لا يزال الوضع في ليبيا على حاله، لجهة تكرار الأحداث واستمرار نفس اللاعبين بتأجيج الصراع في الداخل الليبي، على حساب كل الجهود الدولية والإقليمية الرامية لإنهاء أية معارك محتملة والتفرغ لإجراء الإنتخابات وتحقيق الاستقرار الذي لا يبدو أن البلاد ستنعم به.
دعوة أممية
دعا الأمين العام لأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش في رسالة وجهها للدول الأعضاء في مجلس الأمن لتشكيل لجنة مراقبين دوليين لدعم الهدنة الهشة في ليبيا، وسط آمال بخروج وشيك للمقاتلين الأجانب وقلب البلاد صفحة حرب استمرت عشر سنوات، طبقاً لوكالات أنباء.
اللجنة المقترحة هي مجموعة مراقبة، تضم مدنيين وعسكريين متقاعدين من هيئات دولية على غرار الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وهذا الأمر من الناحية النظرية أمر جيد قد يحقق نتائج مرجوة، لكن مثل هذا الإقتراح يحتاج إلى توافق جميع الأطراف خاصة القيادتين الشرقية والغربية، لكن في ضوء ما يعتري حكومة الوفاق من مشكلات كبيرة بين مسؤوليها، خاصة وأن الهدنة هشة وهناك جهات تعمل على نقضها لعودة الأوضاع إلى المربع الأول، لن يتوحد رأي مسؤوليها لتأخذ قرار في هذا السياق، في وقت تواصل تركيا إيصال الأسلحة إلى الداخل الليبي عبر قاعدة الوطية الجوية الواقعة تحت سيطرتها.
كما أن تنفيذ مقترح غويتريش، يعني تنفيذ بند خروج القوات الأجنبية من المرتزقة، وهذا ما لا يمكن أن تسمح به تركيا، وهي المسيطرة عملياً على منطقة الغرب الليبي، خاصة وأن ممثّلة الخاصة للأمين العام للأمم المتّحدة في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، قدّرت عدد المقاتلين الأجانب المتواجدين على الأراضي الليبية بأكثر من 20 ألف أجنبي على الأقل، فمع إنسحابهم سيتم ووضع قوات مسلحة ليبية بدلاً عنهم، خاصة أولئك المنتسبين إلى كلية الشرطة التابعة لوزارة الداخلية الليبية في حكومة الوفاق.
وبالتالي، الدعوة ستبقى إقتراح أممي، سينظر فيه، لكن إن تمت معالجته في الأيام القليلة المتبقية لرئاسة دونالد ترامب، سيعمل على تعطيله، أما إن تأجل إلى وقت تسلم جو بايدن مقاليد الحكم هو الأمر قد يوافق عليه، بالنظر إلى علاقته السلبية مع تركيا.
خرق تركي للقرارات الأممية
إن القرار الأممي الرامي بحظر إدخال أسلحة إلى ليبيا، لطالما خرقته تركيا، وواصلت مد حكومة الوفاق بكل أنواع وصنوف الأسلحة، عبر طائرات شحن، بعدما تعرضت سفن الشحن لديها ف اكثر من مرة لإعتراضات سفن مراقبة تابعة للأمم المتحدة موجودة في البحر المتوسط، على مقربة من السواحل الليبية. وبالتالي لجأت أنقرة إلى الجو لسهولة نقل الأسلحة وتفريغها في قواعدها المنتشرة في الغرب الليبي.
لكن لماذا هذه الإستماتة التركية في مسألة إحياء المعارك، وعلى ماذا الرهان؟
بشكلٍ غير رسمي، روسيا تطبق على الغرب الليبي كما أشرنا أعلاه، مستغلة الإتفاقية الأمنية مع حكومة الوفاق والتي هي بطبيعة الحال تشكل إختراقاً غير مسبوقاً لمؤسسات الدولة، حيث بمقتضاها ستحصل شركات تركية على عقود لتأمين المطارات والمنظومات الإلكترونية بها والأمن السيبراني، وبالتالي، لإستكمال هذه الأمور، تركيا بحاجة إلى بناء قواعد عسكرية بحرية على المتوسط، وكون صفحة الخلاف مع اليونان لم تطوَ بعد، أنقرة تريد أن تكون تلك القاعدة على السواحل الليبية القريبة من جزيرة كريت اليونانية، وبالطبع ستواجه صعوبة كبيرة في هذا الشأن في ضوء رفض قاطع للدول الأوروبية وبخاصة اليونان وفرنسا وألمانيا الذيم لن يسمحوا بتواجد ميليشيات ومرتزقة على مقربة من سواحلهم، وهم متخوفون بدون هذا الأمر من تسلل الإرهابيين مع المهاجرين إلى الداخل الأوروبي، وكيف وإن أصبحوا موجودين بشكل مباشر على مقربة منهم.
