برز هذا الأسبوع في ليبيا إسمين لافتين على صعيد الأزمة الليبية وخلافات داخل حكومة الوفاق نفسها، في ضوء إختلاس أو نهب ملايين الدولارات من خزينة الدولة إلى جيوب المتنفعين من الوضع المتأزم في ليبيا.
أين عائدات النفط الليبي؟
يقول الخبر الذي تصدر وكالات الأنباء، في إحصاء لناقلات النفط في ليبيا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من العام الجاري، تبين أن العائد المالي منها، من المفترض أن يبلغ 382 مليون دولار، لكن بحسب تقرير شركة النفط الوطنية الليبية بلغ العائد 230.2 مليون دولار، فأين إختفى أكثر من 100 مليون دولار؟
على ضوء هذه الأرقام طلب مصرف ليبيا المركزي تقارير وكشفْ بيانات للتقصي حول هذا الفارق الكبير، من قبل الشركة الوطنية للنفط، والتي إدعت أنها بصدد إبرام عقد مع شركة دولية لمساعدتها في عمل تقارير في هذا الخصوص ومراجعة وتدقيق أنظمتها المالية والإدارية، دون أية توضيحات تتحدث عن حقيقة أين إختفت الأموال تلك، فالخلاف الحاصل كما سربته وسائل الإعلام أن هناك ضغط على محافظ مصرف ليبيا المركزي الصادق الكبير، ليقدم إستقالته بسبب خلافات سابقة بينه وبين فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الذي تحالف مع رئيس الشركة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله للغاية تلك، خاصة وأن السراج اليوم يعاني نقصاً في السيولة ما بعد الإتفاق النفطي ويحتاج إلى بدائل، وبالتالي، يبدو أن الصادق الكبير حريص إلى حدٍّ ما على أموال الشعب الليبي، ومطالبته بتدقيق التقارير ستكشف حتماً عملية السرقة والتي سيكون المسؤول المباشر عنها رئيس الشركة الوطنية صنع الله، فضلاً عن أن نظام البنوك الليبي أصبح مرتبط مع أنقرة، والتي يبدو لم تستطع الولوج أو عمل سحوبات معينة ما أجبرها الضغط على السراج لإقالة الكبير وتعيين شخصية تناسب الأطماع الشخصية لرئيس حكومة الوفاق والمصالح الكبرى لتركيا.
اللافت في هذا الأمر، أن الشركة الوطنية مؤخراً أقالت عدداً من الموظفين بحجة إعادة هيكلية الشركة، قبيل بروز هذا الملف على سطح الأحداث في ليبيا، إضافة إلى تجديد الولايات المتحدة الأمريكية تقديم الدعم الكامل لهذه الشركة بحسب بيان السفارة الأمريكية في طرابلس، ما يعني أن هناك تماهياً دولياً ودعماً لا محدود لصنع الله في سحب الأموال وإستثمارها في قضايا لا تمت لليبيا بأية صلة.
إذ أن رئيس الشركة الوطنية للنفط، صنع الله، مهمته الوحيدة هي تضخيم وزيادة دخله وإخفاء مخطط التوزيع الحقيقي لهذه المداخيل، لكن لم يكن ليتوقع أن يتفجر هذا الأمر وينتشر كالنار في الهشيم، ويصبح أمام واقع لن يستطيع تبريره نظراً للأرقام الكبيرة المختفية.
هل يقوّض الخلاف بين الشركة الوطنية للنفط والمصرف المركزي، الإتفاق الليبي؟
لم يقتصر الأمر على العائد المالي من بيع النفط الليبي وإختفائه، لكن عندما وقع رئيس الشركة في الخطر، أعلن عن أن هناك فساد مستشري داخل حكومة الوفاق دون أن يسمي أحداً بعينه، بل إكتفى بالقول عنهم بـ”القطط السمينة”، مشيراً إلى أن هناك 186 مليون دولار دخلت مصرف ليبيا المركزي لكنها إختفت، في إشارة ملغومة للصادق الكبير محافظ المصرف، لكن هذا الإعلان لم يلقَ أي ردة فعل من جانب حكومة الوفاق، مما أجبر صنع الله على زيادة لهجته وموجهاً إنتقاداته لمحافظ المصرف بشكل مباشر، بالقول بأنه “يتعامل مع شركة النفط الوطنية مثل البقرة المربحة”، وأنه قد اختلس مبالغ كبيرة من الأموال لزيادة نفوذه في البلاد. وطالب صنع الله، البنك المركزي بالكشف عن حسابات عائدات النفط الواردة في السنوات الأخيرة، ثم أعلن أن الشركة الوطنية الليبية ستحتفظ بإيراداتها النفطية في حسابات لدى مصرف ليبيا الخارجي ولن تحولها إلى حساب البنك المركزي.
