شهدت سوريا في هذا الأسبوع تطورات كثيرة بعضها على الصعيد العسكري، وبعضها الآخر على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، لكن الأوضاع لا تزال متدهورة من كافة النواحي، خاصة الاقتصادية منها، وسط انهيار منظومة الحياة بشكل عام رغم الآمال التي تخرج من وقت إلى آخر.
على الصعيد السياسي
حظي هذا الأسبوع بزخم واسع جراء الزيارة الرسمية الأولى لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد في أول زيارة عربية له بعد تسلمه منصبه وكانت من نصيب سلطنة عمان، الدولة التي عرف عنها أنها الدولة الخليجية الحيادية التي كانت تنقل الرسائل وتقرب وجهات النظر، حيث برز دورها بشكل واسع إبان الأزمة الخليجية في العام 2017، وحتى وقت المصالحة.
بالنسبة لسوريا، أخذت هذه الزيارة اهتماماً واسعاً كان ظاهرها تفعيل العلاقات والاتفاقيات الثنائية بين البلدين والمضي قدماً فيها، لكن خلف الكواليس يبدو أن هذه الزيارة لديها أبعاد أخرى لم يقم الإعلام بتفنيدها لسريتها في الوقت الحالي ربما، وهي أن المواقف الخليجية الأخيرة خاصة قطر والمملكة السعودية، وتغير الخطاب تجاه سوريا، والجولة الروسية الأخيرة، إضافة إلى مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بطلب من الأخيرة وبعض الدول العربية، يبين أن هناك تطبيعاً ما، يلوح في الأفق سوري – خليجي، لكن لم يبصر النور بعد، لن نقل إن سوريا لديها شروط أو الدول الخليجية كذلك الأمر، لكن الأمر أبعد ما يكون عن اتفاقيات مشتركة خاصة وأنها قائمة ولم يتغير موقف السلطنة من دمشق طوال فترة الحرب عليها، وبالتالي، إن موقف مسقط معروف بمحاولاته الواسعة لتحسين البيت العربي، وهذا الأمر قد نراه ظهر في ليلةٍ وضحاها، عندما تكتمل صورته، خاصة وأن اليوم هناك شعور خليجي بأن الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عنهم، لذلك نجد اقتحام الصين خليجياً وإيرانياً، ما يعني أن هناك تحولات سياسية مهمة في المنطقة، وسوريا جزء منها كونها تتوسط كل الملفات ومسألة حل الأزمة فيها مسألة إنقاذ لكثير من الدول بما فيها الدول الغنية.
أزمة الأوكسجين
في سياق متصل، أثار موضوع توريد مادة الأوكسجين للبنان انقسام لبناني واسع وصل إلى حد المطالبة بمحاكمة وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد الحسن لتصرفه منفرداً بحسب زعم بعض التيارات اللبنانية، بينما طالب مجلس النواب اللبناني في حكومة تصريف الأعمال بعقد جلسة لمحاسبة الوزير.
في تحليل هذا الأمر، انهارت المنظومة الصحية اللبنانية، جراء ارتفاع إصابات فيروس “كورونا” بشكل كبير، وفقدان مادة الأوكسجين الأمر الذي دفع الوزير حسن للتحرك والقدوم إلى دمشق، وعقد تلك الصفقة “المجانية” التي لم ولن تؤثر على المادة في سوريا لكون هناك مصانع تقوم بتغطية المشافي وحاجتها من الأوكسجين، لكن لم تتبرع سوريا بالمادة منفردة إلا بناءً على الوضع السيء وزيارة الوزير، وهذا أمر طبيعي خاصة وأن نقص المادة قد أحدث فاجعة في منطقة السلط بالأردن، ولتجنب تكرار هذا السيناريو تم الأمر، هنا يجب الفصل بين التجاذبات السياسية والأوضاع الإنسانية مهما كان الخلاف كبيراً، ومهما كبر الشرخ بين سوريا ولبنان فهما امتداد لبعضهما لا يمكن الفصل بينهما رغم وجود تيارات كثيرة انتهجت العداء ضد دمشق.
على الصعيد العسكري
شهدت منطقة شرق الفرات اقتتالاً شديداً بين الفصائل الكردية الموالية للقوات الأمريكية، والفصائل التركمانية الموالية للقوات التركية في ريف الحسكة، تم استخدام كافة صنوف الأسلحة فيه من خلال تبادل القصف الذي امتد لأيام بين الجانبين دون تدخل الأتراك أو الأمريكيين، وسط حصيلة واسعة من القتلى والجرحى بين الجانبين، ليمتد القصف إلى منطقة تل تمر ومحيط مدينة عين عيسى الاستراتيجية، الأمر الذي دفع روسيا لدق ناقوس الخطر والتدخل حتى هدأت تلك الجبهة قليلاً، مع توقعات بعودة اشتعالها مجدداً، ولعبت الشرطة العسكرية الروسية دوراً مهماً بوساطة بين الجانبين تم تسليم جثث قتلاهم لبعضهم، مع تسيير دوريات عسكرية مشتركة مع تركيا بالقرب من تلك المنطقة.
