إن منح الثقة للحكومة الانتقالية الجديدة في ليبيا يُعتبر إعادة ضبط للأوضاع الليبية التي أضرت بكل مفاصل الحياة فيها، مسؤولية كبيرة على عاتق الحكومة اليوم، التحديات هي الأبرز، فرصة قصيرة لنقل البلاد من الفوضى إلى الاستقرار، وطرابلس تضع الحجر الأول في مسار عودة ليبيا موحدة وآمنة ومستقرة.
مرحلة مفصلية
انهالت التهاني على الحكومة الانتقالية الجديدة من كل الدول العربية والأجنبية في مرحلة هي مصيرية بالنسبة لليبيا، ومسؤولية أكبر تقع على عاتق الحكومة الجديدة برئاسة عبد الحميد دبيبة، إن منح الثقة جاء في وقت مفصلي وحسّاس بعد كل الرهانات على الفشل الحكومي الجديد في ضوء التدخلات الخارجية التي تحكمت بالمشهد الليبي طيلة سنوات أزمته، وأبرز ما يقع على عاتق هذه الحكومة ضبط الأوضاع سياسياً وأمنياً واقتصادياً والإعداد لمرحلة الانتخابات التي تسلم فيها السلطة إلى رئيس منتخب بإرادة وموافقة الشعب الليبي وضمن عملية ديمقراطية نزيهة، وليكتب بذلك نهاية فصل من أزمة استمرت أكثر من 10 سنوات.
هذه الثقة أيضاً ستكون مفصلية لجهة نبذ الخلافات بين الأقاليم الثلاثة والمحافظة على الهدنة والإسراع بإخراج المقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية، إذ أن هذه الأمور تتحقق من خلال ضبط كل عرقلة محتملة تحاول نسف هذه الجهود التي تطلبت وقتاً طويلاً حتى أخذت شكلها الحالي، خاصة مع عودة المؤسسات الليبية إلى عملها، من خلال عدم تكريس أي انقسام يعرقل ما بدأ به الليبيون.
اللافت أن الدول الأوروبية كانت قد شددت على مسألة انسحاب المقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من ليبيا، من خلال التنفيذ الكامل لاتفاق 23 أكتوبر ومخرجات برلين، فبعد أن كان هذا الأمر قليل التداول بالنسبة للدولة الغربية لكن عاد وتم التأكيد عليه، في خطوة تحقيق استقرار العمل المؤسساتي في ليبيا بما يضمن في المستقبل القريب انتخابات نزيهة وانتقال سلمي للسلطة الليبية ضمن إرادة واحدة من الشعب الليبي.
ترحيب دولي
إن الترحيب الدولي والإقليمي بتشكيل الحكومة الجديدة والتشديد على إجراء الانتخابات الليبية في موعدها ديسمبر/ كانون الأول المقبل، يوضح فكرة أن جميع المنخرطين في هذا الملف يضعون نصب أعينهم مرحلة إعادة إعمار ليبيا، إذ أن رفض تركيا على سبيل المثال الخروج من الأراضي الليبية هو عبارة عن حجز مقعد دائم لها في المرحلة المقبلة خاصة وأنها تستمد وجودها في الداخل الليبي من دعم مسؤولي غرب ليبيا لها، وبالتالي هي دائمة القول إنها تمتلك خبرات واسعة في مسألة إعادة الإعمار، كذلك الأمر بالنسبة لأوروبا “ألمانيا وإيطاليا وفرنسا”، إذ أن أغلب شركات التنقيب عن النفط الليبي هي شركات أوروبية، وبالتالي مسألة العقود المستقبلية لكثير من المشاريع ستذهب إلى الدول الأوروبية وهذا هو ثمن يريدون قبضه رغم أنهم دفعوا بطريقة أو أخرى إلى تهديم البلاد، أيضاً الترحيب الأمريكي يصب في هذه الخانة، فكل هذا الأمر سيصب في صالحها، فمع جائحة “كورونا” العالمية كل اقتصادات العالم تأثرت، وما من بديل أفضل من ليبيا التي أصبحت مهيأة لأن تساعد أغلب هذه الاقتصادات، أما روسيا ومع زيارة أحمد معيتيق نائب المجلس الرئاسي الليبي في حكومة الوفاق الأخيرة إلى موسكو، فلقد تمت المصادقة على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية التي من شأنها أن تثبت القدم الروسية في القارة الأفريقية.
قد يكون هذا هو ثمن الأزمة الليبية الذي سيتم دفعه على المدى المنظور، أما إقليمياً، سيكون جوار ليبيا حتماً مستفيد من هذه المسألة وبالأخص تونس والجزائر، أما مصر فلقد اقترحت سابقاً عدد من المشاريع خاصة المتعلقة بالكهرباء، ومؤخراً اتفقت وزارة العمل الليبية ووزارة القوى العاملة المصرية على تسهيل إجراءات دخول العمالة المصرية إلى ليبيا، إذ بينت السفارة الليبية في القاهرة عبر “فيسبوك” أن “الاجتماع بين الجانبين والذي عقد في القاهرة، خلص إلى ضرورة تنفيذ مذكرة التعاون الموقعة بين الوزارتين عام 2013 بشأن استخدام العمالة المصرية في ليبيا، إلى جانب ضرورة البدء في تنفيذ الربط الإلكتروني بين وزارة العمل الليبية ونظيرتها المصرية، من أجل توفير قاعدة متكاملة بالبيانات والمعلومات المتعلقة بمعرفة احتياجات السوق الليبي من العمالة المصرية، إذ تم الاتفاق على تشكيل لجنة دائمة مشتركة بين الوزارتين لهذا الغرض، والترتيب لقيام وفد فني مصري لزيارة ليبيا لاستكمال باقي الترتيبات الفنية طبقاً لوكالات أنباء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن دور مصر كان منذ بداية الأحداث حيوياً وفاعلاً بالنسبة لليبيا، إذ يعد الأمن القومي للأخيرة هو من الأمن القومي لمصر.
وبالتالي إن آمال الليبيين كبيرة جداً، اليوم إما أن تنهض هذه البلد من تحت الركام بفضل الجهود جميعاً، أو سيتم نسف كل ما تم بناؤه في الأشهر الأخيرة على الأقل، مع الإشارة إلى الانتباه والحذر من المنخرطين في الملف الليبي خاصة من الناحية الأمنية، فالجميع يعلم نشاط الشركات الأمنية الغربية في العراق، وما سبب له من مصائب، فإن لم يستفد المسؤولون الليبيون من تجارب الآخرين، وهنا نعتقد أن قوات شرق ليبيا تعي ذلك تماماً، فإن من شأن ذلك أيضاً أن يعيق التطورات الاخيرة التي هيأت الأرضية الليبية الجديدة.
أخيراً، منح مجلس النواب الليبي الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة بأغلبية الحاضرين في اجتماع سرت، خطوة حظيت بترحيب دولي واسع وسط آمال بأن تسهم في إنهاء حالة الانقسام السياسي والعسكري في ليبيا، مع تعهد من رئيس الحكومة الجديد بإجراء الانتخابات في موعدها وتحقيق إنجاز التحدي في ديسمبر/كانون الأول المقبل.. وكيف سيضع خطة شاملة مع فريقه لإنجاز هذه المهام في وقت قصير، إلا أن اللافت فيها أن هذا الأمر يحظى بتوافق دولي وإقليمي سيعمل على تعزيز هذه الجهود إلا إذا خرجت بعض العراقيل التي ستتبين في الأيام المقبلة.
فريق عمل “رياليست”.