تحولات سياسية جديدة تشهدها ليبيا بعد انتخاب سلطة تنفيذية جديدة، يتوق الليبيون من خلالها إخراج بلادهم من حالة اللا استقرار والفوضى التي بدأت منذ العام 2011، فهل تنجح الحكومة الانتقالية بثمانية أشهر تحقيق ما عجز عنه أسلافها خلال عقد من الزمن، أم أن الأوضاع ستبقى ذاتها لكن مع تغيير في الاسماء فقط؟!
تحديات المرحلة
إرثٌ كبير تحمله الحكومة الليبية الجديدة “الانتقالية”، الوقت ليس في صالحها، نظراً لأن المدة حتى موعد الانتخابات المحددة من قبل الأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إذ لا تزال الحكومة الانتقالية تتلقى التهاني والتبريكات للتشكيل الجديد، على الرغم من تصريحات رئيس الحكومة الجديد عبد الحميد محمد دبيبة الذي طالب عبرها بالالتفاف من الجميع حول دعم هذه الحكومة للنهوض بليبيا الجديدة، لكن الحقائق المفروضة على الأرض تبين أن المواقف الدولية تحاول حجز مكانها الجديد على الرغم من تثبيت الكثير من مواقفها في السنوات السابقة، لكن بحسب البروتوكول المتبع، ينبغي أن يحدث ذلك، إلا أن هذا الأمر يعني أن الملف الداخلي لليبيا لا يزال جامداً.
رغم أن الآمال كانت ترغب في بوادر مباشرة تبين أن الوضع الداخلي هو الأهم في هذه المرحلة الحساسة مثل مسألة التوزيع العادل للحصص النفطية، وهيكلية مصرف ليبيا المركزي، بعد المشاحنات الكثيرة التي حدثت بين الشركة الوطنية للنفط والبنك المركزي في الفترة الماضية، لكن لعل النقطة الأبرز هي إخراج القوات الاجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، لأن بقائهم يعني أنه ما من تقدم سيحقق النجاح المطلوب لسير هذه الحكومة، لا بل ستكون هذه الأمور العقبة الأكبر التي تقف في وجه الانتخابات المقبلة المزمع عقدها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلى جانب تدعيم اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وتحسين الخدمات الاجتماعية وآلية الحكم ما بعد تنصيب أعضاء الحكومة الجدد وتوزيع الحقائب السيادية توزيعاً عادلاً.
الذريعة التركية
يعلم الجميع أن من أبرز بنود الاتفاق الليبي – الليبي هو التشديد على خروج جميع المقاتلين الأجانب من ليبيا، والجميع يعلم أيضاً أن جل المرتزقة الأجانب قدموا إلى الداخل الليبي عبر تركيا، وكان لهم الدور البارز في مد الفوضى ونشرها من خلال الممارسات التي حدثت خلال سنوات الأزمة الليبية، فسبق وأن صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن خيَار سحب قواته مرتبط بسحب القوات الأجنبية الأخرى دون أن يحدد من تكون، والمتوقع أن يكون قصده القوات الروسية غير الرسمية رغم نفي موسكو هذه المزاعم مراراً وتكراراً، وبالتالي إن الموقف التركي يبدو أنه لن يتغير على الرغم من التحولات السياسية الجديدة في ليبيا، فلقد ذكرت معلومات عن توقف رحلات نقل مرتزقة سوريين وتركمان من ليبيا، ووصول دفعات جديدة منهم إلى الداخل الليبي، وهذا يعني استمرار التدخل التركي في الشؤون الداخلية الليبية من الناحية العسكرية، رغم الدعوات الدولية الجديدة – القديمة، التي وحدت موقفها بالمطالبة بخروجهم جميعاً.
القوة التركية الحالية اسُتمدت من موقف الحكومة الليبية الجديدة الداعمة للوجود التركي في ليبيا، ليس هذا فقط، فلقد قال رئيس الحكومة الليبية الجديد دبيبة إن حكومته ملتزمة بالتعاون مع تركيا التي وصفها بالحليفة والشقيقة، وردت الحكومة التركية بالمثل، مؤكدة حرصها على تطوير العلاقات مع القيادة الليبية الجديدة، ومواصلة التعاون، ودعمَ العملية السياسية هناك، وهذا يعني أن هناك تماهياً بين الأتراك والمسؤولين الليبيين الجدد، وهذا سيعيد المشهد الليبي إلى بداياته لجهة تغيير الموازين لصالح حكومة الغرب، على حساب حكومة بنغازي، وهذا ليس سرّاً، فالأطماع التركية واضحة في هذا الخصوص، ولا يمكن لها أن تسلم ليبيا تحت أي ظرف من الظروف.
يقابل ذلك، أن كل من مصر واليونان وقبرص حثوا الحكومة الليبية المؤقتة أو ما تُعرف باسم السلطة التنفيذية المؤقتة على إلغاء مذكرتي التفاهم المبرمتين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بين حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج وتركيا، لكن مع تصريحات كل من دبيبة والمسؤولين الأتراك، يبدو أن هذا الطلب غير ممكن وغير قابل للتحقيق في الوقت الحالي، لأن تركيا وبحسب الحكومة المؤقتة وجودها أساسي في ليبيا الفوضى، وفي ليبيا الاستقرار المصطنع الجديد، ما يعني أن كل هذا التحول اتخذ شكلاً نمطياً وواجهة وتغطية لاستمرار الأوضاع السابقة، رغم أن حكومة القيادة الشرقية رحبت بالتطورات الأخيرة وبالحكومة الانتقالية الجديدة.
هذا ما أكدته تصريحات ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي الذي قال: (إن المجلس الرئاسي الجديد في ليبيا يدعم دور أنقرة في ليبيا، ولا يعارض التدخل العسكري التركي في البلاد، كما أن الاتفاقيات التي عقدت بين أنقرة وحكومة الوفاق لن تتأثر بوجود المجلس الرئاسي الجديد، بل على العكس أنها تدعم الدور التركي هناك، محذراً من محاولة دول إقليمية من تقويض الدور التركي في غرب ليبيا)، هذا يعني بحسب مراقبين أنه محاولة “لدق إسفين” بين المجلس الرئاسي الجديد والجيش الوطني الليبي، وبالتالي، تركيا باقية وتتمدد ولم يتغير شيء وأن وجودها العسكري سيظل قائماً، وما عودة تفجر الأوضاع مجدداً إلا مسألة وقت.
أخيراً، إن كان من أمل لإنقاذ ليبيا فيجب تطبيق استمرار اتفاق وقف إطلاق النار واحترام الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على تصدير الأسلحة إلى ليبيا والانسحاب الكامل لكافة القوات والمرتزقة الأجانب من البلاد، بالإضافة إلى التطبيق الكامل لمخرجات اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وعدم التدخل في الشؤون الليبية الداخلية خاصة من قبل تركيا، التي تعزز تواجدها في الأراضي الليبية من خلال التفكك الداخلي، ونسف الجهود السياسية فيها، فليبيا قوية يعني خروج كل المخربين من المشهد الليبي، وهذا لا يمكن أن تسمح به تركيا “أردوغان”، خاصة وأنها بدأت تحشد المرتزقة على خط سرت – الجفرة، فهي لن تتوقف حتى تسيطر على أغنى المدن الليبية بالثروات، وهي تتحضر لعملية عسكرية كبرى في القادم من الأيام للسيطرة عليهما، ما يعني أن المشاكل الداخلية الليبية ليست إلا نقطة في بحر الأطماع الخارجية حول ليبيا.
فريق عمل “رياليست”.