الصمت التركي هنا، ليس صمتاً بمعناه المطلق، لأن الفصائل التركمانية لا تتصرف منفردة في أن تشعل جبهة بقرارة نفسها، لولا أنها تلقت أوامرها من الداعم التركي، الذي يريد إبعاد الأكراد عن مناطق سيطرته بأي شكل من الأشكال، فهو رضخ مؤخراً في البيان الأخير في الدوحة ليؤكد على وحدة واستقلال الأراضي السورية ورفض كل المشاريع الانفصالية، في إشارة إلى الأكراد، وبالتالي لن تهدأ هذه الجبهة حتى يبت الأمريكي فيها بشكل حازم ويحسم أمره فيها، وهذا لن يحدث حالياً لأن السياسة الأمريكية الجديدة لا تزال غامضة في هذا الخصوص خاصة لجهة تنسيقها مع الحليف التركي في عدد من الملفات.
وأما شمالاً، كانت روسيا قد اتفقت مع شريكها التركي وأخذت منه ضمانات لفتح ثلاثة معابر إنسانية في الشمال السوري، لغايات مهمة جداً، وهي إجبار أنقرة على الإيفاء بتعهداتها لكونها الضامن لوقف التصعيد في تلك المناطق، وبالفعل وعدت تركيا بذلك وتم افتتاح ثلاثة معابر إنسانية، لكن بدأت الفصائل الإرهابية المسلحة كعادتها وكما كل مرة تمنع المدنيين من العبور لتكون تنصلت تركيا مجدداً، وهذا الأمر لم تعلق عليه روسيا بعد.
إلى ذلك، واصلت القوات الروسية الجوية قصفها لمواقع متعددة للتنظيمات الإرهابية التركية في مناطق متفرقة من محيط ادلب وبخاصة جيش العزة حيث دمرت ما لا يقل عن عشر كهوف ومغارات كان يتحصن بها الإرهابيون، لكن بعد مسألة فتح المعابر الإنسانية تم التوقف عن التصعيد العسكري، ليعود الزخم السياسي والدبلوماسي مجدداً خاصة وأن هناك توقعات بأن تحتضن دمشق مؤتمراً للمعارضة السورية على أراضيها.
على الصعيد الاقتصادي
لا يزال الوضع الاقتصادي سيء جداً وسط انهيار شديد لليرة السورية، مقابل سعر صرف الدولار الأمريكي، الأمر الذي دفع باتخاذ إجراءات حكومية صارمة أدت إلى إنخفاض سعر الصرف حوالي 1500 ليرة سورية خلال 5 أيام تدريجياً، لكن ذلك بطبيعة الحال ليس كافياً لأن الاسعار لا تزال مرتفعة، وسط انقطاع المحروقات وتقنين كهربائي هو الأسوأ منذ بدء الحرب على سوريا.
هذا الأمر خلق حالة غضب شعبي، لكن ليس من العملاء او أعداء سوريا، بل من الحلفاء وبخاصة روسيا وإيران، وامتلاكهما للنفط ومشتقاته لكن لم يتم تزويد سوريا بهذه المادة إلا بشكل يسير جداً، رغم أن الاتفاقيات المبرمة بين سوريا وحلفائها سواء في إعادة الإعمار أو المشاريع الخدمية الكبرى هي من نصيبهما، لكن على الصعيد الاقتصادي لا يوجد أي دور ينقذ الوضع من كوارث إنسانية محققة.
أخيراً، تحاول سوريا الصمود بكل ما تملك من قوة، لكن بلغت الأوضاع حدوداً لم يعد بمقدور أحد تجاوزها، بعد أن كشفت الكثير من الدول عن وجهها الحقيقي وتخليها عن هذا البلد وهو بأمس الحاجة إلى المساعدة، إلا أن الانفتاح السوري – العربي مؤخراً قد يغير بعضاً من هذا السوء، خاصة وأن الدول الخليجية بدأت تتحدث بصوت مرتفع عن مساعدة سوريا بشكل عاجل، وإخراج القوى الأجنبية، لن نقول إن الأمور ستنتهي في عجالة، لكن حتى يحدث ذلك، على الجميع ضبط النفس والتحمل، لأن ما تعيشه سوريا لا يمكن لشعب من الشعوب أو دولة من الدول أن تتحمله لشهر واحد، أما عسكرياً، يبقى الشرق السوري عقدة العقد أكثر من الشمال، أيضاً يتعرض لمد وجزر خاصة بعد إعلان القبائل والعشائر السورية موقفها مؤخراً ووقوفها مع الدولة السورية وإعلانها بدء المقاومة، إلى جانب خروج معلومات تتحدث عن تدريب القوات الأمريكية لعناصر تنظيم داعش في قاعدة الشدادي، ونية التنظيم تحويل منطقة الهول في ريف الحسكة إلى ولاية تابعة له، تطورات مهمة قد تتبلور وتتطور في القادم من الأيام ليبدأ موضوع مقاومة القوى الأجنبية وداعش الموجودة في سوريا بعد أن بدأت تأخذ اهتماماً أمريكياً مجدداً.
فريق عمل “رياليست”.