موسكو – (رياليست عربي): شارك وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) ومعه (يوري أوشاكوف) المساعد الشخصي الأول للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في المحادثات الجارية مع وفد الولايات المتحدة الأمريكية والتي تستضيفها المملكة العربية السعودية منذ صباح اليوم الثلاثاء في قصر الدرعية.
- وقد حضر من الجانب الأمريكي، وزير الخارجية الأمريكي (ماركو روبيو) ومستشار الأمن القومي الأمريكي (مايك والتز ) ومبعوثه إلى منطقة الشرق الأوسط (ستيف ويتكوف)، حيث بدأت هذه المحادثات بدون أي حضور أوروبي أو أوكراني، لتعلن الإدارة الأمريكية بأن هذه المحادثات لن تركز على السلام فقط، بل على ما إذا كانت روسيا الإتحادية مستعدة لإنهاء الحرب، علماً بأن الرئيس (دونالد ترامب) قد أصر بأن كييف سيكون لها دور في هذه المفاوضات لأن الهدف الآخر للمحادثات هو ترتيب لقاء بين الرئيسين ترامب و بوتين، ولهذا السبب جلس المسؤولون الأميركيون والروس على مقاعدهم لبدء مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا، وكل منهما مسلح بقائمة من التنازلات للآخر، ولكن ليس لوجه الله، وإنما لغايةٍ في نفس يعقوب، فماذا يريد الجانبان من هذه المفاوضات ؟؟
- فالبنسبة لفريق (دونالد ترامب) والمكون من كبار الدبلوماسيين، فإن الهدف قد يبدو بسيط وهو إنهاء الحرب الرهيبة والدموية في أوكرانيا، ولكن بالنسبة لفريق (فلاديمير بوتين) فإن المحادثات في المملكة العربية السعودية والتي تعد الإجتماع الأكثر أهمية بين الجانبين منذ بدء الحرب الشاملة، فإنها ستكون فرصة ذهبية للجانب الروسي لتوسيع قائمة مطالبه، وبالذات في أوكرانيا. ولهذا السبب طلب الوفد الروسي في المملكة العربية السعودية من الأمريكيين إجبار أوكرانيا، ولو بالقوة على سحب قواتها من المناطق الأربع التي ضمتها روسيا الإتحادية في شهر سبتمبر 2022، وكذلك التخلي عن مساعيها للإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي كجزء من أي إتفاق السلام المحتمل.
- ونظراً لأن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) قد أصرَّ في وقتٍ سابقٍ على أن أوكرانيا يجب أن تقلص قدراتها العسكرية لمنعها من أن تشكل تهديداً لروسيا الإتحادية، فقد أكد الوفد الروسي في السعودية ضمن قائمة مطالبه التي ستناقش لاحقاً بالتفصيل على فرض قيود ضدَّ الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الثقيلة والدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وكجزء من مطلب نزع السلاح، فقد تضيف روسيا الإتحادية لاحقاً خلال المفاوضات عملية تخفيض قوات حلف شمال الأطلسي أو الإنسحاب الكامل من دول بولندا ورومانيا ودول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا).
- وفوق كل شيء، فإن قبول أوكرانيا كعضوٍ في حلف شمال الأطلسي سيكون بلا شك بمثابة عقبة أمام الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) ولذلك السبب، فقد طالب الجانب الروسي بتعهدٍ ملزمٍ قانونياً بأن أوكرانيا لن يُسمح لها أبداً بالإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وكذلك الأمر، وكجزءٍ من جهود التعافي التي تبذلها روسيا الإتحادية بعد الحرب، فقد طالب الوفد الروسي أيضاً برفع العقوبات الإقتصادية الصارمة التي أدت إلى إنخفاض قيمة الروبل وزيادة التضخم.
