغ الدلالة للرئيس بوتين في الجمعية الجغرافية الروسية حين وقف يتابع خريطة لروسيا وأشار أحد مرافقيه إلى حدود روسيا فسأله بوتين: “وهل توجد حدود لروسيا؟”.. وحينما صمت المحيطون عاجلهم بتخفيف التوتر قائلاً “مزحة،أنا فقط أمزح !”.
ترتبط مزحة بوتين (المقصودة) بنكتة جغرافية قديمة كنت قد دونتها في كتابي الصادر عام 2009 بعنوان “ما بعد الشيوعية” وفيها يسأل معلم جغرافيا في بلد أوروبي مجاور للاتحاد السوفيتي تلاميذه في المرحلة الإعدادية : “من هم جيران الاتحاد السوفيتي؟”
تنوعت إجابات التلاميذ لكن المعلم تعجبه إجابة مثالية يقول فيها طالب كسول أعيته جغرافية روسيا: “جيران الاتحاد السوفيتي هم أولئك الجيران الذين يرغب الاتحاد السوفيتي أن يكونوا جيرانا له.”
ومنبع الذكاء في الإجابة أن أية دولة أوروبية معرضة للضم والابتلاع، وهي المخاوف التي تعرف دوما باسم “الروسوفوبيا” والتي استعادت اليوم حضورها بقوة في عام 2022.
عام 2000 حينما تسلم بوتين السلطة من يلتسين، كانت روسيا حينها على شفا خسارة أراض لأول مرة منذ عقود بعيدة حين كانت الجمهورية الإسلامية في الشيشان تحاول الانفصال المسلح، وفي مساجد القاهرة ومكة المكرمة كان الدعاء في التسعينيات أن ينصر الله الشيشان على عدو الله وعدوهم.. بينما كانت روسيا تقول للعالم إن انفصال الشيشان ليس قضية إسلامية بل مؤامرة أميركية لتفكيك الاتحاد الروسي، ركز بوتين هدفه على وقف نظرية انفراط «حبات العقد» أو تساقط قطع الدومينو من أرض بلاده.
لو كانت الشيشان قد استقلت لتبعتها عشرات الجمهوريات وأصبحت روسيا – في أمنيات الناتو – مجرد دولة متوسطة الحجم وانفرطت منها حبات العقد الثمين: من تترستان الإسلامية في الشرق إلى داغستان الإسلامية على حدود أذربيجان شقيقة تركيا (عدو روسيا اللدود) في الجنوب.
حفل التوقيع أراد بوتين من خلاله أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، مؤكداً أنه على مدار 22 سنة متوالية حفظ خريطة روسيا من النقصان بل وضم إليها شطراً مما خسره الاتحاد السوفيتي: شبه جزيرة القرم + الشرق الأوكراني الصناعي الغني بالثقافة الروسية + بحر آزوف.
وتابع، شاء العالم أو أبى فإن بوتين دخل التاريخ فعلاً من أوسع أبوابه، أعجبنا ذلك أو أزعجنا فإن اسمه سيصبح محفوراً في مسيرة روسيا منذ تاريخها التوسعي الذي بدأ قبل 500 سنة حينما نجحت في النهوض من الاحتلال التتري والزحف على قازان وإسقاط الدول الإسلامية على نهر الفولغا واكتشاف خريطة هائلة فيما وراء جبال الأورال.
حفل الكرملين يمنح بوتين حق سيزهو بوتين في حفل توقيع لضم أراض جديدة، وهي صفات الدولة الشابة التي تحكمها عقيدة “الشغف الخلاق”!
الأدلة على حفل الكرملين تقول إن بوتين حقق أهدافه، وإن كنا لا نعرف بأي ثمن سيدفع الشعب الروسي ذلك، وبأي خطوات مقبلة سيتم استنزاف موسكو في صراعها الجديد مع الناتو والولايات المتحدة، لكن المشاهد التي تتغير كل يوم تثبت إن لدى روسيا بوتين شغف خلاق، وأن هذا الشغف أقل فورة وحرارة على ضفة أوروبا العجوز.