اختار المجتمع الدولي حل جميع أزمات المنطقة باستثناء سوريا، مركز الصراع العالمي، لكثرة القوى واللاعبين فيها، ما يعني أنه لا يزال هناك فصولاً كثيرة تنتظر هذا البلد رغم مطالبات دول عدة بإيجاد مخرج وحل، ودول أخرى غيرت من موقفها في سبيل إنهاء الأزمة لكن لا يوجد قرار غربي حتى الآن يقترب ولو قليلاً من الحل المنشود.
على الصعيد العسكري
الجنوب السوري: رغم أن سوريا اليوم تشهد الموجة الرابعة من جائحة “كورونا”، إلا أن الأوضاع العسكرية لا تزال مستعرة في مناطق وهادئة في أخرى، الجديد فيها، محاولات إشعال جبهة الجنوب السوري مجدداً، من خلال تكرار الهجمات المسلحة على مواقع للجيش السوري في منطقة الكرك بريف درعا، فضلاً عن تكرار حوادث الاغتيالات والتي كان آخرها محاولة اغتيال رئيس فرع مكافحة المخدرات، على خلفية ضبط شحنة كبيرة كانت في طريقها إلى الأردن قبل بعض الوقت، فضلاً عن مصادرة الكثيرة من العتاد الحربي بعضه تركي الصنع، ليخرج سؤال مهم جداً، من يريد إشعال هذه الجبهة مجدداً؟
من المعروف أن معظم الإرهابيين في الجنوب السوري منتمين إلى جبهة النصرة، وتمت المصالحة برعاية روسية على إثرها تم ضبط المنطقة لعدة سنوات، لكن مؤخراً ازدادت الهجمات، ما دفع الجيش السوري إلى استقدام تعزيزات لتلك المنطقة وسبق وأن هدد بعملية عسكرية واسعة إن لم يتم تسليم الإرهابيين لأنفسهم وأسلحتهم، حتى تدخلت روسيا مجدداً، وهدأ الوضع، إلا أن لإسرائيل مصلحة كبيرة في إشعال هذه الجبهة خاصة وأنها منطقة حيوية، ومعززة بالتواجد السوري والحلفاء معاً فيها، لأنها منطقة حدودية وقريبة من الجولان السوري المحتل والأردن، لكن القيادة السورية تعي تماماً هذا الأمر، لذلك نجد تكثيفاً للغارات الإسرائيلية المركزة على جنوب سوريا والعاصمة دمشق أكثر من أي منطقة أخرى.
الشمال السوري: كما أشرنا سابقاً، تم فتح ثلاثة معابر إنسانية في ريفي حلب وادلب، ما لبث أن أغلقها الجانب الروسي، بعد منع التنظيمات الإرهابية المسلحة المدنيين من الخروج، ليتطور الأمر ويتم قصف تلك المعابر، وحفاظاً على سلامة الجميع، علقت روسيا العمل فيها حتى إشعارٍ آخر، على الرغم من الوعد التركي بتأمين تلك المعابر. هذا من ناحية.
من ناحيةٍ أخرى، خرجت مقابلة جديدة لزعيم تنظيم القاعدة “الفرع السوري”، أبو محمد الجولاني مع صحفي أمريكي، كان قد أكد في مقابلته تلك، أن جبهة النصرة لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية، حيث رأى خبراء أن هذا التصريح يأتي من باب رفع الجبهة عن لائحة الإرهاب الدولي، ليتم إدماجها لاحقاً بما يسمى المعارضة المعتدلة، وهذا بالدرجة الأولى مطلباً تركيّاً، في حين تواصل هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى هجماتها بشكل متقطع على مواقع متعددة، في خطوة تبدو أن القوات التركية سعيدة بها، كونها تجعل من المنطقة ورقة ضغط تناور بها شريكيها الرئيسيين في الملف السوري، أي روسيا وإيران، خاصة بعد أن اعتمدت روسيا مؤخراً، قصف موقع حراقات النفط السوري البدائية التي يتم بيعها في تركيا، ما جعل الأخيرة تستشيط غضباً من هذا الأمر والذي تكرر ثلاث مرات حتى الآن.