- وقد شملت القائمة الروسية أيضاً بعض الإتفاقيات الخاصة بصادرات الطاقة، بما في ذلك إعادة فتح خطوط أنابيب نورد ستريم 1 و2 لاستئناف مبيعات الغاز إلى أوروبا، والتي من شأنها أن تعمل على استقرار الإقتصاد الروسي وفتح الباب أمام تسهيل التجارة، بالإضافة إلى رفع التجميد عن أصول البنك المركزي الروسي، والتي يبلغ حجم تجميدها في الدول الغربية أكثر من 300 مليار دولار، وهو ما من شأنه أيضاً أن يوفر تمويلاً حاسماً للحكومة الروسية في جهودها للتعافي بعد الحرب، كما قد تشمل مطالب روسيا الإتحادية القيام بعمليات لتبادل الأسرى بشكل رفيع المستوى، على غرار عملية تبادل (فوجل و فينيك) كجزءٍ من مطالبها لإنهاء الحرب بشكل تام. كما ستطالب موسكو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالتوقف عن إيواء المنشقين الروس مثل أنصار المعارض (أليكسي نافالني) أو الأوليغارشيين السابقين مثل (ميخائيل خودوركوفسكي) الذي غادر الأراضي الروسي إلى أوروبا، وتوجه بعدها من أوروبا إلى إسرائيل.
نقاط التفاوض التي سيبحثها الوفدين الروسي والأمريكي في السعودية فيما يتعلق بالشرق الأوسط:
يؤكد المسؤولون في قسم الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية الروسية، بأن النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط مستمر منذ قرون، وقد يستخدم الرئيس (فلاديمير بوتين) محادثات السلام التي تُعقد اليوم الثلاثاء لتوسيع موطئ قدم الجانب الروسي في المنطقة، خاصةً وأنه منذ بداية الحرب، أصبحت الشراكة بين روسيا الإتحادية وإيران أقرب من أي وقتٍ مضى.
- ويعود السبب في هذا الموقف الروسي الذي سيسعى إلى التقليل من الضغط الغربي ضدَّ إيران من خلال المحادثات (الروسية – الأمريكية) نظراً لأن إيران بعثت بالكثير من الأسلحة لدعم موسكو منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية وكذلك الطائرات بدون طيار (الدرونات) وغيرها من الذخائر الإيرانية، حيث يؤكد العديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين الغربيين بأن الرئيس (فلاديمير بوتين) قد استخدم أكثر من 8060 طائرة بدون طيار إيرانية التصميم منذ بداية الحرب، ورداً على ذلك، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتٍ على إيران، وهو الأمر الذي قد تطلب روسيا الإتحادية رفعه كجزءٍ من إتفاق السلام النهائي أيضاً، لأن تخفيف العقوبات على إيران والسماح بزيادة صادرات النفط الإيرانية من شأنه أن يؤدي إلى استقرار أسعار الطاقة ويفيد روسيا الإتحادية في تعافيها بعد الحرب الحالية، هذا أولاً.
- أما ثانياً، فقد تقحم روسيا الإتحادية شريكتها الإقليمية إيران ضمن بنود المحادثات الجارية حالياً في المملكة العربية السعودية، نظراً لأن طهران وموسكو، وبالإضافة إلى كونهما شريكين تجاريين مقربين، فإن إيران وروسيا الإتحادية ما زالتا حليفتان أيضاً في الصراعات العسكرية المستمرة حالياً في سوريا والعراق، على الرغم من أن الإطاحة بالدكتاتور السوري (بشار الأسد) وهو الأمر الذي قلص نفوذ موسكو بشكلٍ كبير في منطقة الشرق الأوسط، ولكنه لم يقلل من اهتمام الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بالتواجد هناك، ولهذا السبب، فقد يكون الإنسحاب العسكري الأمريكي (الكامل أو الجزئي) من شرق سوريا حيث تدعم القوات الأميركية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والتي يقودها الأكراد، هو جزءٌ من المطالب الروسية، خاصةً بعد أن أعرب الرئيس (دونالد ترامب) ومسؤولون مقربون منه مؤخراً عن اهتمامهم بسحب القوات الأمريكية من سوريا، مما دفع مسؤولي البنتاغون إلى البدء في وضع خططٍ للإنسحاب الكامل في غضون 30 أو 60 أو 90 يوماً، ولذلك السبب، قد تطلب روسيا الإتحادية من الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً التوقف عن عرقلة صادرات النفط السورية أو الإعتراف بالرئيس (بشار الأسد) الذي لجأ حالياً إلى العاصمة موسكو، ليُعتبر زعيماً شرعياً للجمهورية العربية السورية، من مكان إقامته في المنفى حالياً من موسكو.
