دمشق – (رياليست عربي): حالة من الترقب يواجه العالم اليوم فمع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية 2024 ، يستعد العالم الآن لأربع سنوات أخرى من عدم القدرة على التنبؤ التي تتلخص في شعار “أمريكا أولا” والتي قد تعيد ضبط القواعد الأساسية للاقتصاد العالمي، وتقويض الحماية الأمريكية للشركاء الديمقراطيين وتغيير ديناميكيات الوضع فى منطقة الشرق الأوسط.
في الوقت الذي أبدت العديد من الدول تفاؤلها حول عودة ترامب لكرسي الرئاسة ، توجد درجة عالية من الضبابية والغموض تحيط بمستقبل العلاقات الأمريكية الصينية في الأيام المقبلة.
حيث تسببت المواقف المعلنة بين ترامب والصينيين خلال السنوات السابقة في إحداث شكوك كبيرة حول قدرة الجانبين على إدارة هذه العلاقات، التي تجمع بين اكبر اقتصادين في العالم، بشكل بناء وتعاوني خلال الفترة القادمة، الأمر الذي ينذر بإمكانية نشوب حرب باردة جديدة بين القوة العظمي الوحيدة التي سيطرت على مقاليد الشؤون العالمية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وبين العملاق الصيني الذي شهدت قوته تناميا عسكريا واقتصاديا وسياسيا ملحوظا في العقد الماضي.
واشنطن ترغب من الدول العربية والإسلامية أن تكون جزءا من “استراتيجية التطويق” للصين بدل أن تنخرط في مشروع “الحزام والطريق” فهي تسعى لإغراق الصين في معركة تستنزف قوتها وتعرقل نموها الاقتصادي المزعج لها، من خلال افتعال الأزمات في تايوان ومنطقة بحر الصين الجنوبي، أو عبر السعي لتحريض الداخل الصيني والتأثير فيه بدعاية غربية كاذبة، فكان الضغط على الأقليات إذ ليس من المستبعد أن تحاول واشنطن في هذا التوقيت بالذات دق إسفين في علاقات الدول العربية والإسلامية مع الصين، وبالأخص السعودية والإمارات اللتان اختارتا مضطرتين تنويع شراكتهما مع أقطاب دولية بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن الدفاع أن أمنهما القومي ضد ما تعتبره تهديدات من إيران، وأذرعها في المنطقة، على غرار الحوثيين في اليمن.
تبلغ نسبة المسلمين في الصين ما يقرب من 2% (30 مليون نسمة) من إجمالي السكان البالغ 1.4 مليار نسمة وعلى غرار الكنائس، ولكن لا يُسمح للمسلمين بالحفاظ على اتصالات مباشرة مع الدول الأجنبية حيث تنص القوانين على “السماح بنشاط الجمعيات الدينية الوطنية فقط داخل معابدها وكنائسها ومساجدها وأماكن اجتماعاتها المسجلة”
خلال الشهر الماضي، استضافت جمعية جيانغسو الإسلامية ومركز الأبحاث لتعزيز وعي مجتمع الأمة الصينية في نانجينغ مؤتمراً حول “البحث في دمج الإسلام والكونفوشيوسية وتعزيز وعي مجتمع الأمة الصينية” وكان المؤتمر جزءًا من حملة للترويج لمدرسة جينلينغ كنموذج للإسلام “الكونفوشيوسي”.
بعدما كان من الرموز المرذولة في الصين الشيوعية، عاد الفيلسوف كونفوشيوس ليحتل مكانة مهمة في المدارس الخاصة بدعم السلطات في مجتمع يعاني ضياعا في المفاهيم ، وقد تم الترويج لفكرة أن الكونفوشيوسية والتصوف متشابهان، ودعوا إلى وجود صلة بين الإسلام والكونفوشيوسية.
