باريس – (رياليست عربي): الثلاثاء الموافق 2 أغسطس/ آب 1990، هو ذكرى مرور 32 عاماً على قيام العراق “صدام” لاحتلال دولة الكويت، وهي العملية العسكرية التي استغرقت يومين، لتمكن القوات العسكرية العراقية من إتمام الانتشار الكامل على كافة الأراضي الكويتية، والتي استمرت لمدة 7 أشهر، بعد نجاح القوات العربية بمشاركة امريكية ًعربية في إجلاء القوات العراقية عن كامل التراب الكويتي في 26 فبراير/ شباط من عام 1991.
وأتذكر ما حدث في مثل هذا اليوم وفي حوالي الواحدة والنصف بعد الظهر وصلت إلى أحد الفنادق الشهيرة المطلة على النيل، لارتباطي بميعاد مع صديق لي، وكان المكان في لوبي الفندق، والذي كان يعج بالنزلاء العرب، وخاصة من دول الخليج، وكان يوم شديد الحرارة، كما هو الحال في صيف القاهرة، ولكن التكييف وموقع الفندق الفريد علي ضفاف النيل يجعل من المكان شديد الجمال والراحة، وكان الكبار يجلسون والشباب يتجول يميناً ويساراً، والكثير يتكالب على موظفي ومنسقي حفلات الغناء والسهر، لكبار المطربين والمغنيين، والتي كانت تشهدها القاهرة والإسكندرية والمدن السياحية الساحلية الأخرى في موسم الصيف من كل في هذا التوقيت، وفجأة لاحظت حركة غير عادية، أخذت في التزايد، وإن أصوات الحديث أخذت في الارتفاع بشكل ملحوظ، على غير عادة الأشقاء العرب، ثم بدأ البكاء والصياح والعويل من عدد كبير من المتواجدين، خاصة السيدات والفتيات والأطفال، وكبار السن، وبالسؤال والاستعلام عن السبب، كعادة المصريين، علمت أن صدام حسين قام بغزو الكويت والأمير وأغلبية الأسرة الحاكمة قد غادروا البلاد إلى دول أخرى مجاورة، خاصة السعودية والإمارات وقطر، فقد كانت الصدمة عنيفة، ومدوية، وانتاب المكان حالة من الهرج والمرج الشديدة، وخرجت أنا وصديقي من الفندق، وقد قاربت الساعة على الثانية والنصف.
وعلى جانبي الطريق وكافة المقاهي والمحلات على جانبي الطريق أسمع صوت المذياع وأصوات مذيعي الأخبار يعلنون عن هذا الخبر الذي صدم وأحزن الكثيرين، وأخذت الساعات والأيام والشهور والسنون تتوالى لتحل الذكرى الـ 32 هذا الحدث الأليم، ومع استرجاع الأحداث والظروف التي أحاطت بذلك اليوم والأيام التالية، ولا أنسى الدور والمجهود الضخم الذي قام به الرئيس الراحل حسني مبارك، لإثناء صدام حسين عن هذه الخطوة التي ما زال الجميع يدفع فاتورتها حتى اليوم، وللأسف لسنوات كثيرة قادمة سوف تتحملها الأجيال القادمة.
حيث تسببت تلك العملية في إحداث شرخ وغصة في نفوس الأشقاء وأبناء الأمة الواحدة، وزاد منها للأسف أنه كان هناك من الأشخاص مؤيدين لهذا الفعل المشين، فلك أن تتخيل أنه بين ليلة وضحاها ودقائق معدودة، تفقد وطنك وأسرتك، وأهلك وبيتك، ومهما كانت الأسباب والدوافع والحجج والذرائع والأسانيد، هل يحق لدولة مستقلة ذات سيادة أن تُحتل من قبل دولة أخرى؟
تكلفة وخسائر غزو العراق للكويت
بكل تأكيد إن تكلفة وخسائر عزو العراق للكويت كانت باهظة، وما زال العراق والعرب يدفعون ثمن تلك العملية العسكرية “وهي نقطة سوداء في تاريخ الأمة العربية الحديث” وللأسف، والمستقبل القريب والبعيد، ولكن مع لغة الأرقام التي توضح حجم الكارثة:
فقد قدرت التكلفة المباشرة لحرب الخليج وقتها، بنحو 620 مليار دولار “بسعر صرف الدولار وقتها”، وفقاً لـ”التقرير الاقتصادي العربي” لعام 1991 الصادر عن صندوق النقد العربي والجامعة العربية ومنظمة الدول العربية المصدرة للبترول (أوابك).
كما قدر التقرير خسائر الحرب نتيجة دمار آبار النفط وخطوط الأنابيب ووسائل الاتصالات والطرق والمباني والمصانع بقيمة 160 مليار دولار للكويت و190 مليار دولار للعراق.
وأشار التقرير إلى أن دول الخليج تكفلت بإنفاق 84 مليار دولار، لتحرير الكويت، تحملت السعودية القدر الأكبر منها، ودعمت السعودية والكويت، ومعها بقية دول الخليج 51 مليار دولار لدعم 600 ألف من قوات دول التحالف في الفترة من أغسطس/ آب 1990 إلى مارس/ آذار 1991، بالإضافة إلى إنشاء ممرات طائرات وبناء معسكرات”.