نقاط التفاوض التي سيبحثها الوفدين الروسي والأمريكي في السعودية فيما يتعلق بتبادل السجناء:
- بعد أسابيعٍ قليلة من ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ظهرت إشارات على أن إدارة الرئيس (دونالد ترامب) تعمل على إنشاء قناة خلفية بين واشنطن وموسكو بهدف تحسين العلاقات بينهما قبل مفاوضات إتفاق السلام الشامل المزمع التوصل إليه بشكل تام بين الجانبين.
- والدليل على ذلك الأمر هو أن (ستيف ويتكوف) مبعوث الرئيس الأمريكي كان قد كلف بمهمةٍ سريةٍ من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والتي أرسلته سراً إلى روسيا الإتحادية على متن طائرة خاصة لتأمين إطلاق سراح المعلم الأمريكي (مارك فوجل) الذي سُجن لمدة أربع سنوات تقريباً، وكانت هذه أول رحلة معروفة إلى موسكو يقوم بها مسؤول أمريكي كبير منذ أن سافر (ويليام بيرنز)، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية آنذاك، إلى موسكو خلال نوفمبر 2021 لمحاولة وقف غزو أوكرانيا.
وفي المقابل، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية سراح زعيم الجرائم الإلكترونية العالمي، المواطن الروسي (ألكسندر فينيك) الذي تمَّ تسليمه سابقاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة غسل الأموال قبل أن يتم سجنه، حيث كان فينيك يدير إحدى أكبر بورصات العملات المشفرة في العالم، والتي وصفتها وزارة العدل الأمريكية بأنها إحدى الطرق الرئيسية التي استخدمها مجرمو الإنترنت لغسل الأموال، حيث تمَّ القبض على فينيك (44 عاماً) في عام 2017 بناءً على طلب قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للاشتباه في غسله مبلغ 4 مليارات دولار أمريكي من خلال البورصة أثناء قضائه إجازة في شبه جزيرة (هالكيديكي) اليونانية.
- لهذا السبب يؤكد المعنيون بملف العلاقات (الروسية–الأمريكية) في وزارة الخارجية الروسية، أنه لربما تطالب روسيا الإتحادية بتبادل أسرى رفيع المستوى، على غرار عملية تبادل كلاً من الأسيرين (فوجل و فينيك) كجزءٍ من مطالبها لإنهاء الحرب. حيث حكمت الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً على الهاكر (فلاديمير دوناف)، وهو مواطن روسي، بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة ارتكاب جرائم إلكترونية، وقد اتُهم بالإنتماء إلى عصابة نشرت برنامجاً خبيثاً يسمى (تريكبوت) لاختراق البنوك والإحتيال على العملاء، وقد تمَّ تسليمه من كوريا الجنوبية إلى ولاية أوهايو في عام 2021، ومنذ ذلك الحين يسعى الكرملين الروسي لإطلاق سراحه. وفي المقابل، قد تسعى إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) إلى إطلاق سراح (كسينيا خافانا) التي اعتقلت بتهمة الخيانة بتهمة التبرع لجمعية خيرية تساعد أوكرانيا، وقد يكون المواطن الأمريكي (ستيبن هوبارد) هو موضع اهتمام أيضاً، وهو مواطن من ولاية (ميتشيغان) الأمريكية، حيث أدين بالقتال إلى جانب الجيش الأوكراني كمرتزق ضد روسيا الإتحادية، وحُكم عليه هو الآخر بالسجن لمدة ست سنوات وعشرة أشهر في أكتوبر العام الماضي 2024، ولذلك فإن جميع هذه الأسماء (الروسية والأمريكية) ستكون مادة دسمة للمفاوضات الحالية (الروسية – الأمريكية) في المملكة العربية السعودية على هامش جهود كل من واشنطن و موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو الأمر الذي سيؤثر كثيراً على طبيعة المفاوضات.