فمع خلط الأوراق وتعطيل الجهود الرامية لإنهاء الأزمة الليبية، لن يكون هناك متضرراً أكثر من تركيا نفسها، وأكبر دليل على ذلك، تترجم بزيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مؤخراً إلى ليبيا، لطمأنة حكومة الوفاق بعد تهديدات المشير خليفة حفتر المباشرة ضد تركيا التي شدد فيها على مسألة خروجها ومرتزقتها سلماً أو حرباً، وبالتالي، سارعت أنقرة إلى إرسال وزيرها للتهدئة ولبحث كل إمكانية ممكنة لصد أي هجوم عسكري مرتقب قد تنفذه القوات الشرقية.
تطور الصراع المالي في حكومة الوفاق
بعد الأزمة الأخيرة بين رئيس الشركة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصادق الكبير، وتقاذف الإتهامات حول المال الليبي المنهوب، برزت مؤخراً حرباً مالية جديدة لكنها هذه المرة بين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصادق الكبير وزير المالية فرج بومطاري، حيث طالب الأخير المجلس الرئاسي بالتدخل لإيجاد آلية للتعامل مع الكبير، في خضم الخلافات المتزايدة بين الكبير وحكومة الوفاق الليبية.
أسباب الأزمة وإنعكاساتها
إن الأزمة الحالية بحسب وزير المالية، تتعلق برفض المحافظ تمويل حكومة الوفاق وتعطيل تغذية حسابات الخزانة العامة، نتيجة تأخر إقرار الترتيبات المالية الجديدة، الأمر الذي أغاظ وزير المالية، في وقت الجميع محتقن من الصادق الكبير وتقريباً منذ بداية الخلاف الماضي، إذ ن هناك محاولات في إقالته وإستبداله، فضلاً عن أن وزير الداخلية فتحي باشاغا كان قد أصدر قراراً بمنعه من السفر.
واعتبر بومطاري، أن المحافظ في هذا السياق قد ارتكب مجموعة مخالفات أدت إلى تجميد الإنفاق الحكومي لمدة 3 أشهر، وأهمها بند الرواتب، وربطاً مع المظاهرة التي خرجت من كلية الشرطة التي جلها من المرتزقة السوريين، بسبب تأخر تركيا بدفع رواتبهم قد يكون مرتبطاً بطريقة أو أخرى بهذا الخلاف، خاصة وأنه برز مباشرةً مع بروز هذه المشكلة إلى العلن، ومع تأخر دفع رواتبهم والتي تقدر بـ 10 آلاف دولار لكل مقاتل.
أخيراً، إن الأوضاع السياسية والميدانية في ليبيا تحتاج لوقتٍ طويل لإيجاد مخارج حقيقية لها، وكل الإتفاقيات ومحاولات التهدئة هي آنية ووقتية ولم تدخل كلها مجتمعة إلى جوهر الصراع الحقيقي، إذ أن الأوضاع تتفاقم والتحذيرات كثيرة، لكن ما من مستجيب لدرء أي أخطار محتملة، فالهدنة قاب قوسين أو أدنى من نسفها، وليس معروفاً إن كانت الإنتخابات المعلن عنها ستتم في موعدها، ما يعني أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة مجدداً، وسط توقعات بعودة المعارك في الأيام المقبلة، إلا إن أجبر المجتمع الدولي اللاعبين الإقليميين والدوليين على تنفيذ كل البنود لا بل الإسراع فيها وفي مقدمتها إخراج القوات الأجنبية والإستعجال بالإنتخابات الليبية وتوحيد البلاد تحت قيادة واحدة، حينها من الممكن القول إن الأوضاع في ليبيا قد خطت الخطوة الأولى في الطريق نحو الإستقرار الذي طال إنتظاره.
فريق عمل “رياليست”.