جولات مكوكية لبحث الأزمة الليبية بين جميع الأطراف المعنية بدءاً من الحكومة الانتقالية وصولاً إلى الدول الأجنبية والإقليمية المنخرطة بالملف الليبي، كله متفق على مسألة توحيد البلاد بعد عقد كامل من اللا استقرار، لكن لا حماسة لدى الشعب الليبي لهذا الأمر، فماذا وراء هذا السكون؟ وهل هناك احتمالية تفجر الأوضاع مجدداً؟
العبور السياسي
من الناحية الشكلية، يبدو أن كل المعطيات تؤشر أن ليبيا مقدمة على خطوات سياسية من شأنها نقل البلاد نحو جادة الاستقرار، وسط مساعي تكللت بعضها بالنجاح من قبل الأطراف جميعاً وفي مقدمتها الأمم المتحدة، لكن إلى الآن لم يتم تنفيذ الشروط المتفق عليها، وهي خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، فهذين الأمرين، من أساسيات الحل السياسي في ليبيا، وبمقارنة حول دور الأمم المتحدة ومساعيها في إنجاح تشكيل حكومة انتقالية وتبنيها لمختلف الاجتماعات والمحادثات ذات الصلة، إلا أنها في هذا الشق تبدو عاجزة عن تطبيق قرار يلزم الأجنبي مغادرة الأراضي الليبية، ليحكم الشعب الليبي نفسه بنفسه، ويلزم ذات القوى بإخراج المرتزقة أيضاً، لكن يبدو أن لا أحد يريد تحقيق هذا الأمر، فعلى سبيل المثال رفضت تركيا الانسحاب من ليبيا، وكان قد قال رئيس الحكومة الليبية الجديد، عبدالحميد الدبيبة إن ما يجمعهم مع تركيا علاقات جيدة والتنسيق مستمر، كذلك صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بما يدعم قول رئيس الحكومة الانتقالية الجديد، من خلال تعزيز الشراكة في العهد الجديد، وبالتالي، هذا الأمر سيضعف عملية العبور السياسي من الوضع الحالي إلى وضع أكثر استقراراً وأمناً.
حتى عملية دمج السلطات يبدو أنها ستصطدم بعوائق كثيرة فلا يمكن أن تقبل القوات الشرقية بأي دور لتركيا على الأرض ولا على أي مستوى من العلاقات، فمن شروط تشكيل الحكومة خلال انتخابات 14 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أن تكون حكومة ليبية تمثل كل ليبيا شرقاً وغرباً، لكن هذا المؤشر لن يتحقق أو يبدو أن هناك من يضع عثرات معينة في هذه الجزئية، وبالتالي ما حدث أن تركيا تعمل على تعزيز وجودها وحضورها الليبي أكثر من السابق، في المنطقة الغربية، كذلك تفعل المنطقة الشرقية، وهذا ما يعني أن هذه المرحلة هي هدوء ما قبل العاصفة لأن أساسيات الحل في ليبيا لم يتم تفعيلها بالشكل الذي يرضي تطلعات الليبيين، فلقد انقضى شهر يناير/ كانون الثاني موعد مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة، الذي كان من المفترض أن يغادرون في منتصفه، لكن المعلومات المتواترة تتحدث عن استقدام دفعات جديدة من المرتزقة إلى الداخل الليبي، وهذا الأمر سيضع الحكومة الجديدة أمام حالة واحدة لا ثاني لها، وهي أنها مجبورة أن تتعامل مع كل الأطراف لكن هل ستحصد مصداقية الشعب الليبي إن فعلت ذلك، وأن تكون على مسافة واحدة من الجميع؟ هذا الأمر لا يحقق لليبيا شيء سوى أنها مرحلة التهدئة قبيل أي انفجار مرتقب للأوضاع، فالحكومة الجديدة ملزمة بتطبيق شروط اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وإلا كل هذه المساعي ستذهب أدراج الرياح.
العمل “جماعي”
يبدو أن حكومة ليبيا الانتقالية التي تم انتخاب أركانها في جنيف عاقدة العزم، على أن تفعّل كل الجهود الممكنة لتذليل أي صعاب وعقبات، وبالتالي هذا أمر شائع عند استلام كل حكومة جديدة سواء كانت انتقالية أم لا، لكن بعد انقضاء مدة من الوقت يتكشف الدور العملي لها من عدمه، إنما في الحالة الليبية، المسألة مرتبطة بأن مدة ولاية هذه الحكومة قليلة وهي عبارة عن بضعة شهور، فهي بسباق مع الزمن، لكن رغم ذلك التصريحات الأخيرة لمسؤوليها تبين أن روح شابة تنظر بعين الواقع الليبي، لا بعين المصالح الضيقة إرضاءً للقوى الخارجية، فلقد وضعت الحكومة الجديدة أهدافاً عدة لآلية العمل المتبعة للفترة المقبلة، منها، أن يكون العمل جماعياً من كل شرائح ليبيا، وألا يكون الاعتماد على المجلس الرئاسي أو الحكومة، أيضاً من بين الأهداف وحدة وتكاتف الجميع لاستعادة ثقة الشعب الليبي ليستطيع انتخاب الممثل الحقيقي يضع مصلحة ليبيا نصب عينيه سواء في انتخابات حكومية أو برلمانية، لكن الهدف الأكبر والأقوى والأخطر أن هناك حديث عن توحيد المؤسسة العسكرية، للوقوف عند هذا الهدف فهو أمر طويل الشرح، لكن ملخصه أنه مستحيل التطبيق لأسباب كثيرة منها:
أولاً، إن توحيد المؤسسة العسكرية الليبية تحت سقف واحد غير ممكن لأن الحكومة التي تريد تحقيق هذا الأمر عليها أن تلتزم بتطبيق بنود إخراج القوى الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.