بالمقابل واجهت هذه الحركة معارضة بسبب إدخال عناصر غير إسلامية في الإسلام، حيث تشهد الصين طفرة في المؤسسات التربوية التي تقدم تعليما تقليديا مدفوعة بتوسع الطبقة الوسطى على رغم بقائها هامشية وصعوبة احصاء افرادها، بالمقابل فأن لتعاليم كونفوشيوس أفكار خاصة تدرس وهي حول الفساد والاضرار البيئية البالغة إضافة إلى لامبالاة المارة حيال الاشخاص الذين يقعون ضحايا حوادث على الشوارع “تؤشر الى تفكك اخلاقي” في وقت “يبحث الناس عما يحميهم من الشعور بالخواء” الروحي .
المشكوك فيه أن الفروق الدقيقة بين علماء الدين الصينيين المسلمين في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث أن “إضفاء طابع كونفوشيوسي” على الإسلام دعم الحركة لإزالة العناصر المعمارية “العربية” واستبدالها بعناصر صينية، من خلال الحث على إجراء البحوث الأساسية وتحرير الكلاسيكيات الإسلامية لنشرها في إصدارات “صينية”، وتسليط الضوء على القيمة المعاصرة لمدرسة جينلينغ والدعوة إلى “نهج مبنكر يعكس العصر الحديث ويسهل قبولها من قبل المؤمنين لتعزيز تكامل الإسلام والكونفوشيوسية كجزء من الجهود المبذولة لإضفاء الطابع الصيني على الإسلام، وهنا يتعين على أصحاب الأديان الأخرى تعديل معتقداتهم بما يتماشى مع قوانين الدولة وهو الخيار الذي لجأ إليه بعض أبناء قومية “الهوي” الذين التقيت بهم في شيان ، ولا يختلف أبناء قومية الهوي، التي تعد واحدة من 56 قومية أو عرقية معترف بها رسميًا في الصين، كثيرا عن السكان الهان الذين يشكلون الأغلبية في البلاد.
وأدعت الحكومة أنها تمنح المسلمين حق الوصول إلى هذه المراكز حيث يتم تلقينهم الأيديولوجية الصينية والأفكار الشيوعية فيما قالت منظمات حقوقية إن هذه المراكز أشبه بكونها معسكرات اعتقال، وتحاول السلطات الصينية منذ عقود وقف انتشار الإسلام من أجل الحفاظ على تأثيرها في شينغيانغ، زاعمة أن المنطقة تتعرض لتهديد خطير من هجمات مسلمين متشددين يسعون لإثارة التوتر بين الأقلية المسلمة وإثنية “هان” التي تشكل الأغلبية من سكان هذا الإقليم وبقية أقاليم الصين.
وترى الحكومة الصينية أن سياساتها أعادت الأمن إلى شينغيانغ، وأن هناك حفاظا على حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص من جميع الجماعات العرقية في الإقليم وأنه لم يقع هجوم إرهابي واحد منذ 5 سنوات، وأن الناس لديهم إحساس أقوى بالسعادة والإنجاز والأمن.
في نهاية المطاف، يهتم الحزب الشيوعي الصيني بنهج “كونفوشيوسي” للإسلام كدعوة إلى الانحياز المطلق للحكومة في السلطة في حين أن هذا المنظور قد لا يعكس بدقة نوايا علماء الدين في مدرسة جينلينج، إلا أنه ينطبق على جمعية الصين الإسلامية الحالية.
اليوم تواجه الصين، احتمال فرض تعريفات أوسع وأعلى بكثير من تلك التي تم تطبيقها بالفعل خلال فترة ولاية ترامب الأولى واستمرت في عهد الرئيس بايدن. قال شي ين هونج، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة رينمين في بكين، إن رئاسة ترامب الثانية “ستؤدي حتما إلى تقليص الثقة والاحترام العالميين للولايات المتحدة.
خاص وكالة رياليست – نور ملحم – كاتبة وصحافية – سوريا.