للأسبوع الثالث على التوالي لا يزال ملتقى تونس للحوار السياسي الليبي يأخذ الحيّز الأكبر من إهتمام وسائل الإعلام العالمية، جراء التسريبات الكثيرة التي كشفت خباياه لعل أبرزها دور الأمم المتحدة الرامي لفرض الإسلام السياسي أمراً واقعاً في عملية حكم البلاد.
ما جديد الأوضاع الليبية؟
إن الجولة الثانية من ملتقى تونس حول ليبيا، تهدف وبحسب الأخبار المتواترة إلى الإتفاق على الإنتخابات وتحديد الأسماء المرشحة للمناصب المقترحة للحكم في ليبيا، وبصرف النظر عن هذه الأسماء، لكن ما برز منها وبشكل كثيف مؤخراً، هو إسم وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، وهو الإسم المدعوم غربياً، والمرفوض على مستوى الداخل الليبي، لكن السؤال لماذا باشاغا تحديداً؟
إن إعتراف الغرب بحكومة الوفاق ومنحها الشرعية رغم علامات الإستفهام الكثيرة التي تحيط بها ورغم كل الدمار الذي جرته لليبيا، يبدو أنه بتواطؤ غربي، لأن الغرب متحكم بهذه الحكومة حتى النخاع، وبالتالي الإبقاء عليها أمر هام بالنسبة للغرب الطامع في الخيرات الليبية، فالمجتمع الدولي لا يهمه إن كانت هذه الحكومة إسلامية أم لا بل ما يهمه هو مقدرته على إملاء قراراته عليها وتنفيذها لأوامره، ولعل ما خرج عن الوفاق ومسؤوليها خير دليل.
بالعودة إلى باشاغا، وبحسب المعلومات، فهو مسؤول عن عمليات إجرامية كثيرة كمسألة الإتجار بالبشر والمعتقلات الليبية التي تضم أسرى أجانب من بينهم مواطنين روس، فضلاً عن أنه المسؤول الرئيس في خروج المظاهرات الأسبوعية للشعب الليبي المطالبة بالإفراج عن ذويها، وقمع وتفريق تلك الإحتجاجات بالقوة وبأوامر مباشرة منه، ما يعني أن هذه الشخصية مرفوضة على مستوى الداخل الليبي، ولا يريدون لها أن تتبوأ أي منصب لأن ذلك سيزيد من الإضطرابات والمشاكل وستخرق الهدنة والتي هي هشة بطبيعة الحال، ما سيخلق واقعاً قد يكون دموياً، في حال نجح الغرب بتمرير الأسماء المرفوضة على الصعيد الداخلي الليبي.
ليس هذا فقط، لقد ذكرت معلومات عن وجود مندوبين من قطر في ملتقى تونس، وبشكل علني تريد الدوحة التدخل في هذه المسألة، الأمر الذي يدفعنا للقول بأن “الطبخة منتهية”، فما تسريبه سابقاً وربطاً مع الجديد، يؤكد الذي قيل حول الأسماء المعدة والمتفق عليها خارج أسوار الدولة الليبية، والتدخل القطري جزء من مشروع الإسلام (الإخواني السياسي)، وهم داعمون له وهذا أمر لم يعد سراً.
شخصية باشاغا هي (شخصية تركية – قطرية) بإمتياز، والدوحة وأنقرة تعملان على تمرير أجندتهما التي هي بالطبع بإملاءات أمريكية، أو عودة البلاد إلى المربع الأول (لا خاسر ولا رابح)، ما يعني الجولة الثانية ستكون كما الأولى وربما أسوأ بعد إنكشاف الأدوار الغربية وأجنداتها والشعب الليبي ليس من ضمن تلك الحسابات.
هل تنجح التدخلات الغربية في مسألة الأسماء المرشحة؟
يبدو أن الأزمة الليبية قسمت المعسكر الدولي إلى شرقي وغربي أيضاً، أي قسم داعم لحكومة الوفاق ومن فيها، والقسم الآخر يدعم شرق ليبيا، وفي الحالتين هذا يعني ضياع وهدر للحقوق الليبية على حساب تمرير المصالح الغربية.