نقاط التفاوض التي سيبحثها الوفدين الروسي والأمريكي في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بعمليات التنافس الجارية بين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية في دول القارة الأفريقية وكذلك في دول قارة أمريكيا الجنوبية:
- تدرك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتي يتواجد ممثلوها على طاولة المحادثات الحالية الجارية في المملكة العربية السعودية، أن روسيا الإتحادية هي الشريك الأمني المفضل لعددٍ متزايدٍ من الحكومات الأفريقية في المنطقة، حيث حلَّت محل الحلفاء التقليديين في القارة السوداء مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث وسعت روسيا الإتحادية، وبشكل براغماتي للغاية تعاونها العسكري مع الدول الأفريقية باستخدام شركة الأمن الخاصة (فاغنر) وخليفتها المحتملة أيضاً المسماة بـــــــــــــــ(فيلق أفريقيا)، لأنه ومع قيام المرتزقة الروس بأدوارٍ تتراوح بين حماية القادة الأفارقة ومساعدة الدول في محاربة المتطرفين، فقد وجدت روسيا الإتحادية لاعباً مهماً في دول أفريقيا.
- وتؤكد التقارير التي تسلمتها وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إي)، بأن العديد من القادة الأفارقة، قد وصلوا سابقاً إلى روسيا الإتحادية للحصول على مساعدات أمنية دون التدخل في السياسة الأمنية لدولهم، مما جعل الكرملين الروسي شريكاً جذاباً في أماكن أفريقية عديدة مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وغيرها من الدول الأفريقية، وهو الأمر الذي أثار شهية موسكو لكي تسعى للحصول على المعادن والعقود التجارية الأخرى، نظراً لأن أفريقيا تتمتع بثروة من المعادن الثمينة والنفط والموارد الأخرى، وهو الأمر الذي يثير تحديات سياسية و قانونية ويثير منافسة كبيرة على موارد القارة السوداء، وبالذات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية.
- ولهذا السبب، فإن موارد القارة الأفريقية السوداء، ستكون موجودة هي الأخرى ضمن ملفات المفاوضات التي ستكون أشبه بمفاوضات (تقاسم خيرات العالم) بين الجانبين الروسي والأمريكي لأن موارد القارة الإفريقية بالذات، تكتسب أهمية متزايدة بالنسبة للأمن الإقتصادي والوطني، سواءً للولايات المتحدة الأمريكية أو لروسيا الإتحادية، وبالذات لموسكو أكثر من واشنطن، خاصةً تلك الموارد مثل الكوبالت الذي يستخدم في الإلكترونيات وصنع الهواتف المحمولة، أو الليثيوم الذي يستخدم في صناعة البطاريات، وهنا ستطلب روسيا الإتحادية من الولايات المتحدة الأمريكية التوقف عن عرقلة الإستثمارات الروسية في قطاعات التعدين والطاقة والنفط في قارة إفريقيا، وهي الخطوة التي اتخذت في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق (جون بايدن) كما تطلب موسكو أيضاً رفع العقوبات عن الشركات الروسية التي تستخرج الذهب واليورانيوم والمعادن النادرة في القارة الأفريقية والتي تستخدمها لتمويل عملياتها العسكرية.
نقاط التفاوض التي سيبحثها الوفدين الروسي والأمريكي في السعودية فيما يتعلق بالملف الأوكراني وانعكاس ما سيتم الإتفاق عليه على علاقات كل من واشنطن وموسكو مع دول الإتحاد الأوروبي:
- لربما تكون إحدى أهم الملفات التي تبحث في المملكة العربية السعودية بالتوازي مع ملف أوكرانيا، هي قضية العلاقات (الروسية – الأوروبية) وكذلك العلاقات (الروسية – الأمريكية) لأنه ومن خلال التعامل المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد يتمكن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) من تجنب التدقيق الأوروبي، وربما تأمين شروط مواتية في إتفاق السلام. ولهذا السبب، حذر زعيم نظام كييف (فولوديمير زيلينسكي) من أن أوكرانيا لن تعترف بإتفاق السلام الذي تفاوضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية إذا لم تشارك كييف في هذه المحادثات.
