تطغى التطورات السياسية على الملف الليبي، لجهة تحديد الخطوات الأولى لإنجاح العملية السياسية بعد سلسلة محادثات وإجتماعات تستقبل آخرها العاصمة التونسية.
هل بدأ الغرب يتلمس خطورة الوضع الليبي؟
إتهم مدير مجلة “كالترالدينيزيا” الإيطالية، أليساندرو سانسوني، وزير الداخلية الليبي، فتحي باشاغا بتورطه مع الجهاديين، وبالإجتار بالبشر، جاء ذلك خلال عقد مؤتمر للشباب الإيطالي تم تنظيمه في إيطاليا بتقنية الفيديو، تحت عنوان: حول ليبيا وشرق المتوسط – الهجرة والصراعات، حيث نبه المشاركون إلى أن منطقة البحر المتوسط أكبر عامل لنقل الإرهاب والجهاديين خاصة المندسين على هيئة مهاجرين، ما يعني أن من يريد القدوم إلى أوروبا هناك تسهيلات كثيرة أمامه، من قبل شبكات تقوم بعمليات النقل، وبالتالي إزدياد العمليات الإرهابية في أوروبا، فاليوم أصبح الوضع يمس الأمن القومي الأوروبي.
وإتهم المشاركون باشاغا بأنه على صلات مع قوات الردع بقيادة “عبد الرؤوف كبارة” المسؤول عن سجن معيتيقة والذي يضم معتقلين أجانب وهو المعني ومن معه بتعذيبهم وتعنيفهم جسدياً ونفسياً، في إشارة واضحة على أن المقصودين هم المعتقلين الروس، عالم الإجتماع مكسيم شوغالي ومترجمه سامر سويفان، إضافة إلى صحفي أمريكي وآخرين، فهذه القوات لها صلات مباشرة مع شخصية نافذة في حكومة الوفاق، وبحسب سانسوني أن باشاغا مصدر قلق حقيقي لإيطاليا، خاصة وأنه يحاول فرض تنظيم الإخوان المسلمين بالقوة والترهيب.
لماذا التعطيل؟
لا تريد قطر وتركيا لليبيا أن تنعم بالإستقرار لأسباب ودوافع أصبحت معروفة، فبالقدر الذي يحاولان به تعطيل العملية السياسية من جهة، ومن جهة محاولة إخراج روسيا من هذا الملف، أيضاً لذلك صلة بطريقة أو بأخرى بعهد الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بالبلدين المذكورين، وملحة الأخير بإخراج روسيا من الملف الليبي، وهنا لا يمكن لموسكو أن تقف على الحياد، خاصة وأن لديها ورقة مهمة تريدها وهي إستعادة مخطوفيها والمحتجزين لدى حكومة الوفاق.
وبالتالي، يتماهى معه موقفي الدوحة وأنقرة وبالطبع بضغط أمريكي، لا بقرار منفرد منهما، فأن تتعطل العملية السياسة يعني العودة إلى مربع المشاكل والمعارك الدامية بين الطرفين المتخاصمين، وكلما زاد الصراع، زادت مكاسبهما على الصعيدين السياسي والإقتصادي وإلى حدٍّ ما العسكر خاصة تركيا التي تبيع إلى حكومة الوفاق الأسلحة والعتاد العسكري بمئات آلاف الدولارات، فإن فقدوا هذا الأمر، لم يعد من إمكانية إشعال فتيل آخر في بلاد أخرى، فعشر سنوات من عمر هذا الصراع كفيلة بتضعضع أقوى الدول، رغم أن أنقرة هي من تقبض في كافة الأحول.
لا ننسى أيضاً أن هذه المدة من عمر الحرب الليبية، أكسبت الجيش الوطني الليبي مهارات كبيرة، وتحالفات متينة وحصدت من خلالها حضور قوي على الساحتين السياسية والعسكرية وتركت قوات شرق ليبيا بقيادة الجنرال حليفة حفتر بصمتها فيما يتعلق بالإتفاق النفطي الليبي، هذه الأمور لا تروق للضالعين في تأجيج الصراعات حتى وإن إضطروا إلى البدء بمعركة سرت بحسب ما صرح به اللواء أحمد المسماري، الناطق بإسم قوات الجيش الوطني الليبي، الأسبوع الماضي.