كل هذا الخلاف له هدف واحد، عدم كشف الملفات الحساسة التي قد تطيح برؤوس كبيرة، وضغط كبير على الصادق الكبير، لأن السراج وصنع الله ومن معهم إنتقوا محمد عبد السلام الشكري ليكون البديل عن الكبير، ولكن إلى الآن لم يتحقق مرادهم بعد، فهم يعمدون إلى خروج الإستقالة بشكل مباشر منه، كي لا يتم فضحهم بناءً على الملفات السوداء المشتركة بينهم. وبالتالي هذه الأحداث ستؤثر حتماً على الإتفاق النفطي، وربما هي خطة لنسفه في القادم من الأيام.
يضاف على اللاعبين في هذا الملف، عدا الأسماء المذكورة أعلاه، ورود إسم وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا والمتهم هو الآخر بقضايا فساد وإختلاس أموال من عائدات الشركة النفطية لأكثر من مرة، لتمويل الميليشيات (عناصر الأمن من جماعة الردع برئاسة الإرهابي عبد الرؤوف كاره المسؤول عن توزيع الأموال على عناصر الميليشيات)، التي تشكل عصب الداخلية الليبية التي يترأسها، ما يضحد كل الروايات التي تدّعي بتقاذف الإتهامات بين المسؤولين في حكومة الوفاق، ما يضع المتابع أن قوام هذه الحكومة مبني على فساد مستشرٍ يحتاج الوقت الكثير لمعالجته.
لماذا دخلت الولايات المتحدة على خط أزمة الشركة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي؟
إن الملفات المشتركة أكبر من نشرها وتعميمها في الوقت الحالي، وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية حتى وإن أدينت بتورطها في الملف الليبي وبسرقة أموال وعائدات نفطية وما شابه ذلك، فهي لا تهتم ولا يعنيها هذا الأمر، وبالتالي هي مستفيدة من الأزمة بشكلها الحالي، وهذا ما يفسر فشل ملتقى تونس الذي بدأ بطريقة خاطئة وبأجندة واضحة وموجهة عملت على إما الإذعان والقبول بالشروط المعلبة من الخارج، أو الفشل وإستمرار الأزمة المقرر لها أن تستمر، رغم جهود مسؤوليها الذين يحاولون في كل مرة إيجاد مخارج وبناء خطوات حتى ولو كانت بسيطة تضعهم على سكة الحل.
فإن لم يتم حل هذه المشكلة بأقرب وقت، هناك إنقلاب مؤكد على هذه الحكومة وسحب الشرعية منها، وبالتالي لن يستطيع المجتمع الدولي التدخل عندما يتفاقم الوضع ويتطور، فلقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل لحل هذه الأزمة من خلال قرار السفير الأمريكي في ليبيا ريتشارد نورلاند بالتدخل، حيث اتصل بكل من السياسيين على حدى وحثّهم على إنهاء الفضيحة. ولأجل هذه الغاية تم إرسال مجموعة عمل خاصة معنية بالقضايا الاقتصادية إلى ليبيا.
أخيراً، إن الوضع المتأزم داخل حكومة الوفاق، يؤكد ضلوع واشنطن والأمم المتحدة فيه، حيث تلعبان دوراً مهما في إدارة هذا الخلاف وتصعيده وتهدئته بحسب مصالحهما، لأنهما الرعاة الرئيسيون للاضطرابات في ليبيا. وفي الوقت الحالي، ليس من المربح للولايات المتحدة أن تنهار الحكومة الليبية الحالية، بسبب قضايا فساد كما أشرنا أعلاه، لأنها تريد تقاسم المسروقات سراً لا في العلن. بينما الأزمة عادت إلى المربع الأول، لا حلول ولا إستقرار، وكل الجهود المبذولة التي قام بها الأفرقاء المعنيين بالإتفاق النفطي، مهددة بالنسف والعودة إلى توقف حقول النفط ليضع الغرب يده عليها ويستفيد منها بدل الشعب الليبي.
فريق عمل “رياليست”.