- وهنا يعتقد المسؤولون الروس في وزارة الخارجية الروسية أنه بات من المؤكد لديهم بأن هناك مساراً ثنائياً لهذه المفاوضات، حيث ستمنح الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها الحق في القيام بذلك إذا كانت لديها مشاكل ثنائية، مثل مشاكلهم الثنائية مع الجانب الروسي، ولهذا السبب فقد تحدث الأمريكيون عن ذلك بكل صراحةٍ من قبل، والآن فقط بدأوا في التحدث علناً، ولهذا تصرُّ أوكرانيا وعددٍ من دول الإتحاد الأوروبي على غياب الضمانات الأمنية، بحجة أن روسيا الإتحادية قد تغزو البلاد مرةً أخرى، حتى لو تمَّ التوصل إلى تسوية أمنية، وهو الأمر الذي سيستخدمه الرئيس بوتين بذكاء وحنكة، لفصل المفاوضات إلى جزئين،وربما ثلاثة أجزاء، أي (روسية – أمريكية) ومن بعدها (روسية – أوكرانية) وفي المستقبل (روسية – أوروبية)، إذا لم يفرض هو نفسه ما يريد بالقوة على دول القارة الأوروبية التي خسرت رهانها على أوكرانيا.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات (الروسية – الأمريكية) ومن المتابعين لتطور هذه العلاقات وانعكاسها على السياسة الأوروبية مثل السيدة (تيريزا ريبيرا)، وهي نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) قد غيَّر في أسس العلاقة القائمة على الثقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وقبلها رأساً على عقب، وهو الأمر الذي بدأ الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) يستفيد منه، مما سيجبر بروكسل أن تركز على توفير استقرارها وأمنها الذي تفتقر إليه مع واشنطن في حقيقة الأمر.
- وتضيف الخبيرة الأوروبية، (تيريزا ريبيرا) نائبة رئيس المفوضية الأوروبية أن الرئيس (دونالد ترامب) يتصرف بمعزل عن القارة الأوروبية، في الوقت الذي تتطلب فيه الظروف السياسية التمسك أكثر بالعلاقات والتنسيق (الأوروبي – الأمريكي) الذي تخلى عنه الرئيس (دونالد ترامب) بسبب طريقة تعامله التجاري ضمن السياسة الخارجية الأمريكية بشكلٍ خاص والسياسة الدولية بشكل عام.
- وأضافت (تيريزا ريبيرا) أن الأمريكيين غير مدركين بأنه يمكن للأوروبيين أن يكونوا مرنين، ولكنهم بحاجةٍ للحفاظ على مبادئ حقوق الإنسان والتي بدونها لا أحد يستطيع التعامل مع وحدة أوروبا، ولا يستطيع أن يتعامل مع الديمقراطية والقيم ضمن السياسات الحالية التي تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة أن تصنعها، لأنها تفوق التكاليف الأوروبية وهذا صادمٌ بعض الشيء، لأنه وعلى الرغم من الإنتقادات المتكررة من الإدارة الأمريكية الحالية، فسيصدر قريباً قرارين بشأن شركتي التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، (آبل و ميتا)، وهو الأمر الذي سيثبت بأن معظم الشركات الأمريكية تتفق سياستها مع سياسة واشنطن الخارجية، والتي تنظر إلى المصالح الأوروبية فقط عندما تتفق هذه المصالح مع مصالحها الخاصة، وهذا ما يحدث حالياً ضمن المفاوضات الحالية التي تجري بين الروس والأمريكيين في المملكة العربية السعودية بمعزل عن الأوروبيين.
- فيما يرى خبير أمني وعسكري وسياسي آخر، هو الخبير البريطاني العالمي (كونور سترينغر)، المختص بملف العلاقات (الأمريكية – الأوكرانية) والمتابع لشؤون المفاوضات (الروسية – الأمريكية) حالياً أن مطالبة (دونالد ترامب) بتعويض قدره 500 مليار دولار من أوكرانيا مثلاً، تتجاوزُ إلى حدٍّ كبير واقع سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على المعادن الحيوية في البلاد، فهي تغطي كل شيء من الموانئ والبنى الأساسية إلى النفط والغاز، وقاعدة الموارد الأكبر في البلاد.
