إن تعقيدات المشهد الليبي كبيرة جداً، لعل أخطرها الانقسامات داخل حكومة الوفاق نفسها، الأمر الذي أطلق جُملة تهديدات لرئيس الحكومة فائز السراج نفسه، منها الضغط الشعبي، لكن الأقوى هو الضغط التركي، ليتغير المشهد كلياً عما كان عليه الأسبوع الفائت.
هل تصدعت حكومة الوفاق بعد استقالة باشاغا؟
من المعلوم أن الذريعة التي اتخذها وزير الداخلية فتحي باشاغا معلناً على إثرها استقالته من منصبه، والتي هي تضامنه مع جموع الشعب المنتفضة التي تعرضت للتنكيل بها من قبل عناصر قوات الوفاق، أبرزت مشهداً جديداً لم تألفه تركيا ولا حكومة الوفاق، وهي إنقسام داخل البيت الليبي الواحد أي قوات غرب ليبيا على المستويين الرسمي والشعبي، والذي كان سيؤدي إلى اندلاع اشتباكات حتمية بين الموالين للسراج في طرابلس والموالين لباشاغا في مصراته، وبالتالي كان لابد من تلافي هذا الخطر الذي سيطيح بقيادات كثيرة لم يكن السراج نفسه في منأى عنها، الأمر الذي أجبره وحتماً بطلب تركي وهي إعادة باشاغا إلى منصبه في وزارة الداخلية، خاصة وأن أنقرة لن يهمها استبدال السراج بباشاغا طالما الإثنين تحت نظرها ومدعومين من قبلها، لكن الأخير أشد سطوة وقوة من السراج وقد تنفلت الأمور لما لا ترغب به الحكومة التركية، ففضلت الإبقاء عليه في منصبه تحت ذريعة الخوف من التفلت الأمني بين مسلحي طرابلس ومصراته.
يضاف إلى ذلك، عن أنباء تتحدث حول وجود خلافات خطيرة في هيكل المجلس الأعلى للدولة بليبيا، مما يهدد بحدوث انقسام داخل حكومة السراج.
على المقلب الآخر، ترى بعض الأوساط المتابعة أن عودة باشاغا كانت حتمية لمعرفته الكثير من الأمور والخبايا التي قد تقلب الطاولة على السراج وأعوانه والتي رجحوا أن تكون ملفات فساد، سيتم كشفها للعامة، متغافلين عن أن المتستر كما الفاعل ما يعني أنهما شركاء إذ يبدو هذا السبب ضعيف وحتى وإن كان موجوداً.
ماهي شروط طبرق للمفاوضات مع الوفاق؟
بعد المظاهرات الأخيرة في ليبيا والتي في غالبيتها كانت منددة بحكومة الوفاق وأدائها تجاه المواطنين ككل، برزت أصوات كثيرة مطالبة بتغيير نهج هذه الحكومة وممارساتها تجاه أبناء الشعب الليبي، لعل أبرزها حل جميع الميليشيات غير الشرعية وسحب الأسلحة منها، ووقف التدخلات التركية في الشؤون الداخلية لليبيا، وهذه مطالب محقة، لكن ما إمكانية تحقيقها على أرض الواقع؟
في هذا الصدد، قال النائب طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب أنه يجب حل جميع الميليشيات المسلحة غير الشرعية لما يسمى بحكومة الوفاق الوطني، ويجب على تركيا التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مؤكداً على أهمية استئناف عمل اللجان التي ستناقش آليات استئناف الحوار والتحضير للاجتماعات المقبلة تحت رعاية الأمم المتحدة.
هذه الشروط نظر إليها السراج بجدية، ويبدو أنه ذاهب باتجاه الموافقة على أجزاء منها، وقد يكون حل الميليشيات غير الشرعية، بتحويلها إلى شرعية وإلباسها زي الشرطة الليبية كما فعل مع المرتزقة السوريين، أما جزئية وقف التدخلات التركية، فهذا الطلب خارج عن إرادته ولا يستطيع البت فيه، فوقف التدخل التركي يعني الانسحاب التركي من كل الملف الليبي وبالتالي يفقد تلقائياً السراج الحماية التي توفرها أنقرة له، لذلك سيبقى الوضع في دائرة مغلقة، وسيتكون الحلول آنية تعتمد على امتصاص غضب الأطراف الأخرى إلى أن تهدأ الأمور وبعدها تعود الأمور إلى سابق عهدها، وهذه حقيقة مؤكدة تمت تجربتها في أكثر من موضع مع الوفاق.
عودٌ على بدء!
إن كل الوعود التي قطعتها حكومة السراج كما أشرنا أعلاه كانت لامتصاص الغضب الشعبي ضدها، وما إن تمت السيطرة عليه إلى حدٍّ ما، عادت ممارسات عناصر تلك الحكومة إلى ما كانت عليه، إلا أن التداعيات في هذا الوقت قد تكون أخطر بحكم الظروف التي تسيطر على ليبيا بسبب جائحة “كورونا” فلقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عند تزايد كبير في أعداد المصابين، فيما القدرة الاستيعابية للمستشفيات محدودة، فضلاً عن المنظومة الصحية الليبية مترهلة، ويبدو أن سبب استيلاء عناصر حكومة الوفاق على شاحنات أدوية مقدمة من الأمم المتحدة يعود لما ورد أعلاه.
وفي سياقٍ متصل، وبعد امتصاص الغضب الشعبي، ذكرت قوات الدفاع الأمريكية – البنتاغون أن تركيا أرسلت ما لا يقل على 5000 آلاف جهادي للقتال في ليبيا، ومن بينهم 800 تم نقلهم من سوريا إلى الداخل الليبي، وهذا يشي بأن حكومة الوفاق تعمل تماماً على تدمير ليبيا عبر الزج بكل هؤلاء المقاتلين لقتال الشعب الليبي، ما يعني أن مهادنة السراج ما هي إلا مخادعة ومراوغة حتى يعيد قبضته الحديدية من جديد. وما يؤكد ذلك الاتفاق التركي مع الوفاق مؤخراً والذي كان متركزاً على شق التعاون العسكري.
من هنا، إن لتركيا اليد الطولى في كل ما يحدث في ليبيا وبحسب آخر المعلومات التي تقول إن عودة باشاغا إلى منصبه جاءت بعد تدخل وفد تركي بشكل مباشر لحل الخلافات بين وزير الداخلية والسراج، فيما بدت تصريحات الأمم المتحدة حول تعنيف المتظاهرين خجولة ولم تكن حازمة بل ركزت على المهاجرين الليبيين أكثر مما ركزت على المتظاهرين، فالمشهد عاد إلى ما كان عليه على الرغم من ذهاب الأفرقاء الأسبوع القادم إلى جنيف واستئناف المفاوضات التي لها قرابة العشر سنوات دونما التوصل إلى شيء، إذ أن مطالبات الشعب الليبي لا تتسق والتدخلات الخارجية التي حددت أهدافها وماذا تريد من ليبيا، وبالتالي كل ما عدا ذلك لن يلقى أية آذان صاغية، ليبقى التعويل الأول والأخير على قوات شرق ليبيا ما إن يتم استئناف المعارك وإلى أن يتم ذلك ستعمل تركيا على إغراق الأراضي الليبية بالأسلحة كما الوضع السوري، ففرص قوات الجنرال حفتر دن تحالفات لن تحقق نتائج لتخليص ليبيا مما يعتريها منذ العام 2011.
فريق عمل “رياليست”.