شهد هذا الأسبوع تطورات كثيرة في عددٍ من المواقع السورية، بعضها كان في صالح سوريا، والبعض الآخر، كان نكبة عليها، هذه التطورات من حيث الشكل والمضمون خطيرة جداً على سوريا كدولة وكشعب.
ميدانياً – الشرق السوري
عاشت سوريا أسبوعاً نارياً بامتياز، فبعد أن كان قد أطلق الجيش السوري عملية واسعة تبدأ من منطقة الميادين في الشرق السوري وصولاً إلى منطقة التنف القريبة من القاعدة الأمريكية، اشتبكت القوات السورية مع فلول تنظيم داعش في منطقة أثريا – السلمية، وحققت إصابات مباشرة بهم، بعد أن كانوا قد هجموا بغتةً في محاولة لوقف العملية التي قوضت تحركاتهم كون الطيران الحربي يرصد ومن ثم تتقدم القوات البرية مرفقة بقصف مدفعي.
وبما يتعلق بالغارة الجوية الأمريكية رداً على الهجمات العراقية على أربيل، التي طالت مدينة البوكمال على الحدود السورية – العراقية، وبحسب المعلومات أنها تزامنت مع نقل سجناء من تنظيم داعش إلى قاعدة التنف بغية تدريبهم ومن ثم إطلاقهم لاستهداف مواقع الجيش السوري، وبالفعل بعد أيام قليلة نفذ تنظيم داعش هجومه وتحديداً ليل الجمعة – السبت الفائتين، إلى ذلك تواصل قوات سوريا الديمقراطية – قسد أعمال خطف السوريين واقتيادهم إلى التجنيد الإجباري، في مناطق سيطرتها، لكن الجديد اليوم، أن قتل عناصر من قسد أصبح مشهداً يومياً في منطقة الجزيرة السورية، وبالأمس أعلن أبناء العشائر السورية عن خطف مجموعة تابعة للتنظيم رداً على ممارساتها في مناطق سيطرتهم، وهذا الوضع أصبح مقلقاً لأنه انتقل إلى اقتحام منازل المواطنين في مدينة الحسكة واقتياد أولادهم عنوةً إلى القتال مع التنظيم.
الشمال السوري
شهد الشمال السوري هجمات متفرقة للتنظيمات الإرهابية المسلحة، على مناطق مأهولة ومواقع للجيش السوري، لكن الأخير سبق وأن أعلن أنه سيرد على كل مصادر الإطلاق، وبالفعل أصبح الغارات السورية والروسية تنطلق بشكل يومي في محيط مدينة ادلب، حيث قصف سلاح الجو الروسي مواقعاً لفصيل حراس الدين محققاً إصابات مباشرة بين صفوفه.
إلا أن المشهد الأخطر من كل ما سبق هو تفجير ناقلات النفط والصهاريج المحملة بالنفط الخام في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية الموالية لتركيا المعدة للتهريب والبيع، وفي التفاصيل أن شهدت بلدتا الحمران وترحين قرب مدينة جرابلس في ريف حلب انفجارات شديدة ناجمة عن تفجير “حراقات النفط” الأمر الذي أدى إلى وقوع قتلى وإصابات، هذه الانفجارات جاءت نتيجة استهداف صاروخي بحسب شهود عيان من المنطقة، إلا أن وكالة “الأناضول التركية” الرسمية قالت إن الهجوم تم باستخدام صواريخ باليستية في إشارة إلى “روسيا”، لكنها لم تذكرها علانيةً.
ترحيب شعبي سوري واسع جراء هذه الانفجارات حيث كُتب عنها، (فلتحترق من المنبع إلى المصب)، جراء حرمانهم مما هو لهم وبيعه بسرقة موصوفة وأمام أعين العالم أجمع، هذه الانفجارات وهذه الخسائر كبيرة جداً، لأن بيع النفط هو مصدر تمويلي أول للتنظيمات الإرهابية لشراء الأسلحة والمعدات اللوجستية والتسليحية الأخرى، وبدون معرفة من الذي استهدف هذه الحراقات البترولية، لكن تركيا سارعت بالرد وقصفت عدة قرى بريف حلب الواقعة تحت سيطرة الدولة السورية، وتحديداً في منطقة الشهباء ومنها منطقة سد الشهباء وقرية سموقية وجبل النايف، كما استهدفت القوات التركية والفصائل الموالية لها أيضاً، قرى “تل رفعت، كفرنايا، الشيخ عيسى، حليصة، وطريق دير جميل كفرنايا والمضيق والسد” وكان مركز الإطلاق من القاعدة التركية المتمركزة في كلجبرين الواقعة غربي مدينة مارع، إضافة إلى قرى صيادة، والدندنية، وأم عدسة وكان الاستهداف من القاعدة التركية في قرية الياشلي والكربجلي التي تقع شمال وغربي مدينة منبج، وبحسب المعلومات أن القصف استمر ساعة ونصف متواصلة، هذا الأمر يبين حجم الخسارة التي منيت بها تركيا والفصائل الإرهابية لأن عدد الناقلات والصهاريج كبير جداً، وبالتالي استهداف الحراقات يعني عملياً خروجها عن الخدمة فالخسائر أكبر من أن تحصى بعد الحرائق التي طالت المناطق الواردة أعلاه.