الشرق السوري: هذه المنطقة هي عقدة العقد، لجهة محاولة تحويلها إلى قندهار جديدة برعاية أمريكية، التي أعدت جيشاً قوامه 10 آلاف جندي واقتحمت مخيم الهول مؤخراً، بعد أن تم مقتل عملائها داخل المخيم، بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية – قسد، لكن لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، حيث بدأت بنقل قياديين من تنظيم داعش إلى قاعدتها الجوية في منطقة الشدادي بريف الحسكة ومن ثم بعضهم بحسب المعلومات تم نقله إلى العراق، والبعض الآخر، إلى قاعدة التنف وسط البلاد، مع إكمالها باستخراج النفط وبيعه، إلى جانب مادة القمح، هذه التصرفات تتم بشكل يومي تقريباً، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تنوي الانسحاب من سوريا حالياً، لتتجلى الصورة بشكل أوضح، في اختيارها للشرق السوري وتمركزها فيه بشكل كبير، لأنه مثلث يربطها مع العراق وتركيا، وبالتالي هذا الموقع يعيق الصين في تنفيذ مشروعها “حزام واحد طريق واحد”، أو ما يعرف بطريق الحرير، وبالتالي إفشال بكين من تحقيق مشروعها الحيوي، الذي يشكل عقدة واشنطن، وهذا من جهة.
من جهةٍ ثانية، تواجد القوات الأمريكية في الشرق ووسط البلاد، يضمن للولايات المتحدة الأمريكية قطع الطريق البري طهران – بغداد – دمشق، وكذلك الطريق البري، بغداد – دمشق – بيروت، فهي لا تريد القمح أو النفط السوري، ولا تعنيها قسد إن انفصلت أم لا، ولا يعنيها داعش من عدمه، بل يعنيها إبقاء هذه البلاد تحت عينها، من خلال إضعافها اقتصادياً وقطع طرقها البرية، وبالتالي، كل العقوبات الأمريكية على هذه الدول، باستثناء العراق ولبنان، يحدث إنهاكاً للدول تلك، وهذا هو الدور الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية.
على الصعيد السياسي
عُقد مؤتمراً للمانحين حول سوريا، وكل دولة من المشاركين تبرعت بمبالغ لمساعدة النازحين والمنكوبين، واقترح وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، بإعادة فتح المعابر الحدودية مثل اليعربية وباب الهوى، الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة، وتُعتبر الآن، معابر غير شرعية، ما يعني أن هذه المساعدات ستقدم للإرهابيين تحت مسمى إنساني، ما يفقد هذا المؤتمر أي أهمية له، خاصة وأن الشأن الإنساني، يجب ألا يميز بين السوريين، داخل مناطق الدولة السورية أو في مناطق المسلحين، وهنا تكمن ازدواجية المعايير.
في سياقٍ متصل، هناك حراك عربي تجاه دمشق، وبالأخص المملكة العربية السعودية، فلقد صرح وزير الخارجية السعودة فيصل بن فرحان مؤخراً، بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وهو موقف مناقض تماماً لتصريحات الرياض خلال عشر سنوات من عمر الأزمة السورية واحتضانها للمعارضة وتحديداً للائتلاف السوري المعارض في الرياض، أسباب هذا التحول كثيرة، منها، السعودية مثلاً تريد إكمال مشاريع رؤية “2030” التي وضعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولم يبق الوقت الكثير لتنفيذ تلك المشاريع، هذا الأمر يحتاج إلى استقرار المنطقة، خاصة أن سوريا تشكل بطريقة أو بأخرى عاملاً مهماً للمملكة على صعيد الطرق البرية، كذلك الأمر، الجولتين الروسية والصينية الأخيرتين إلى الخليج، والمملكة جزء من الاستثمارات الصينية الواعدة كما أشرنا أعلاه، وسوريا هي الممر الذي يتوسط هذا المشروع من جهة الشرق الأوسط، ليكون اليوم هناك حاجة مهمة لعودة سوريا إلى استقرارها.
هذا الأمر وهذه الرغبة، أيضاً تصطدم بالموقف الأمريكي الرافض لحل الأزمة السورية، للأسباب الواردة أعلاه، ما يعني أن الوقت لا يزال طويلاً أمام أي حل على الأقل، على المدى المنظور.
أخيراً، لا حلول تلوح في الأفق، الأوضاع سيئة للغاية، لا تماسكاً حقيقياً إلا لمؤسسة الدفاع فقط، مقارنةً بباقي الوزارات التي لم توازن بين الحرب ومتطلبات الحياة، بسبب العقوبات الاقتصادية القاهرة، في حين يواصل الحلفاء محاولة تقليل الخسائر، لكن لا يبدو أن هذا الحل أيضاً ناجحاً، في ظل تعرض البلاد لشللٍ تام، تخلله فرض حظر جزئي وتعليق الدوام لمؤسسات كثيرة بعد إنتشار فيروس “كورونا” مجدداً، هذه الأمور لم يستثمرها سوى الأتراك والأمريكيين، لأنهم الجزء الكلي من المشكلة وبذات الوقت لهم دور كبير في الحل، لكن لا إرادة لهم سوى الطموح السياسي الذي يكبر على حساب تدمير الشعوب والأوطان، لتكون الأزمة السورية وبدون منازع، من أعقد الملفات على الساحة الدولية.
فريق عمل “رياليست”.