لطالما وضعت روسيا القضية الفلسطينية في بؤرة اهتمامها وجعلتها جزءًا لا يتجزأ من رؤيتها الدبلوماسية باعتبارها لاعب دولي ذو ثقل وتأثير في القضايا الدولية. ذلك الاهتمام الروسي قابله سعيًا حثيثًا من جانب السلطة الفلسطينية نحو إقامة علاقات قوية مع روسيا، لضمان تأييد حل الدولتين ودعمها في المحافل الدولية.
ففي إطار الخطوة الجديدة التي أعلنتها إسرائيل عن اعتزامها ضم أكثر من 130 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة وغور الاردن الذي يمتد بين بحيرة طبريا والبحر الميت، على أن يصبح جزءًا من حدودها الشرقية مع الأردن، اعتبر الفلسطينيون ذلك ضماً غير قانونيًا لأرض محتلة يسعون لإقامة دولتهم عليها. وعليه، كانت الجهود الفلسطينية ضد خطط ضم إسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية تسير في أكثر من اتجاه، فعلى المستوى المحلي قاموا بقطع العلاقات كافة مع إسرائيل والولايات المتحدة بما في ذلك التنسيق الأمني، وعلى المستوى الإقليمي: كانتالأردن في مقدمة الرد العربي على الخطة الإسرائيلية.أما على المستوى الدولي، فقد سلط الفلسطينيون تركيزهم على ثلاثة أعضاء في اللجنة الرباعية للشرق الأوسط وهم: الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا، وعلقت الآمال على ما سيتخذونه حيال تلك القضية وبالأخص روسيا.
الموقف الروسي من قرار الضم
كانت روسيا من ضمن الأصوات الدولية المناهضة لقرار الضم الإسرائيلي، وقامت بتحذير إسرائيل من المضي قدمًا في خطتها لضم مستوطنات الضفة الغربية. وهو ما صرح به السفير الروسي «أناتولي فيكتوروف» في حفل استقبال بمناسبة العيد الوطني الروسي، حين قال:
“نعتقد أن بسط السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية سيكون تطورًا خطيرًا للغاية، فخطوة ضم إسرائيل لجزء من الأراضي الفلسطينية سيلغي بالتبعية احتمالات التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وإثارة جولة جديدة من العنف”. وفي ذلك الإطار، أكد السفير على أن موقف روسيا المبدئي يصبلصالح حل الدولتين كي تُحل المشكلة على أساس دولي معترف به عالميًا، مع حثها الدائم على ضرورة الإسراع في استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تحت رعاية الأمم المتحدة لحل جميع قضايا الوضع النهائي والتوصل إلى اتفاق سلام شامل مستند إلى قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية.وهو ما شدد عليه المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا، نائب وزير الخارجية، «ميخائيل بوغدانوف»، بأن الموقف الروسي بشأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لم يتغير وأن روسيا تدعم حل الدولتين.
لماذا تهتم روسيا بالقضية الفلسطينية؟
لم يكن الاهتمام الروسي بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي بحديث عهد، بل كانت الاتحاد السوفيتي تتبنى تلك القضية وتجعلها على رأس أجندتها وتوجهها نحو الشرق الأوسط. فقد سبق أن دعم الاتحاد السوفيتي منظمة التحرير الفلسطينية في مساعيها نحو الحصول على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية. وبعد اعتراف منظمة التحرير بتلك القرارات، قامت بافتتاح سفارة لفلسطين في موسكو عام 1988م، وفي عام 1995، بدأت ممثلية روسيا الاتحادية لدى السلطة الفلسطينية في العمل.
وفي محاولة لتنفيذ رؤية روسيا للعب دور أكبر في الشرق الأوسط، اتجهت موسكو لتعيين مبعوثًا خاصًا لعملية السلام في الشرق الأوسط وتم إدراجها كعضو في اللجنة الرباعية الدولية التي تم تشكيلها في عام 2002، لكن اللجنة مع الوقت فقدت جدواها إلى حد كبير نظرًا للسيطرة الأمريكية على عملية التسوية ورفض إسرائيل للتجاوب معها. وظلت روسيا منذ ذلك الحين مهتمة بتطورات القضية الفلسطينية ومسار التسوية السياسية، وهو ما يتضح في زيارات الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى موسكو باستمرار، وبالأخص زيارته في عام 2010 التي سعت روسيا من خلالها لاستئناف المفاوضات بعد توقفها بانتهاء عام 2008. كذلك، فإن روسيا تعمد عبر سياستها الخارجية تجاه ذلك الملف أن تتعاطىمع الفصائل الفلسطينية وتقرب وجهات النظر لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
الأمر الذي أكد عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في العاشر من سبتمبر/أيلول لعام2017، في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي «عادل الجبير» بجدة، أن روسيا إلى جانب دول عربية على اتصال وثيق بحركتي فتح وحماس بهدف إقناعهما بالعودة إلى اتفاق المصالحة، مؤكدًا على الاهتمام الروسي بالمحافظة على عمل الرباعية الدولية للسلام.
