تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إبراز نفسها مجدداً كخصم قوي ضد روسيا، عبر تسريب معلومات تتعلق بـ “سرقة” منظومة الدفاع الجوي الصاروخية المدفعية – بانتسير – سي1 من ليبيا، واعتباره حدثاً جللاً، في مقابل ذلك، تواصل موسكو اجتماعاتها حول ليبيا، على مختلف الأصعدة ومن بينهم نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق ومسؤولين آخرين، وفيما يخص مسألة التسوية الليبية، فالأمور أصبحت شبه جاهزة حيث سيكون ملتقى الحوار السياسي الليبي في سويسرا الذي يبدأ في 1 فبراير/ شباط، وينتهي في الخامس منه، حاسماً لجهة الأسماء التي ستُرشح للمناصب السيادية، وفقاً لخارطة الطريق الموضوعة حول ليبيا.
إلى أين وصلت التسوية السياسية؟
على الرغم من العنوان العريض حول التسوية السياسية، إلا أن المسألة الاقتصادية هي الأخرى أخذت حيّزاً كبيراً سواء من المسؤولين الليبيين أم من الدول المنخرطة في الملف الليبي ولا تقل أهمية عن الهدف السياسي، ففي زيارة معيتيق إلى موسكو، تناول مع المسؤولين الروس مسائل حيوية تتعلق بإعادة اتفاقيات الطاقة والكهرباء والصحة والبنى التحتية الأساسية لليبيا، بالإضافة إلى بحث الأمور السياسية وتطوير العلاقات الثناية مع روسيا، الأمر الذي ينذر ولأول مرة أن هناك قراراً دولياً بالإجماع على إيجاد حل توافقي ينهي الاقتتال، لبدء صفحة جديدة تكون الأمم المتحدة الراعي الأول بها.
هذا الأمر لا يخلو من بعض المحاولات الرامية إلى تقويض الجهود الدولية بعد كل ما تم بذله، إذ خرجت معلومات تتحدث عن محاولة تفجير في مقر بعثة الأمم المتحدة أو خلال تنقلها، ومن ثم اتهام الجيش الوطني الليبي، إذ نبه الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة الليبية أحمد المسماري إلى ضرورة التنبه لهذا الأمر وإلقاء القبض على الضالعين فيه، وبالتالي، من هذا التصريح يتبين قبول القيادة الشرقية بالأوضاع المستجدة التي ستنهي عقد كامل من الصراع الدامي مع القيادة الغربية.
لكن هذه التسوية السياسية ستبقى منقوصة حتى يتم إخراج كل المرتزقة الأجانب والقوى الأجنبية المنخرطة في ليبيا، فعلى الرغم من اتهام واشنطن لدول محددة في مجلس الأمن وهم روسيا وتركيا الإمارات بإنهاء ما وصفه بـ “التدخلات العسكرية” في ليبيا، يبدو أن الدور التركي بدأ بالإنحسار في بداية تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم، أو على أقل تقدير سيخفف من صلاحياتها وتدخلاتها في هذا البلد، ليكون التحكم فيه من بابٍ أممي لا تركي، وهذا مصدر قلق لأنقرة التي اختفى صوتها مؤخراً، لكن في قرارة نفسها، هي لا تغرب بأية حلول لا الآن ولا مستقبلاً.
أما فيما يتعلق بروسيا والإمارات فقد جددتا قولهما بأنهما يسعون للحل السياسي ومعه، وغير صحيح أنهما يتدخلان عسكرياً، لكن تبقى التصريحات غير مؤثرة على الأمر إطلاقاً في ضوء دور كل منهما لإنهاء الصراع الدائر في ليبيا.
الأمر الآخر، أن وضع اللمسات الأخيرة فيما يبدو أنها ستتم في سويسرا لتسمية المرشحين للمناصب الثلاثة، ومن ثم يبدأ دور تفعيل المؤسسات ودوران العجلة الاقتصادية ربطاً مع إعادة ضخ النفط في حقول جديدة، وتفعيل اتفاقيات، مؤشرات كلها تقول إنها المرة الأولى التي سيتغير فيها واقع ليبيا.
ما سر “بانتسير –سي 1” الروسية؟
لا يزال حدث سرقة منظومة الدفاع الجوي الصاروخية المدفعية – بانتسير سي -1، الحدث الأبرز هذا الأسبوع، بينما لم تعرها روسيا أي اهتمام، هذه المنظومة في الأساس هي النسخة الروسية المعدة للبيع والتي تختلف في جوهرها عن تلك الموجودة في الداخل الروسي، وبيعت إلى عدة دول عربية وغربية، وبعضهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، من بين هذه الدول (الجزائر والعراق وإيران وعمان وسوريا وإثيوبيا وصربيا وغينيا الاستوائية والبرازيل) وبطبيعة الحال من السهل على الاستخبارات الأمريكية أن تقوم بدراسة هذه المنظومة.
لكن السؤال يتمحور حول كيفية وصول هذه المنظومة إلى ليبيا، وذكرت تقارير عدة بما فيها المقال الرئيسي على صحيفة التايمز، حيث ذكرت وكالة الدفاع الأمريكية – البنتاغون أنها على علم بالمقال المنشور، حيث تقول المعلومات أن النسخة الموجودة في ليبيا هي كانت أساساً لدولة الإمارات التي باعتها أو قدمتها لحليفها المشير خليفة حفتر، حيث سرقت العام الماضي وتم نقلها إلى قاعدة عسكرية في ألمانيا، وبالتالي اعتبر مراقبون أن واشنطن بعثت برسالة إلى موسكو عبر لندن، حول حصولها على هذه المنظومة، لكن وفق التقديرات الروسية لمتخصصين عسكريين، ان هذا الأمر في العلم العسكري لا يفيد واشنطن ولا يضر موسكو لأن العملية برمتها تتعلق بمسألة الخوارزميات، وأن السر في خوارزمية التحكم، أي في عمل الرادار، وآلية معالجة واستقبال المعلومات، واختيار الهدف. فلو حصلت واشنطن على ذلك فستكون هناك مشكلة كبيرة في ذلك. لكن من غير الممكن استخراج هذه المعلومات من عربة “ميتة”.
أخيراً، الآن لدى ليبيا فرصة حقيقية نحو سلام شامل، قد لا يكون الطريق سالكاً بسهولة، لكن الأساسيات على الاقل ستوقف دوي المدافع، فساحة المفاوضات اليوم بعد اجتماعات مكوكية أتت بثمارها، لكن ربما تحتاج البلاد إلى وقت طويل للوقوف مجدداً، لكن المؤشرات تبين أن صفحة سيئة ستطوى، وستفتح أخرى أكثر أماناً واستقراراً.
فريق عمل “رياليست”.