وقف إطلاق نار دائم، واتفاق على مهلة ثلاثة شهور لانسحاب المرتزقة والمقاتلين من الأراضي الليبية، أبرز ما جاء في اتفاق جنيف الذي ضم وفدا اللجنة الليبية العسكرية المشتركة برعاية الأمم المتحدة، على أن يدخل حيث التنفيذ فوراً.
هل سيصمد اتفاق جنيف أمام الأطماع الخارجية؟
اتفاق “شامل ودائم” يدخل حيز التنفيذ بشكل فوري لحين تأسيس حكومة وفاق جديدة، يحمل في طياته استقرار وهدوء للشعب الليبي، وإنقاذ من أوضاع ما كانت لتهدأ لولا الإحاطة الدولية لطرفي الصراع، ما مهد الاتفاق، الأرضية التي تم بناؤها من خلال الاتفاق النفطي، وانطلاقة عجلة الاقتصاد الليبي، ما يعتبر أن اتفاق جنيف مكملاً للاتفاق الأخير بين نائب المجلس الرئاسي أحمد معيتيق والجنرال خليفة حفتر، رغم معارضة كثيرين له وفي مقدمتهم خالد المشري، رغم ذلك نجح الاتفاق وتجاوز إنتاج ليبيا النفطي أكثر من 500 ألف برميل يومياً، ما يعني أن الاستقرار الاقتصادي سينعكس إيجاباً على الوضع السياسي، أو يخسر الجميع.
ما يميز هذا الاتفاق الذي يأتي في إطار اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″، التي تمثل المسار الأمني المنبثق عن مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية، ويضاف إليه مساران آخران سياسي واقتصادي، أن الموقعين طالبوا برفعه لمجلس الأمن لتتم المصادقة عليه، في بند معاقبة كل طرف يحاول عرقلته، كما يشمل الاتفاق تسمية المجاميع المسلحة وتحديدها ليصار إلى ضمها لمؤسسة عسكرية واحدة، وكله مع مراعاة واحترام السيادة الليبية.
إلى الآن كل هذا الأمر نظرياً أكثر من ممتاز، لكن التطبيق على الأرض هو ما سيبرهن أن الاتفاق فعلاً يقضي بنقل ليبيا إلى مرحلة الأمان والسلام بعد معاناة عشر سنوات من الاقتتال.
ما موقف تركيا من الاتفاق؟
أجاز الاتفاق استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وبنغازي وفتح الطرق البرية إضافة إلى تبادل الأسرى، وكما أشرنا أعلاه هذا الأمر جيد جداً لكنه يحتاج إلى وقت لمتابعة التفاصيل التي تبرهن فعلاً عن تنفيذ بنوده 100%.
أما موقف تركيا من هذا الاتفاق، فلقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقول: “آمل أن يلتزم الطرفان بالاتفاق؛ “لكن ثباته لا يبدو لي قابلا للتحقيق بدرجة كبيرة”، حسب تعبيره. وأضاف في تصريحات للصحفيين أن “الزمن سيظهر مدى ثباته”، مشيراً إلى أن الاتفاق “لم يتم بين مسؤولين رفيعي المستوى”، وأنه يشك على هذا الأساس في بقائه ساري المفعول.
إلا أن النقطة الأهم التي ألقى بها أردوغان، في إشارة لدفاعه عن المرتزقة الذين جلبتهم بلاده إلى الداخل الليبي، وهي عندما قال: “لا نعلم إن كان المرتزقة من أمثال فاغنر سينسحبون من ليبيا خلال 3 أشهر أم لا!”، وهذا يبدو أن القلق التركي بلغ أشده من هذا الاتفاق، ومسألة نجاحه هي صفعة مباشرة للتدخل التركي في ليبيا، خاصة وأنه وبينما الاتفاق الذي بلغت مدته خمسة أيام قبيل التوصل للبيان وإعلان نقاطه النهائية، خرجت معلومات تتحدث عن إرسال تركيا لشحنة أسلحة وعتاد عسكرية من بينها سفناً حربية وأجهزة متطورة، فضلاً عن إرسال خبراء أتراك لتدريب عناصر حكومة الوفاق عليها، ما يعني رفضها غير الضمني لهذا الاتفاق، الذي لقي ترحيباً من قبل السفارة الروسية في ليبيا.
ما إمكانية تعطيل الاتفاق من قبل القوى الخارجية؟
يبدو من تصريح الرئيس أردوغان أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي وستعمل على محاولة إفشال الاتفاق على قدمٍ وساق، هذا ما بينه التصريح الذي أدلى به والذي زج بروسيا بطريقة غير مباشرة في سياق كلامه، لكن ما لا تعلمه تركيا، بعد أن ناصبت العداء لجميع دول الجوار، وأبعد من دول الجوار، سيقفون لها بالمرصاد خصوصاً فرنسا، الذي اتهم أردوغان رئيسها مؤخراً بأنه مريض نفسي، ورغم أن دول كثيرة رحبت بالاتفاق مراعية الجانب الإنساني الذي عانى منه الشعب الليبي، والذي يبدو أنه وضع تألفه أنقرة، ولا تحبذه، فلقد قال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الليبية، أحمد المسماري، إن حكومة الوفاق الوطني تستعد لاستفزاز في مدينة سرت بالتعاون مع تركيا، وبحسب ما وصفه المسماري بأنها ستكون عملية واسعة حيث تم قطع طرق جنوب منطقة أبو قرين وقاعدة الوشكة الجوية.
يضاف إلى ذلك، نقلها الأسلحة إلى غرب ليبيا ومعارضتها الواضحة للجميع الحل السياسي للأزمة وخفض التصعيد في ليبيا، هذا الأمر يثبت أمراً واحداً لا ثاني له، أن أنقرة ستحاول الإفشال لأن النجاح يعني خروجها ومرتزقتها، وبالتالي هدم كل ما تم بناؤه من جانبها، فمسألة التعطيل قائمة، ويبقى الرهان على المسؤولين الليبيين والشعب الليبي في مواجهة أي خطر يحاول إفشال استقرارهم السياسي، أسوةً ببدء قطاف الاستقرار الاقتصادي.
من هنا، فتش عن اشتعال أي ازمة، تجد تركيا منخرطة فيها، تدخل فيها وتعمل على تأجيجها، وعند محاولة الإطفاء، تعيد كرّة الإشعال مجدداً، هذا الأمر كان في سنواتٍ مضت، وبعد ان كشفت الشعوب وحتى المرتزقة الذي تعتمد عليهم في معظم تدخلاتها خارج حدود دولتها، كشفوا مآربها التي وإن بدت أنها تعود بالنفع لها، لكن الحقيقة أنها امتداد لمخطط أكبر، من سيطرة على بعض المصادر والثروات، فالقارة الأفريقية مركز اهتمام كل الدول العظمى، إلا أن ليبيا وللمرة الأولى ومنذ عشر سنوات تنتهج خطوتها الأولى الصحيحة، فلا يعقل أن يكون مسؤولي حكومة الوفاق كلهم موالين لتركيا على حساب بلدهم، فلقد خرج منهم عقلاء أخيراً، وهذا إن دل على شيء، يدل على مرحلة جديدة من الأزمة الليبية، قد تكون تركيا خارجها بعد ثلاثة أشهر من الآن، فبدون مرتزقتها ما هي القدرات التي تملكها؟ وهل تقوى على إرسال جيشها إلى خارج حدود دولتها لحماية أمنها الإقليمي في قارة أخرى؟ بالطبع لا لأن ذلك سيكون نهاية الحزب الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان.
فريق عمل “رياليست”.