- ويضيف الخبير البريطاني (كونور سترينغر) أن شروط العقد الذي وصل إلى مكتب رئيس أوكرانيا المنتهية ولايته، (فولوديمير زيلينسكي)، قبل أسبوع من محادثات السعودية، تعني عملياً بأن عملية الإستعمار الاقتصادي الأمريكي لأوكرانيا قد بدأت إلى أجل قانوني غير مسمى (أي لربما إلى الأبد)، وهو ما يعني زيادة أعباء التعويضات الأوكرانية التي يجب أن تدفعها كييف لواشنطن، والتي لا يمكن تحقيقها على الإطلاق، ولذلك تسببت تلك الوثيقة الأمريكية بحالة من الذعر والهلع في كييف، وهو الأمر الذي علمت به أجهزة المخابرات العسكرية الروسية، حيث أوصلت نسخة من هذه الوثيقة إلى الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في الكرملين، والذي لم يبقى أمامه سوى أن يستثمر هذا الخلاف (الأمريكي – الأوكراني) قبل أن يستثمر في الشرخ (الأمريكي – الأوروبي).
- ويؤكد الخبير البريطاني (كونور سترينغر) أن ما أغضب الأوكرانين كثيراً، وجعلهم يشتمون إدارة الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) هو أن هذه الوثيقة الأمريكية تتحدث عن إتفاقية تشمل (القيمة الإقتصادية المرتبطة بموارد أوكرانيا)، بما في ذلك كافة الموارد المعدنية وموارد النفط والغاز والموانئ البحرية والبنى الأساسية الأخرى (كما تمَّ الإتفاق عليها)، مما يجعل من غير الواضح ما قد يشمله الإتفاق النهائي (الأمريكي – الروسي)، حيث ستحصل الولايات المتحدة الأمريكية على 50% من العائدات المتكررة التي تتلقاها أوكرانيا من استخراج الموارد، و50% من القيمة المالية لكل التراخيص الجديدة الصادرة لأطراف ثالثة من أجل استثمار الموارد الأوكرانية في المستقبل.
- وما يزيد الطين بلةً بالنسبة للأوكرانيين (على حد اعتقاد الخبير كونور سترينغر) هو أن الإتفاقية تنصُّ بأنه سيكون للولايات المتحدة الأمريكية، حقُّ الرفض الأول في جميع التراخيص المستقبلية لشراء المعادن القابلة للتصدير، وستتمتع واشنطن بحصانة سيادية وستكتسب سيطرة شبه كاملة على معظم اقتصاد السلع والموارد في أوكرانيا، وسيكون للأمريكيين الحق الحصري في تحديد الطرق ومعايير الإختيار والشروط والأحكام لجميع التراخيص والمشاريع المستقبلية. ولهذا السبب، فقد كانت أول الردود الصادرة من فريق زعيم نظام كييف (فولوديمير زيلنكسي) هو أن هذه الإتفاقية قد كتبها محامون خاصون لشركات أمريكية، وليس دبلوماسيو وزارة الخارجية الأمريكية أو خبراء وزارة التجارة الأمريكية،
- وهنا بات من الواضح بأن الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) قد وضع نفسه في مأزقٍ حرج للغاية، لأنه هو شخصياً قد اقترح بنفسه فكرة منح الولايات المتحدة الأمريكية حصة مباشرة في العناصر الأرضية النادرة والمعادن الحيوية في أوكرانيا خلال زيارته لبرج (دونالد ترامب) خلال شهر سبتمبر 2024 على أمل تمهيد الطريق لاستمرار تسليم الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، وقد اعتقد أن هذا من شأنه أن يدفع الشركات الأميركية إلى بدء عملياتها على الأرض، وهو ما من شأنه أن يخلق فخاً سياسياً سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى ردع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) عن شنِّ أي هجومٍ جديد ضدَّ أوكرانيا، خاصةً وأن بعض الأحواض المعدنية تقع بالقرب من خط المواجهة في شرق أوكرانيا، أو في المناطق التي تخضع لسيطرة روسيا الإتحادية. وبهذه الطريقة فقد أخطأ رئيس نظام كييف رغم حنكته في اللعب على مختلف حبال السياسة الأمريكية والأوروبية، لأنه سلط الضوء على مخاطر وقوع هذه الإحتياطيات الإستراتيجية الموجودة شرق أوكرانيا حالياً، مثل معادن التيتانيوم والتنغستن واليورانيوم والجرافيت والمعادن النادرة، لقمة سائغة في أيدي الروس.