روسيا والمعادلة الصعبة!
مثل وجود روسيا العسكري في سوريا ميلاً واهتمامًا عمليًا لا نظريًا نحو حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالسياسة الخارجية الروسية غالبًا ما تسعى لأن تكون طرفًا نزيهًا في حلالقضية الفلسطينية، فهي تحظى بعلاقات ثنائية قوية مع كافة أطراف الصراع: الفلسطينيون من ناحية والدول العربية وإسرائيل من ناحية أخرى. فروسيا تحرص على علاقات قوية ومتينة مع إسرائيل والحفاظ على المصالح المشتركة بينهما، وفي الوقت ذاته تهتم بتحسين وتوطيد علاقاتها بالسلطة الفلسطينية.
تلك السياسة رُسمت ملامحها على أساس اعتبارات عديدة وبالأخص خلال حكم بوتين، الذي عمد إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل منذ وصوله للسلطة في مارس/آذار لعام 2000. و بالفعل، نجحت البلدين في توطيد علاقاتهما على عدة جبهات سياسية وعسكرية وتكنولوجية وتحسين العلاقات الاقتصادية التي تخطت فيمتها في عام 2014 حاجز الــ3مليارات دولار.
وعليه، تحاول روسيا أن تتبنى تجاه خطة الضم الإسرائيلية موقفًا لا يؤثر بشكل كبير على العلاقات المتينة مع إسرائيل، فرغم عدم وجود بصمات روسية واضحة في الملف الفلسطيني الإسرائيلي باستثناء جهودها المبذولة في سبيل تعزيز تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل والتوسط بين الفصائل الفلسطينية، إلا أنها في أنها في الآونة الأخيرة اتجهت للتحرك في ذلك الاتجاه.
جدير بالذكر أن روسيا تعمل على الفصل بين الملفات خلال تعاملها مع إسرائيل، لأنها تستفيد من الهجمات الإسرائيلية في سوريا التي تضعف بدورها من الوجود الإيراني وتعمل على تهميشها، ومن ثم فإن روسيا لا تربط في سياساتها بين ما يحدث على كلا الساحتين السورية والفلسطينية. فرغم دعم الإدارة الأمريكية تحت رئاسة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للخطة الاستيطانية، فإن روسيا عارضتها بالكلية ودعت لتجديد المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتمسكت بوجوب الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي من أجل تحقيق التسوية المرجوة بين فلسطين وإسرائيل.
ذلك الرفض له أسبابه المنطقية التي سلطت الضوء عليها صحيفةهآرتس الإسرائيلية في تحليل نشر لها، ووفق التحليل، فإن الاهتمام الروسي الواضح بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس للرغبة في حله، وإنما لأن الساحة الفلسطينية هي منطقة جديدة تشهد نفوذًا أمريكيًا ضعيفًا في ظل تطلع الفلسطينيين لشريك قوي جديد، وهو ما تعتبره روسيا فرصة ذهبية.
لكن روسيا في الوقت ذاته لم تهدد بفرض عقوبات على إسرائيل في حالة الضم، بل كان موقفها في الوقت ذاته علنيًا صارمًا دعت فيه إسرائيل للنظر في آثار الضم. ولعل ذلك التوجه يدعم الاستراتيجية التقليدية التي تفضل روسيا اتباعها بشكل دائم في النزاعات في الشرق الأوسط، وأن تكون مشاركتها محض تعاونًا مع دول أخرى عبر تحالف دعم بدلاً من العمل من جانب واحد.
إجمالاً، تحرص روسيا على تقلد مكانة مميزة في الشرق الأوسط عبر اضلاعها بأدوار بارزة في القضايا الشائكة وعلى رأسها حل الصراع العربي الإسرائيلي. لكنها في الوقت ذاته، تتبع منهجًا رشيدًا كي لا تخسر مصالحها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل وعلاقاتها المتينة معها، ولا تخسر في الوقت نفسه علاقاتها الوطيدة بالسلطة الفلسطينية.
سهير الشربيني-باحثة في العلوم السياسية، متخصصة في الشأن الإسرائيلي، خاص “رياليست”