لا تزال التجاذبات السياسية في ليبيا بين مدٍّ وجزر، على أمل الحصول على موافقة كل الأطراف لمنح الثقة للحكومة الانتقالية لتبدأ بممارسة صلاحياتها خلال مدة رئاستها، في وقت لا تزال الأوضاع الأخرى على حالها، دون إحراز أي تقدم خاصة فيما يتعلق بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
آمال وتطلعات
لا يزال الشعب الليبي يعقد العزم على الحكومة الجديدة على أن تنقل البلاد من حالة الفوضى إلى الاستقرار، في وقت يكافح فيه رئيس الحكومة الانتقالية عبد الحميد الدبيبة لتشكيل الحكومة، حيث قدّم مقترحاً لمجلس النواب حول حكومة وحدة وطنية في إطار خطة للسلام، وتضمن قبول كل الأطراف، بينما لم يأتِ على ذكر أسماء المرشحين حتى الآن، رغم بذل مفاوضات شاقة بدأت مع استلامه منصبه ولغاية الآن، رابطاً هذا الوضع بالبرلمان الذي يجب أن يسرع في عقد جلسته لمنح الثقة ويبدأ من بعد ذلك العمل الجاد، في حين أن غالبية النواب نظرياً قدموا دعمهم اللا مشروط والمطلق لحكومة الدبيبة حيث سيتم تحديد موعد لجلسة منح الثقة للحكومة في مدينة سرت.
هذه الخطوات المتسارعة على الرغم من أهميتها، لكن تنصيب الشخصيات الوزارية والمسؤولين في الحكومة الليبية، إن لم يكن هناك توافق تام بين جميع الأطراف، سيبقى تشكيلاً رمزياً، مقابل أن الجهات الفاعلة والحاسمة هي جهات إقليمية ودولية، فعلى سبيل المثال، على الرغم من الإشارات السلبية الكثيرة على التدخل التركي في ليبيا فإن رئيس الحكومة الجديد اعتبر أن الشراكة معها شراكة لها أهمية بالغة، ومتميزة، لا بل قال: “إن تركيا شريك اقتصادي ونحن ندعم هذه الشراكة”، ما ينقلنا إلى ذات الدعم غير المحدود من قبل حكومة الوفاق وبالتالي الذي تغير في هذه النقطة فقط الأسماء، فلا يعني إن تمت الاجتماعات في مدينة سرت الواقعة تحت سيطرة القيادة الشرقية، أن لا خلافات بين الجانبين، فهذا التصريح على سبيل المثال من شأنه أن يزعزع التقدم المأمول في هذا الخصوص.
أهداف الحكومة الجديدة
قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا إن استعادة السيادة الوطنية وتأمين البلاد وإخراج الميليشيات الأجنبية وتحقيق المصالحة الوطنية ستكون على رأس أولويات حكومته وتفعيل دور المؤسسات ومحاربة الفساد وتحسين ظروف الليبيين من ضمن قائمة الأهداف للحكومة الجديدة، فإذا كان هناك موعداً للانسحاب الأجنبي ورغم ذلك، لم يتم تنفيذ أي بند من هذا الأمر، فكيف ستتحقق هذه الأمور في ضوء جمود الأوضاع، فإن خفت صوت الرصاص لا يعني أن الأزمة الليبية انتهت، فلقد عادت أمور تم الكشف عنها حدثت في ملتقى تونس حول شراء أصوات ما بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار للصوت الواحد ليتم منحه للدبيبة، وبحسب المعلومات بأن أحدهم استلم مبلغ 500 ألف دولار مقابل صوته وبالتالي إن الفساد والمحسوبيات لا تزال موجودة، ولا يوجد بعد مسؤول يعتبر أن ليبيا أولاً ومن ثم التالي.