فلقد طار فتحي باشاغا المسؤول في حكومة الوفاق، إلى فرنسا طالباً منها الوقوف إلى جانبه ودعمه في الحصول على المنصب المأمول له، بينما طار عقيلة صالح المسؤول في حكومة المنطقة الشرقية إلى موسكو، وكلامهما ظاهرياً صرحوا بأنها زيارة عادية، لكن الحقيقة أن كل منهما يريد دعم الدولة الغربية له، في مسألة الإنتخابات المقبلة، وإذا ما ذكرنا أن الإسلام السياسي هو في أساسه صنيعة غربية وليس مشروعاً عربياً، فسيقف المعسكر الداعم لهذا الإسلام، ضد المعسكر الآخر، وبالتالي هذه الزيارات بدل أن تساهم في تهدئة الأجواء ستكون عاملاً تصعيدياً، ليبيا في غنى عنه على الأقل في الوقت الحالي، فمن الناحية الإقتصادية يبدو أن الإتفاق النفطي قاب قوسين أو أدنى من الفشل، بسبب الشركة الوطنية الليبية للنفط التي تمنعت عن إرسال العائد المالي إلى البنك المركزي الليبي، وبالتالي اوقعت البلاد تحت عجز يقدر بما هو أكثر من 3 ملايين دولار أمريكي، ليكتمل المشهد مع صعود تيارات إسلامية إلى سدة الحكم، وبالتالي إنتفاء إمكانية نهوض ليبيا مجدداً، بحسب ما إختبره الشعب الليبي طوال عقدٍ كامل من عمر الأزمة.
هل تركيا دور فيما يدور بالكواليس الليبية؟
من المؤكد أن تركيا لا تريد سارة نفوذها في ليبيا مهما كانت التكاليف مرتفعة، فلقد أقدمت مؤخراً على الزج بآلاف المرتزقة من سوريا وتونس وبعدد يقدّر بحسب وسائل إعلام بـ 20 ألف مرتزق، ليس للقتال في المرحلة الأولى، بل لدعم حكومة الوفاق، ما يعني أن هناك قد يكون إستفتاء شعبي حول هذه الحكومة وبالتالي كون معظم الشعب الليبي سئم من الفساد والرشاى وإنعدام الأمن، تحتاج هذه الحكومة إلى دعم وهمي، وليس أفضل من أنقرة لهذا الدور، ما يعني تعزيز نفوذها أكثر وأكثر، وهي عملياً تسعى لذلك، وحادثة إعتراض سفينتها من قبل ألمانيا، ورفضها للتفتيش يوحي بأنها تنقل السلاح بما يخالف إتفاق حظر الأسلحة إلى ليبيا، لكن ماذا حدث، فبدل أن يكون الإعتراض أممي، خرج من الدفاع التركية بقولهم إن هذا الفعل مخالف للقانون الدولي، وبالتالي كل ما تفعله في ليبيا وسوريا والصومال وشرق المتوسط وأين ما وجدت هو مطابق للقانون الدولي، الأمر الذي يؤكد أنهم كلهم شركاء، لكن في المقابل، هناك أصوات أوروبية سئمت هذا التدخل التركي، فقد يلجمونها في بلادٍ أخرى لكن في ليبيا، فهو أمر مستبعد على الأقل في المرحلة الحالية.
من هنا، إن فشل المفاوضات في تونس وغيرها حول ليبيا هو أمر واضح، فإما إلى مزيد من الدمار أو الإذعان لشروط الغرب وفي الحالتين عنوان المرحلة القادمة هو المزيد من الدمار على كافة الأصعدة في البلاد، وبالتالي، إن إنكشاف الأدوار العربية والإقليمية أصبح واضح المعالم لجهة التحكم في القرار الليبي، ويبقى الصمت من جانب المنطقة الشرقية هو تسليم بفشل كل هذه المفاوضات والمساعي، التي تؤكدها المعطيات على الأرض.
فريق عمل “رياليست”.