ثانياً، حل جميع الميليشيات المرتبطة بالخارج، لأنه من غير الممكن دمج من كان سبباً في إراقة دماء الشعب الليبي، تحت مظلة اسمها “الجيش الوطني”.
ثالثاً، حكومة شرق ليبيا، لا يمكن لها أن تثق بالميليشيات المرتزقة التي عاثت فساداً طوال عشر سنوات من عمر الأزمة الليبية، وخاصة القوات الأمنية أو ما تسمى بـ “قوات الردع الليبية” التي جل عناصرها من الإرهابيين.
إذاً، الكلام سهل جداً، فلو كان تحقيقه ممكناً لما كانت هناك أزمات حول العالم، فإن أراد الجميع التوحد ووضع المصلحة الليبية أولاً عليهم تطبيق الشروط التي أقرتها المؤسسة العسكرية الليبية، أو اللعبة السياسية كلها عملية استنزاف وكسب للوقت لا أكثر ولا أقل، فالمشير خليفة حفتر عندما اجتمع بالمبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيش، شدد على: (ضرورة متابعة تنفيذ كامل بنود الاتفاق السياسي، حتى تصل البلاد إلى مرحلة استقرار دائم)، وهذا ذات ما أشرنا إليه أعلاه.
سيناريو خطير
إن الحديث عن رفض أي مرشح لا يستطيع العمل داخل كل الأراضي الليبية، في هذه المرحلة أمر مشكوك فيه، فبالأمس تعرض وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا لمحاولة اغتيال، بعد أسبوعين فقط من نجاح الجهود التي قادتها منظمة الأمم المتحدة في تشكيل حكومة انتقالية جديدة، وذلك لبذل جهود أكبر في توحيد الفصائل السياسية في ليبيا، فعلى الرغم من هزيمته في الانتخابات إلا أنه وبصفته وزيراً للداخلية كان قد وعد بالقضاء على كل الحركات الميليشاوية وأيضاً تقبل الهزيمة بروح رياضية ودعم الحكومة الجديدة، وبحسب المعلومات أن المهاجمين قدموا من مدينة الزاوية تقع على بُعد(45 كيلو متر غرب العاصمة طرابلس) وبالتالي، سيكون من المبكر الحديث عن تجول مسؤولين من المنطقة الغربية في الشرق، وبالعكس، وحتى الطريق السريع نظراً لأن الحادثة وقعت فيه، هذه الأمور كلها رهن الاتفاقات التي ستتوضح في القادم من الأيام.
التحقيقات مستمرة في هذه الحادثة، لكن لا يمكن تجاهلها لأنها تصعيد خطير من أي جهةٍ كانت، ما يؤكد أن الإسراع بخروج القوى الأجنبية والمرتزقة هو الحل الوحيد لتوحيد ليبيا والمضي قُدماً نحو الاستقرار، فاليوم نجا باشاغا، لكن في الغد لا أحد يستطيع الجزم على من يكون الدور، وهل من الممكن نجاته؟
أخيراً، إن الهدوء الليبي، يراه البعض على أنه طي صفحة من الفوضى الليبية، لكنه برأي عشرات المراقبين، أنه هدوء حذر وقلق، ليس معروفاً ما إذا كان سينتهي بنهاية حزينة بمعنى نسف كل هذه الجهود، فإن لم يتم الضغط الدولي باتجاه إخراج الأجنبي (التركي) من المعادلة الليبية مع المرتزقة، فكل هذه الحلول هي (مرحلة سُبات شتوي) ومرحلة انتظار انقشاع فيروس “كورونا” لأن من يريد إنقاذ ليبيا عليه تنفيذ كل ما يحقق مصلحتها، لا أن ينتخب حكومة والعرب عربين، الأمور بكل تأكيد مستقرة نوعاً ما، لكن هذا الاستقرار ليس الاستقرار الذي يرتجيه كل أطياف الشعب الليبي.
فريق عمل “رياليست”.