وحسب تقرير صندوق النقد العربي فإن الحرب أدت إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية “21 دولة وقتها”، بنسبة 1.2% عام 1990 و7% عام 1991، ومن الصعب تقدير هذه التكلفة لتباين الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية ما بين 1989 و1991،لكن بالعودة إلى التقرير السنوي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” لعام 1991، نجد أنه يحسب خسارة دول المنظمة “وأغلبها من دول المنطقة” نتيجة تراجع الإنتاج بنسبة 16% وهبوط سعر البرميل بنحو 10 دولارات، في الإجمالي قدر تقرير أوبك خسارة دول المنظمة خلال الأزمة بنحو 12 مليار دولار بسعر صرف الدولار وقتها.
وللمزيد من المعرفة عن التكلفة المباشرة على اقتصاد العراق والكويت من خسائر النفط وحدها، يذكر أن إنتاج نفط الكويت وصل إلى 400 ألف برميل يومياً من 2.5 مليون برميل من قبل، بخسارة أكثر من مليون برميل يومياً.
وبحساب أسعار ذلك الوقت تبلغ خسارة الكويت السنوية عام 1990- 1991 أكثر قليلا من 6 مليارات دولار.
في المقابل وصل إنتاج نفط العراق نتيجة الحرب إلى 300 ألف برميل يومياً، بينما كان ينتج نحو 3 ملايين برميل يومياً قبل الحرب.
وحسب أسعار ذلك الوقت تكون خسارة العراق من فقدان إنتاجه النفطي أكثر من 15 مليار دولار.
أهم التداعيات السياسية لحرب الكويت على السياسة العالمية
كان من أهم التداعيات والآثار السياسية التي ترتبت على غزو الكويت ثم تحريرها هي عودة القوة العسكرية الأميركية على الساحة الدولية مرة أخرى، ومنذ انتهاء حرب فيتنام، نجح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في قيادة القوى الدولية “عربية وغربية” في تلك المعركة حيث رسخ لمفهوم عالم القطب الواحد، وعزز ذلك ضعف الموقف الدولي للاتحاد السوفيتي “وهو ما جاء على لسان ميخائيل غورباتشوف الرئيس الروسي الأسبق، إلى دعوته لتبني مفهوم الجماعة العالمية، على أساس التعاون وليس التنافس “.
غير أن الطرح، الذي قدّمه الرئيس جورج بوش، في 11 سبتمبر/ أيلول 1990، في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، ثم في خطابات لاحقة، في أبريل/ نيسان 1992 ـ بدا أن له مغزى سياسياً عملياً أعظم؛ إذ شكل إلزاماً معنوياً من جانب “القوة العظمى الوحيدة” في العالم، بعد الحرب الباردة، وبعد نهاية حرب تحرير الكويت، وأضحي للجميع أن أثر حرب تحرير الكويت، تجاوز ذلك المفهوم العام، إلى مستجدات أخرى في الفكر السياسي، والمبادئ العامة للقانون الدولي، يتمثل أهمها في مفهوم النظام العالمي الجديد، القائم علي الهيمنة الامريكية كقطب واحد وتعزيز مفهوم “حق التدخل الإنساني”.
أين العراق الآن؟
بعد مرور 32 عاماً على تلك العملية العسكرية العنترية، التي أضرت بالأمة العربية والشعب العراقي، فالسؤال بالأمس واليوم وغداً، أين العراق اليوم، العراق، الذي يمتلك كافة المقومات الأساسية والضرورية لدولة قوية اقتصادياً، بإلاضافة إلى موقعه الجغرافي الفريد، كما دوره التاريخي الإنساني قديماً وحديثاً، العراق الذي يجمع مزيج من الطوائف والمعتقدات والديانات المختلفة والتنوع الثقافي الفريد، والتي كانت لأهم الحضارات الإنسانية المكتشفة على كوكب الأرض.
إن ضعف ووهن العراق أصاب الأمة العربية والعراقية إصابة بالغة، جعلنا جميعاً في موقف المفعول به، وليس الفاعل، نتلقى الضربة تلو الأخرى، وأصبح المواطن العراقي لاجئ خارج الوطن يبحث عن مأوى ولقمة عيش، وفي الخارج يعاني من الفقر والشح، وعدم الأمن والاستقرار.
العراق الذي كان يجب أن يكون من أغنى دول العالم بل وأقواها “لو لم يدمر المفاعل النووي العراقي في 7 يونيو/ حزيران من عام 1981″، ولم يقم بالحرب على إيران، ولو لم يقم بغزو الكويت، والتي بسببها دفع العراق تعويضات ضخمة للكويت والدول الأخرى، كان آخرها مبلغ 52,4 مليار دولار حولها العراق لصالح الكويت في شهر فبراير/ شباط الماضي من هذا العام .
التحليل والتعليق
قرارات الحكام الخاطئة تدفع ثمنها الأمم والشعوب والأجيال، ليتنا نقرأ، ليتنا نفهم، ليتنا نتعظ، ليتنا نعمل …. ليتنا نتعلم.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.