وإذا كان من أهداف الحكومة الليبية أيضاً توحيد الجيش الوطني الليبي، فلقد ذكر خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي في “الجيش الوطني الليبي”، (إنهم “لن يسلموا قيادة الجيش إلا لرئيس منتخب ديمقراطياً من قبل الشعب الليبي)، وهذا لا يتحقق إلا بفعل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تحقق تطلعات الشعب الليبي، لم يقتصر الأمر عند هذا الحد فلقد أشارت القيادة في الجيش الليبي إلى أنه طالما لا تزال هناك قوات أجنبية في ليبيا ومرتزقة تجلبهم تركيا يوميا وسلاح خارج سلطة الدولة فإن الحاجة لجيش وطني منظم تظل قائمة، ففي ضوء دعم الحكومة الجديدة للشراكة التركية وموقف القيادة الشرقية منها، هذا مؤشر لخلاف إن لم يتم التداول به حالياً فإن تفجره قاب قوسين أو أدنى.
هدوء حذر
إن ترقب المسار الليبي الجديد في ضوء المتغيرات ما بعد ملتقى تونس، إنجاز كبير خاصة وأن الأمم المتحدة نجحت في جمع الأطراف كلها على طاولة واحدة، لكن هناك من يعمل على تأجيج الأوضاع، بالأمس القريب كان هناك محاولة اغتيال فاشلة لوزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، حيث أنه أكد أنها عملية مدروسة ومخطط لها، دون توجيه أصابع الاتهام إلى أحد بعينه، لكن هذا لا ينفي فرضية أن يكون خلف ذلك قوى دولية تريد نسف الجهود الأخيرة والتعطيل بغية إعادة الأمور إلى مربعها الأول ما يعني أن المحاولات لن تتوقف عند باشاغا، فلقد تم كشف الحادثة على الملىء وبحسب المعلومات أنه تم القبض على أحد المشاركين بالاغتيال، لكن لم يتم الكشف عن الجهة المتورطة في ذلك، الأمر الذي يسير عدد من علامات الاستفهام، خاصة وأن باشاغا من مدينة مصراته التي جلها يتبع إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وفتح جبهة صراع “إسلامية” قد تقوض الجهود التي بذلت، رغم أن المؤشرات بخصوص القيادة الشرقية تبدو لا مبالية وكأنها لم تؤمن بعد بفرضية أن هناك من يريد فعلاً استقرار البلاد، خاصة وأن مجموعة 5+5 اللجنة العسكرية الليبية، وافقت على تأمين اجتماع مجلس النواب الذي سيعقد في مدينة سرت، فهي تمضي قدماً بحسب الاتفاق الدولي، لكن تعي تماماً وتدرك أهمية الاستحواذ على سرت والجفرة وغيرها من المناطق، وسط معلومات أمريكية تتحدث عن تخفيض الدعم العسكري الإماراتي لحليفها المشير خليفة حفتر، لكن هذا يبقى في دائرة ضيقة، لأن انسحاب الإمارات يعني التسليم لتركيا ومحورها، وهذا ما لا يمكن له أن يحدث على الاقل في الفترة الحالية.
أخيراً، هدوء حذر تعيشه ليبيا بانتظار تحقيق المعجزة المرجوة لنقل البلاد إلى ضفة الأمان، وهدوء دولي وإقليمي أيضاً حذر خوفاً من أن ينسف أحد الأطراف هذه الجهود، لكن الواضح أن ما من شيء سيتغير، وتفجر الأوضاع قائم في أية لحظة، لأن الجهود الأممية والدولية ضعيفة عندما يتعلق بخروج القوى الأجنبية، لكنها قوية فيما يتعلق بإحراز تقدم في العملية السياسية والتركيز على الانتخابات، وما التعتيم على الأسماء الوزارية إلا لغاية ما والتي من الممكن أن تكون حول أن بعض الأسماء لن تكون مقبولة لدى الشعب الليبي أو حكومة شرق ليبيا، لكن ستتوضح الصورة خلال الأيام القليلة القادمة، وإلى ذلك الحين، كل الأمل بعودة ليبيا دولة ذات سيادة ودولة مؤسسات تحكم نفسها بنفسها بعيداً عن التدخلات والإملاءات الخارجية.
فريق عمل “رياليست”.