موسكو – (رياليست عربي): مؤخراً، أدلى كمال خرازي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، بتصريح ترك العديد من الناس في الغرب غير مباليين: إن طهران سوف تغير عقيدتها النووية إذا هددت إسرائيل وجودها، وبحسب خرازي فإن الجمهورية الإسلامية لم تتخذ قرارا بعد بشأن صنع قنبلة نووية، لكن بلاده لديها الفرصة للحصول على مثل هذه الأسلحة.
وقد أدلى مسؤولون إيرانيون آخرون مراراً وتكراراً بتصريحات مماثلة، مشيرين إلى أنه إذا حاولت إسرائيل مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، فسوف تقوم طهران بمراجعة العقيدة والسياسة النووية للجمهورية الإسلامية بشكل عاجل، منحرفة عن الاعتبارات المنصوص عليها في الإعلان السابق.
لكن في الواقع، ولأول مرة، بدأ مكتب المرشد الأعلى الإيراني يتحدث عن استعداد حقيقي لصنع أسلحة نووية، على الرغم من حقيقة أنه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصدر المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي فتوى (مرسوم) تحظر بموجبها إنشاء أسلحة نووية، إلا أن هناك دعوات في طهران على مستويات مختلفة من وقت لآخر لمراجعة هذا المستند، وقد أصدر خامنئي الفتوى المقابلة على أساس اعتبارات دينية، حيث أشار ضمناً إلى أن قوانين الإسلام لا تعتبر وجود الأسلحة الذرية إلا عملاً إثماً، كما أنها نابع من البراغماتية، وبالتالي اعتقاده بأن البلاد سوف تكون في عزلة أشد.
الدين هو الدين، لكن الوضع الجيوسياسي في المنطقة والعالم يملي شروطه، وكقاعدة عامة، فإن الموقف الأكثر تطرفاً بشأن مسألة إنشاء أسلحة نووية يتخذه السياسيون المرتبطون بالحرس الثوري الإسلامي، في رأيهم، فإن ظهور القنبلة الذرية سوف يتجنب حربًا واسعة النطاق، ويعزز أمن إيران، ويمنح البلاد أيضاً مكانة قوية وصورة كقوة رائدة في المنطقة، والتي سيتم ضمان أخذ رأيها بعين الاعتبار.
أما موقف رجال الدين والشخصيات العامة الدينية الذين دخلوا السياسة فهو مختلف، وهم واثقون من أن وجود هذا النوع من الأسلحة لن يؤدي إلا إلى إطلاق العنان لسباق تسلح في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل، حيث سترغب دول مثل تركيا والسعودية على الفور في الحصول على مكانة قوة نووية، تليها مصر والإمارات العربية المتحدة، وبالتالي سيخرج الوضع عن السيطرة تماماً، وهذا بدوره يمكن أن يطلق يد إسرائيل، الأمر الذي ومن غير المرجح أن تقيم حفلاً مع حقيقة أنه يتم تشكيل “نادي نووي” واسع النطاق على حدودها، يتكون من دول معادية لها.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل السلطات الإسرائيلية حتى يومنا هذا إنكارها بعناد لوجود أسلحة نووية وتعلن أنها لا تنوي صنعها، على الرغم من أن عدداً من المصادر رفيعة المستوى من المنشورات والخبراء العالميين الرائدين أعربوا منذ فترة طويلة عن وجهة نظر مختلفة تماماً وجهة نظر حول هذه المسألة.
ووفقاً لتقارير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء 60 في المائة، في حين يتم تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة إلى حوالي 90 في المائة، ووفقاً للخبراء، إذا تم تخصيب المواد النووية الإيرانية الحالية بشكل أكبر، فسيكون ذلك كافيا لإنتاج رأسين أو حتى ثلاثة رؤوس حربية نووية، بدورها، تستمر طهران الرسمية في الإصرار على أنها لا تخطط لإنتاج أسلحة نووية وتقتصر فقط على “برنامج نووي سلمي” للأغراض العلمية.
وفي 6 مايو، وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران، حيث التقى بوزير خارجية البلاد حسين أمير عبد اللهيان، ثم توجه إلى مدينة أصفهان للمشاركة في المؤتمر النووي الدولي الأول الذي افتتح هناك، ودعا غروسي إيران إلى اتخاذ “خطوات سريعة وملموسة” لتحسين مراقبة برنامجها النووي، وقبل أسبوعين من زيارته للجمهورية الإسلامية، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية: إن إيران على بعد “أسابيع وليس أشهر” من امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع أسلحة ذرية.
كما اشتكى المسؤول الكبير من أن الوكالة ليس لديها “المستوى اللازم من الرؤية” لأنشطة نظيراتها الإيرانية، وتعتقد طهران بدورها أن عمليات التفتيش في منشآتها النووية غير واردة طالما أن الغرب يحافظ على نظام العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية، ومع ذلك، ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن على إيران أن ترفض تسييس القضية المتعلقة بمراقبة مفتشي المنظمة في المنشآت النووية الإيرانية، وضمان وصول جميع الخبراء إليها.
إن الضربة العسكرية الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في أوائل إبريل/نيسان، وما تلاها من تصعيد حاد للصراع بين طهران وإسرائيل، تجبر الإيرانيين على إعادة النظر بشكل جذري في مسألة “العقيدة النووية” للبلاد، وحتى ذلك الجزء من المجتمع الذي دعا إلى التطبيع المستمر للعلاقات مع أوروبا وإنهاء الصراع مع الغرب، بدأ يدعو إلى ظهور الأسلحة الذرية، وهكذا، قال المحلل الإصلاحي الإيراني الشهير سعيد ليلاز، إن بلاده ليس أمامها خيار سوى تزويد نفسها بقدرات عسكرية نووية، مشيرا إلى أن الظروف في الشرق الأوسط تتطلب من طهران اتخاذ خطوات حاسمة نحو التحديث.
وبعبارة أخرى، فإن الخطوات الاستفزازية التي اتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ومحاولته جر إيران إلى صراعها مع حماس لم تحقق هدفها فحسب، بل زادت من ترسيخ الرأي العام الإيراني، وإذا كانت مشاعر الإيرانيين فيما يتعلق بالبرنامج النووي قبل الهجوم على القنصلية في دمشق متشككة إلى حد كبير، فقد أصبحت اليوم آراء النخبة والمجتمع على حد سواء متطرفة بشكل خطير.
كما أن إيران واثقة من أن الغرب لن يخفف نظام العقوبات فحسب، بل إنه غير قادر أيضاً على لعب دور الوسيط في مواجهتها مع إسرائيل، بالإضافة إلى ذلك، ليس من المؤكد أن إسرائيل لن تحاول مرة أخرى استفزاز إيران، وربما تكون بالفعل بصدد إعداد خارطة طريق لتحييدها، الأمر ببساطة أن الإيرانيين يعتقدون أنهم اكتسبوا الحق الكامل في الدفاع عن أنفسهم بطرق متنوعة، بما في ذلك من خلال منظور وضعهم باعتبارهم “قوة نووية”، لأنه في هذه الحالة لن يجرؤ أحد على التعدي على أمنهم، وليس من قبيل الصدفة أن تستشهد طهران بين الحين والآخر بمثال كوريا الشمالية، التي يعجبون بها من حيث قدرتها على ضمان أمنها، وكما يظهر التاريخ، فحيثما تظهر الإمكانات النووية، يتبعها الاستقرار.