لا يزال ملتقى تونس للحوار الوطني الليبي، يحتل صدارة الأخبار، على الرغم من إنتهاءه والإعلان عن جولة مقبلة لإستكمال المحادثات الأسبوع المقبل.
كيف كشف الملتقى مخطط الغرب برعاية أممية؟
يبدو أن الإسلام السياسي بدأ يغلب على الملفات الحيوية في القارة السمراء، من خلال فرض التيارات الإسلامية بالقوة، في حكم البلاد مثل ليبيا، ونقل البلاد كما الحالة الأفغانية على سبيل المثال، للعيش في ديمقراطية زائفة شعارها الدم والقتل والتكفير، تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي، وبما يخالف القوانين والإتفاقيات الدولية بكل وضوح.
ملتقى تونس وكما وضحنا في مشهد الأسبوع الماضي، لا جديد فيه إلا أن شخصيات من حكومة غرب ليبيا بعضها سابق، كمفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني والمعروف بدعمه للتنظيمات الجهادية، الذي رأى أن الملتقى فشل ولم يقدم شيئاً لليبيا، معترضاً على الأسماء التي تم ترشيحها، ما يؤكد أن هناك خلافات حادة تنهش بجسد حكومة الوفاق.
كما أن بروز شخصية (فتحي باشاغا) وزير الداخلية في حكومة الوفاق، على أن يكون رئيساً للحكومة، من خلال دعم غربي وأممي واضح، لإشراك تنظيم الإخوان المسلمين كأمر واقع على الشعب الليبي، الذي يخرج بمظاهرات أسبوعية أمام مبنى الحكومة في طرابلس مطالباً باشاغا بالإفراج عن ذويهم، دون أي رد، فكيف لمثل هكذا شخص أن يحمل مسؤولية البلاد، دون أن يحقق لها شيء وهو على رأس عمله كوزير سوى إستمرار الفساد والإرهاب والمزيد من التدخلات الخارجية.
إذاً، الملتقى فشل وبكل المقاييس، لكن النجاح الذي حققه هو تعرية الغرب والأمم المتحدة، التي تدّعي صون الشعوب والبلاد، بينما هي بيدق بيد الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية لتمرير أجنداتهم، خاصة وأن الصراع اليوم بين محورين، الأوراسي والأطلسي، والخلاف الكبير ما بينهما على الإستحواذ والسيطرة على البحر المتوسط، وليبيا خاصرة رخوة يستطيعون النفاذ من خلالها لتنفيذ مآربهم في منطقة شرق المتوسط مستقبلاً.
كما أن هذا الملتقى رغم وضعه للأمور الأساسية للمرحلة المقبلة للحل السياسي، مثل تحديد الإنتحابات وأسماء المرشحين وغير ذلك، إلا أن هناك من أطلق تنظيم الإخوان المسلمين لتعطيل مشروع الإنتخابات حتى قبل أن يبدأ، ما يعني أن الجميع متفق على عدم حل الأزمة الليبية، والجنوح تحت بقائها شرقية وغربية، وسط إستمرار جرائم عناصر تتبع لحكومة الوفاق.
هل يؤثر فشل ملتقى تونس على الإتفاق النفطي؟
من المؤكد أن الإتفاق النفطي والذي كان عرّابه أحمد معيتيق، الشخصية الوحيدة المتوازنة في تلك الحكومة، قد نقل البلاد نحو أمل بإنفراج إقتصادي طال إنتظاره، وكان أهم بند فيه، التوزيع العادل للعائدات النفطية، لكن فشل الملتقى سيؤثر على هذا الإتفاق، وسط معلومات تتحدث عن عدم دفع الشركة الوطنية للنفط، رواتب العاملين في هذا القطاع، الأمر الذي دفع بهم للمطالبة بمستحقاتهم أو الإضراب عن العمل.
هذا الأمر يعني أن هناك من يسعى إلى نسف هذا الإتفاق، نظراً لخروجه من المنفعة الشخصية، والمتوقع أن يكون هذا الأمر بضغط تركي، كي تستثمر هي لوحدها بعدما تم تأهيل الحقول النفطية، فإن فشل الإتفاق النفطي، ستعود الأمور إلى المربع الأول، ومن الممكن أن تكون الأوضاع أسوأ من السابق.
لماذا لم تعلق الحكومة الشرقية على الملتقى؟
إن عدم مشاركة الجنرال خليفة حفتر في هذا الملتقى يشي بعدم إقتناعه وحكومته بنجاعة هذا المؤتمر، لجهة الأسباب التي أشرنا إليها أعلاه، إضافة إلى إقتناعه بفشل الملتقى، خاصة وأن الشروط في غالبيتها ستكون مدروسة لتقويض حكومة بنغازي لا إشراكها في مناصفة الحكم، وبالتالي، الزج بالإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية الأخرى، هو حقيقة ما توقعه الجنرال حفتر، إضافة إلى إطلاقهم لحملة تصاريح منسوبة للناطق بإسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، الذي نفى بدوره تصريحه بأي شيء مما تم نسبه إليه لزعزعة الثقة بينهم وبين الشعب الليبي، لتكون الأمور واضحة بالنسبة للحكومة الشرقية، وبالتالي عليهم تحصين مواقعهم وعدم الإلتفات إلى محادثات لا تريد الخير لا لليبيا ولا لشعبها، فتنصيب إسلاميين في إدارة البلاد، يعني المحرك لهم (تركيا وقطر)، لإستمرار السيطرة على المقدرات الليبية وعلى القرار السياسي فيها.
في مقابل ذلك، وكما لحكومة الوفاق الليبية داعمين لها، هناك من يدعم حكومة حفتر والجيش الوطني الليبي، ولن يسمحوا بأن يكون أمنهم الإقليمي معرضاً للمخاطر، فلا إستغراب أنه بمكانٍ ما قد يكون لأحداث الحرب الأهلية بين إقليم تيغراي والحكومة الأثيوبية صلة ما، لإشغال مصر على سبيل المثال بها والدول الأفريقية الأخرى، للإستفراد بليبيا، ليكون التوقيت ليس بريئاً.
أخيراً، إن الأزمة الليبية كانت على مفترق طرق، وكان هناك بصيص أمل في أن يتعقل الخصوم لنقل بلادهم إلى الإستقرار، لكن ملتقى تونس، دمر هذا الأمل، والمخطط يقول يجب إغراق ليبيا أكثر وأكثر، فإما القبول بشروط الغرب وبالتعيينات المقترحة من جانبهم، أو إستمرار الإقتتال، وهذا السيناريو الأقرب إلى المنطق حالياً، فالعين على الهلال النفطي، والأطماع في إزدياد، وحتى الآن لا رابح ولا خاسر سوى الشعب الليبي الذي أنهكته المعارك لأكثر من عقد.
فريق عمل “رياليست”.