- ويختم الخبير البريطاني العالمي (كونور سترينغر) المختص بملف العلاقات (الأمريكية – الأوكرانية) والمتابع لشؤون المفاوضات (الروسية – الأمريكية) رأيه بالقول:
- لا يمكن لأوكرانيا بأي حال من الأحوال أن تلبي الطلب الأمريكي بالحصول على 500 مليار دولار في أي إطار زمني ذي معنى، ناهيك عن المسألة الأكبر المتمثلة في ما إذا كان من الشرف معاملة دولة ضحية بهذه الطريقة، بعد أن صمد خط المعركة العسكرية لديها لصالح الديمقراطيات الليبرالية بتضحيات هائلة لمدة ثلاث سنوات، حيث بات من غير المعروف بعد بدء المحادثات الحالية بين الأمريكيين والروس في المملكة العربية السعودية، من هو المدين لمن حقاً بعد الحرب في أوكرانيا، هل الأمريكيين مدينون للأوكرانيين ؟ أم الأوكرانيين مدينون للأمريكيين ؟
- وللإجابة على هذا السؤال، يستشهد الخبير (كونور سترينغر) ببعض تصريحات الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) نفسه من كتابه (فن الصفقة)، والذي يقول فيه (دونالد ترامب): إن أسلوبي في عقد الصفقات بسيطٌ ومباشر للغاية، هناك أهدف تهدف هي نفسها إلى تحقيق أهداف عالية للغاية، ومن ثم أستمر في الدفع والدفع والدفع، حتى أتمكن من الحصول على ما أسعى إليه، لأنه في عملية التجارة الحقيقية، يمكن للطرف الآخر عادةً أن ينسحب إذا لم يعجبه السعر المعروض.
- وهنا يمكن لهذه الكلمات أن تلخص، كل ما يسعى إليه (دونالد ترامب) حالياً، وكل ما يجري من مفاوضات في المملكة العربية السعودية، حيث يقوم ترامب حالياً بالإكراه، وبقبضةٍ من حديد من قِبَل قوة إمبريالية عالمية بالضغط على دولة أضعف تواجه مصاعب جمة مثل (أوكرانيا)، وكل هذا من أجل الحصول على ثروة جديدة من السلع الأساسية الوجودة بشكل أساسي في رأس (دونالد ترامب) نفسه، والدليل على ذلك تصريحه الأخير، بأنه في كثير من الأحيان تكون أفضل صفقة يمكنك إبرامها هي الصفقة التي لا تبرمها أبداً، أو التي تفرض عليك تعديل رأيك لتبرم غيرها.
- هذا الأمر، أدركه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بحنكته الأمنية، ومعرفة أجهزته الأمنية مسبقاً بكافة نقاط عملية المحادثات (الروسية – الأمريكية)، حيث أدرك الكرملين الروسي بأن رئيس نظام كييف المنتهية ولايته (فولوديمير زيلينسكي) لا يتمتع بهذه الرفاهية، وأنه بات مضطر اً إلى الإختيار بين الإنتهاك العسكري لأوكرانيا من جانب القوات العسكرية الروسية، أو الإنتهاك الإقتصادي لأوكرانيا من جانب حلفاء كييف الأمريكيين، وفي كلتا الحالتين، فإن الرئيس (فلاديمير بوتين) هو الفائز، وليس الأمريكيين، ولا الأوكرانيين، ولا الأوروبيين، لأن المجموعات الثلاثة باتت كل منها تفاوض الكرملين الروسي بشكل منفرد، (سراً أو جهراً)، كما يجري في المملكة العربية السعودية حالياً، وكما سيجري لاحقاً في مناطق أخرى بين الكرملين الروسي مع الأوروبيين، ومع الأوكرانيين.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.