وبالتزامن مع ذلك وعلى جبهة أخرى تم قصف مدينة جورين الواقعة في شمال غرب محافظة حماة السورية، الاستهداف تم من قبل فصائل إرهابية تتحصن بمحيط مدينة جسر الشغور بريف إدلب الجنوبي وذلك بإطلاق القذائف الصاروخية على بيوت المدنيين حيث اقتصرت الأضرار على الماديات التي تعود للأهالي إضافة إلى المرافق العامة في المدينة.
تحركات غربية على أكثر من محور
مؤخراً وبعد الحديث عن تهريب عناصر من تنظيم داعش من سوريا إلى العراق وبالعكس، أعلنت القوات الأمريكية عن نيتها توسعة سجن الصناعة المُدار من قبل تنظيم قسد ويضم سجناء داعش، فلقد زار وفد بريطاني الموقع حيث قالت المعلومات إن هذه التوسعة بتمويل بريطاني، وذلك بإضافة مبانٍ وساحات، يُعتقد أن النوايا تحويله إلى معتقل ومركز تدريب لأنه سيكون مجهزاً بكل شيء، إضافة إلى حراسة مشددة.
إلى جانب ذلك نشطت في الآونة الأخيرة زيارات دولية من عدة دول أوروبية منها ألمانيا والنمسا وبلجيكا والدنمارك وأوكرانيا وفنلندا إلى مخيم الهول أيضاً الواقع تحت سيطرة قسد، خاصة وأنه مؤخراً أيضاً حدثت جرائم قتل وتصفيات كثيرة أغلبهم لمحتجزين عراقيين بينهم نساء وأطفال، وبحسب الرواية الغربية أنهم يريدون إخراج الأطفال والنساء الأجانب من المخيم وإعادتهم إلى بلادهم، إلا فرنسا، فلقد كان من المتوقع أن يزور وفد برلماني فرنسي للاطلاع على الواقع المعاش في المخيم، إلا أن قسد رفضت طلبهم، ويعتقد بأن فرنسا ضغطت على قسد لأن ترفض استقبالهم كي لا تتعرض لمسائلات داخل البرلمان لأن ما سيروه لا يشبه الحياة ولا بأي شكل من الأشكال.
على الصعيد الدولي، تحاول الولايات المتحدة اليوم ومحورها، إحياء ملف الكيماوي السوري من خلال تثبيت التهم على الجيش السوري بأنه نفذ هجمات كيميائية، دون حقائق تثبت هذا الأمر، فلقد حدثت مشاحنات في مجلس الأمن وكان مندوب روسيا الدائم وكذلك نظيره السوري شديدي اللهجة في الرد على تلك المزاعم خاصة وأن سوريا سلمت ترسانتها الكيماوية منذ العام 2014 وبشكل كامل، هذا الأمر مرده أن واشنطن ستستمر بالضغط على دمشق لا بل معاقبتها إن لم تغير موقفها أو تقدم تنازلات سياسية معينة منها إخراج القوات الإيرانية، وقوات حزب الله اللبناني، وإن بقيت الدولة السورية على موقفها فالأمور مستمرة بأقصى درجات الضغط الممكن عليها وخاصة من الناحية الاقتصادية، فلقد تم رصد بيع القمح السوري ونقله خارج البلاد مع قوافل أمريكية وهذا جزء من الممارسات الأمريكية ضد سوريا.
أخيراً، إن الأوضاع في سوريا عادت إلى التعقيد بشكل كبير جداً، اليوم تعمل الولايات المتحدة على زيادة الضغط على سوريا لإنهاك روسيا أيضاً، فلقد بلغت مستويات متقدمة جداً، وهذه المرحلة قد تكون هي الأخطر بعد معلومات عن نية واشنطن نشر منظومات دفاعية في مناطق سيطرتها في الشرق السوري، دون إغفال إحتمالية إشتعال حرب قبالة السواحل السورية بين القوات الأمريكية والروسية قبل بعض الوقت فهناك استفزازات واضحة ضد روسيا خاصة بما يتعلق بالغارة وعدم إخطار القوات الروسية إلا قبل 4 دقائق بحسب ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف حول هذا الموضوع.
بمقابل ذلك شدت روسيا من القيام بمهام عسكرية معمقة في مناطق سيطرة الإرهابيين، سواء داعش أو النصرة وغيرهم في مناطق سيطرتهم وباتت الطلعات الجوية شبه يومية، في وضع يبدو أنه قد يتطور إلى حدود غير متوقعة أبداً، فالوجود الأمريكي وما تمارسه في سوريا ليس معاقبتها أو محاربة الإرهاب بل سرقة خيراتها ونهب كل ما فيها خاصة وأنها مستقرة في خزان سوريا الحيوي من ماء ونفط وغذاء، وأما وضع أو توقع نهاية واضحة لهذه المستجدات فمن غير المعلوم إلى ماذا ستؤول الأمور في الأيام القادمة.
فريق عمل “رياليست”.