ما المكاسب التي ستحصدها حكومة شرق ليبيا من نجاح العملية السياسية؟
من المعلوم أن المحادثات بين المشاركين في إجتماع تونس بدأت يوم الأمس في ملتقى الحوار السياسي الليبي، ورغم تحديد العناوين الأساسية التي تم الإتفاق عليها بين الطرفين (شرق وغرب)، خاصة الإتفاق على الإطار المؤسسات، خاصة وأن المشاركين تم إختيارهم من كافة الشرائح الليبية، ما يعني التوزيع العادل للمناصب السيادية وفق هذا الأمر، وكان ممثل المجلس الأعلى للدولة، عبدالناصر، قد أشار في وقت سابق إلى أن الهدف من المفاوضات في تونس هو “الاتفاق على رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس الوزراء ومن يشغلون مناصب سيادية”، فمن هم؟
في معلومات أدلى بها عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي في حكومة بنغازي، على أنه هو من سيكون الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي، مفجراً مفاجأة أخرى بأن فتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، سيكون رئيساً للحكومة، ومن المتوقع أن يطرح الملتقى هذين الإسمين ويعمل على إقناع المشاركين بهما. وبما يتعلق بباشاغا فهذا الأمر من الناحية الشخصية مناسب جداً له، لكن لجهة تقبل الشعب الليبي، فهناك إمتعاض كبير من ممارسات عناصر الأمن الليبية التابعة لوزارته، فضلاً عن الإمتعاض الغربي لشخصه بعد إتهامه بعدد من قضايا الإرهاب والإتجار بالبشر.
لكن قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، الخاسر الوحيد على الساحة السياسية، وهناك عدة أسباب جوهرية لذلك، حيث أنه من المرجح أن تصبح مدينة سرت العاصمة الإدارية المؤقتة، والجميع يعلم نوايا تركيا تجاه هذه المدينة وأهميتها بالنسبة لها على البحر المتوسط، ولأن تكون سرت العاصمة، هذا يعني على الجيش الوطني الإنسحاب منها، وهو الرافض حتى الآن لتحقيق هذا الأمر، لكن في حال تم التوافق على كل النقاط الأساسية من الممكن جداً أن يجبر مجلس الأمن الدولي الجنرال حفتر بسحب قواته أو إتهامه بتعطيل العملية السياسية.
لكن السبب الأخطر في هذا الأمر، ما إن تنسحب قوات حفتر من محور سرت – الجفرة، ستعمل أنقرة على إغراق تلك المنطقة بالمرتزقة، وبالتالي إمكانية تسللهم إلى شرق البلاد سيكون سهلاً وتبدأ الفوضى التي لطالما تمنتها تركيا، هذا إن لم تقم بهجوم منفرد كما أشرنا أعلاه، وتسيطر على أجزاء من الهلال النفطي، مما سيضع حداً لإمكانية التوزيع العادل لعائدات النفط، بعد أن رفع المشير القيود المفروضة على إنتاج النفط. فهذه بعض النقاط التي توضح خطورة الموقف والتي يجب التصرف بموجب الإكستاب الجديد لا الخسائر بعد صمود عشر سنوات.
أخيراً، إن الأزمة الليبية في مرحلة حساسة، فليس المهم أن تتوافق الأطراف جميعاً على مسألة الحل السياسي، المهم هو الثبات في هذه العملية وعدم الإنقلاب عليها، وهذا لن يتحقق إن لم تخرج القوى الأجنبية من الأراضي الليبية وفي مقدمتها تركيا، إضافة إلى حساسية الطلبات التي قد تطلب من حكومة بنغازي، وعليها أن تفاوض من منطلق القوة والتمسك بما هو لها، كأن تتشارك العاصمة طرابلس وتبسط سيطرتها بموازاة حكومة الوفاق تحت عنوان ليبيا واحدة، لا إثنين كما يريد الطامعون منها.
فريق عمل “رياليست”.