أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي – الناتو “ينس ستولتنبيرغ” أن الحلف قرر زيادة تعداد أفراد بعثته في العراق بثمانية أضعاف، جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده في ختام اليوم الثاني من اجتماع وزراء دفاع الناتو المنعقد في بروكسل، أن القرار يقضي بزيادة عدد أفراد بعثة حلف شمال الأطلسي في العراق من 500 حتى أربعة آلاف شخصاً، طبقا لموقع قناة “روسيا اليوم“.
وقال ستولتنبيرغ: “بحثنا اليوم قرار توسيع مهمة الناتو للتدريب في العراق، لدعم القوات العراقية.. والتأكد من أن “داعش” لن يعود، مضيفاً، برامج التدريب للناتو ستشمل بفضل هذا القرار المزيد من المؤسسات الأمنية العراقية والمناطق خارج العاصمة بغداد”.
شركات أمنية
جاء إعلان ستولتنبيرغ حول مضاعفة عدد قوات الحلف إلى ثمانية أضعاف، بتنسيق أمريكي، فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد ذكرت أن عدد قواتها في العراق بآخر إحصائية لها بحدود 2400 جندي امريكي، يضاف لهم 3500 جندي من قوات الناتو مرفقين بالـ 500 جندي الموجودين في الأصل، دون ذكر القوى الأجنبية الأخرى، ما يرفع عدد القوات الأجنبية إلى حدود 6500 جندي أجنبي، لمحاربة تنظيم تم القضاء عليه في العام 2016، مع تحرير آخر معاقله في دولته المزعومة في مدينة الموصل العراقية، وكذلك الأمر في مدينة الرقة السورية، وسبق وأن أعلن تنظيم قوات سوريا الديمقراطية – قسد القضاء على آخر معاقل التنظيم في منطقة الباغوز بمنطقة البوكمال بريف دير الزور بالشرق السوري في العام 2019.
كان من المفروض أن يتخذ قائد حلف الناتو هذه الخطوة بين أعوام 2016 – 2019، وأن تكون النية محاربة التنظيم، فعندما كان في قوته وهيكليته المدربة وعديده الكبير، لم يأخذ الناتو أو غيره مثل هكذا قرار، ليضاعف عدد قواته الآن ثماني مرات ومحاربة ما أسماه خبراء عسكريين عراقيين، بمحاربة “الشبح” إذ من غير المعروف أين هم عناصر داعش الآن؟ وأين يتحصنون؟ ومتى يهجمون؟ فهم في الأوقات الحالية يعتمدون على عنصر المباغتة والمفاجأة، وبالتالي يكفي عدد قوات الناتو الـ 500 الموجودين اليوم لمحاربة التنظيم، لكن هذا الادعاء لا يُفسر إلا أن المحور الأطلسي يستخدم هذه الذريعة للبقاء في العراق مع القوات الأمريكية، فمسألة التنسيق مع الحكومة العراقية، مسألة غير مفهومة، فأين هو الجيش العراقي وأين الحشد الشعبي الذي هو من حرر الموصل وطرد التنظيم في العام 2016 بحسب أقوالهم.
وبالتالي، زيادة عدد قوات الحلف، يعني زيادة في عدد الشركات الأمنية، بعيداً عن الوجود الرسمي للقوات الأجنبية، فالشركات هذه هي عبارة عن أجهزة مخابرات متنقلة ستعمل على التواجد في كل المناطق والمرافق الحيوية، في الداخل العراقي، لأن خريطة انتشار تنظيم داعش هي بالقرب من الحدود العراقية – السورية، فتمركز قوات الناتو لتحقيق الغاية يجب ان يكون في تلك البقعة تحديداً، فبالأمس تم ضبط أسلحة وطائرات بدون طيار بالقرب من الحدود، إضافة إلى حدوث اشتباكات متقطعة بين القوات الموجودة هناك وتنظيم داعش حيث سقط 11 قتيلاً من الجانب العراقي، يأتي في ذلك وسط معلومات تتحدث عن تسليم تنظيم قسد للعراق 100 داعشي عراقي، وهذا ما أعلن عنه مسؤولون في العراق، لكن ما لبثت قسد أن نفت هذه المزاعم، بالنتيجة على الولايات المتحدة ومحورها الاعتراف بأنها ستبقى في العراق ولن تخرج لكن بوضع ذريعة منطقية ويتقبلها العقل، لأن إنعاش التنظيم غير ممكن بعدما تم القضاء عليه وهو في أوج صعوده.
الناتو في سوريا
إذا كانت نية ستولتنبيرغ حقيقية، فإن تنظيم داعش موجود في سوريا على طول البادية السورية المتصلة مع الحدود العراقية، وفي معظمها هي عبارة عن أراضٍ قاحلة وصحراء غير مأهولة إلا في بعض أجزائها، وإلى وقتٍ قريب، لا تزال هناك اشتباكات متقطعة بين الجيش السوري وعناصر التنظيم بين مدينتي دير الزور وحمص، لكن لم يخرج أحد ويتحدث عن مضاعفة عدد قواته في سوريا لقتال داعش، كما الحالة العراقية، فحلف الناتو يريد وأد داعش في العراق، أما في سوريا فالأمر عكسي، حيث ضبطت القوات السورية أطناناً من الأسلحة المخبأة للتنظيم والتي جميعها تعود صناعتها للدول الأعضاء في حلف الناتو، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، من أين حصل عليها تنظيم داعش؟
لقد طلبت الحكومة العراقية في العام 2014 عندما كان داعش على أبواب بغداد، من الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية وكلهم أعضاء في حلف الناتو، مدهم بالأسلحة لكن ما من أحد قدم لهم شيء، حيث أبلغتهم واشنطن حينها وهي الموقعة معهم اتفاقيات دفاعية واتفاقات تسليح، بأن الأسلحة التي طلبتموها ستصلكم لكن ليس في 2014 بل 2020!
هذا الأمر لا يحتاج إلى تحليل لأنه في الأساس واضح المعالم، لا يمكن لواشنطن أن تخسر العراق تحت أي ظرف حتى لو أعادت تجربة العام 2003، وبما يتعلق بسوريا، فهي تعتبر أنها تقاتل إيران وروسيا وسوريا معاً، طالما أن التنظيم لا يقترب منها ولا يشكل على قواتها أي خطر، فليس لها مصلحة بالقضاء عليه، وهذا ما يضعف نظرية عودة داعش بالقوة السابقة التي كان عليها قبلاً.
من هنا، يبدو أن الإدارة الأمريكية تعمل على تبريد الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، لكن ليس بالخروج من المعادلة، ففي مايو/ أيار المقبل موعد انسحاب قواتها من أفغانستان بموجب الاتفاق المبرم مع طالبان، لكن التوقعات تقول إنها لن تنسحب وقد يتم نسف الاتفاق لأنه تم عبر الإدارة الأمريكية السابقة، إضافة إلى محاولات حلف الناتو التغلغل في دول أوروبا الشرقية، كما أنه سيعمل على الإطباق على الشرق الأوسط بأكمله، ما يعني الخطة المتبعة الآن هي تحويل العالم إلى تابع للقوى الأطلسية أو الحروب لن تهدأ لكل من يرفض ذلك، فقد تهدأ بعض الملفات وقد توجد بعض الحلول لبعض الأزمات لكن بحضور وتواجد الأمريكي ومحوره، فالأكيد من إعلان الناتو، أن العراق للغرب ولن يخرجوا منه مادامت تنعم بثروات طائلة يعتبرون أنهم الأحق بها لا أهلها.
فريق عمل “رياليست”.