تطورات كبيرة حدثت في سوريا هذا الأسبوع، بعضها لصالح سوريا “الدولة”، والبعض الآخر، ينذر بأن المساعي الغربية لن تتوقف ومستمرة في مخططاتها حتى أجلٍ غير مسمى، بعض هذه الأحداث معقد، والبعض الآخر التفاف نوعي لتعزيز الصمود من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية.
سباق محموم
بعد الأحداث الخطيرة التي شهدها الجنوب السوري مؤخراً، وارتفاع عدد ضحايا الاغتيالات في ريف درعا، بعضها وصل إلى 5 أشخاص في يوم واحد فقط، قام الجيش السوري بإنذار الفصائل الإرهابية في بلدة طفس بريف درعا بتسليم أنفسهم وأسلحتهم أو المغادرة إلى ادلب، شمال غرب سوريا، أو اقتحام البلدة واسترجاعها بالقوة، ورغم الاتفاق المبدئي وموافقتهم على تنفيذ هذه الشروط وبوساطة روسية، لكنهم ما لبثوا أن نقضوا الاتفاق وعادوا إلى تنفيذ مسلسل الاغتيالات، إضافة إلى محاولات تفجير حواجز عائدة للجيش السوري، لكن تم إحباطها، واستنفذ المسلحون المهلة التي أقرتها القوات السورية، وبالتالي دخل الجيش السوري إلى بلدة طفس واستعادها بعد أن كانت خارج سيطرته لأكثر من ثماني سنوات، وعودة تفعيل دور المؤسسات وتسليم بعض المسلحين أنفسهم وأسلحتهم، ما يعني نهاية الاستثمار في الملف السوري، فلقد هدأت جبهة الجنوب بعد تدخل روسيا بوساطة تم خلالها إبرام مصالحة بقيت محافظة على نفسها حتى أتت أوامر ما بتأجيج الجبهة الجنوبية مجدداً، مع استعارها في الشرق السوري، إضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة والتي كان آخرها يوم الأمس، حيث استهدفت الصواريخ الإسرائيلية العاصمة دمشق، تم التصدي لها من قبل الدفاعات الجوية السورية.
أما شرقاً، هناك سباق محموم بين قوات سوريا الديمقراطية – قسد، المدعومة أمريكياً، وبين الفصائل الإرهابية المسلحة المدعومة من القوات التركية، والقوات التركية نفسها، في بلدة عين عيسى بريف الرقة شمال شرق سوريا، في محاولة للسيطرة عليها نظراً للأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها، وهذا القصف مستمر حتى وقت قريب من الآن.
على الضفة الأخرى من الشرق السوري، تواصل قسد تضييق الخناق على الشعب السوري في مناطق سيطرتها، فبعد الحصار الجائر الذي فرضته على الحسكة والقامشلي وإغلاق الطرقات، فُك الحصار بوساطة روسية أيضاً، لكن ما لبثت قسد أن اقتحمت مطاحن الدقيق واستولت على كل الدقيق الذي يمد محافظة الحسكة بمادة الدقيق، إضافة إلى الاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري وغير ذلك، فهي كما أشرنا سابقاً، أنها تحاول إحداث توازن ديموغرافي يجيز لها أن تتحكم بملف الشرق السوري، لأن نسبة وجودها البشري قليل مقارنةً بالعرب والسكان المحليين، فهذا السباق بينها وبين الأتراك يبدو أنه سباق بين “نشر القوميتين التركية والكردية”، في وقت يقف الأمريكي على الحياد في هذا السباق، وهذا من جهة.
من جهةٍ أخرى، بدأت تركيا بفتح جامعات في ريف حلب بمناطق سيطرتها، وهذا يُدرج في باب سياسة التتريك المتبعة من قبلها، لكنها فرضت قيوداً صارمة على السوريين، وجعلت اللغة التركية أساس للمعلمين وللطلاب، وأن يحصلوا على درجة مبدئة “أي -2” للالتحاق بهذه الجماعات، ما يعني نسف النموذج السوري، لغةً ومنهاجاً، وهو أمر خطير جداً، لكن الأخطر هو علم منظمة اليونسكو بذلك دون تقديم أي معارضة أو منع لهذه الإجراءات الجديدة.
أمريكياً، لا تزال المعلومات متضاربة حول نوايا الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من سوريا أو البقاء، فلقد صرح مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية – البنتاغون أن عدد الجنود الأمريكيين لا يتجاوز 900 جندي، وأن وجودهم لحماية القوات الكردية “قسد” والمنشآت النفطية، فقد أنشأت القوات الأمريكية مؤخراً قاعدة عسكرية جديدة لها في تل علو بريف الحسكة، واستقدمت عبر العراق العتاد اللازم لها، وما هي إلا أيام قليلة حتى قامت بتفكيكها ونقلها إلى الداخل العراقي، ومن ثم استقدام عتاد عسكري جديد إلى منطقة حقل العمر النفطي أكبر الحقول النفطية السورية، قالت أوساط متابعة، إن هذا الأمر يعني تشديد الحصار المفروض على سوريا من خلال التحشيدات العسكرية الأمريكية عند حقول النفط، ما يفسر أن مسألة الانسحاب من أساسها غير قائمة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة على المدى المنظور.
فلتان أمني
يشهد الشمال السوري مؤخراً، حالة من الفلتان الأمني لم يشهدها سابقاً، وهي الاقتتال الشديد بين الفصائل الإرهابية المسلحة في ادلب وعفرين بريف حلب وسقوط قتلى ومصابين بين الأطراف المتقاتلة وبخاصة بين جيش الإسلام والجبهة الشامية، الأمر الذي دفع بالقوات التركية للتدخل وفض الاشتباكات، إلى جانب وقوع تفجيرات بسيارات مفخخة في مدينة الباب بريف حلب أيضاً، هذا الأمر مرده إلى أن هناك خلافات كبيرة جداً، مرتبطة بسحب الكثير من عناصر الفصائل الإرهابية إلى ليبيا.
فضلاً عن تجدد الغارات الروسية مؤخراً، وضرب معاقل الإرهاب، دون تعليق رسمي من القوات التركية أو حكومتها، إضافة إلى عمليات السرقة والسلب والنهب وإخراج القاطنين من مساكنهم بالقوة والاستيلاء عليها، ما يعني أن الوضع بدأ يخرج عن السيطرة وسط صمت تركي لا يعدو أكثر من تدخل خجول في بعض الأحيان.
روسيا في عين العاصفة
شهدت القوات الروسية مؤخراً استهدافات عديدة سواء لقاعدتها العسكرية بالقرب بلدة عين عيسى، حيث قالت تركيا إن ذلك خطأ بشري لم يكن مقصوداً، ومن ثم تم استهداف قاعدة حميميم الجوية براجمات الصواريخ انطلاقاً من مناطق خفض التصعيد بإدلب من قبل العناصر الإرهابية دون تعليق تركي على الأمر كونها الضامن الرئيسي لهؤلاء، أما الأخطر محاولة تفجير واستهداف دورية عسكرية روسية كانت في طريقها لتفقد قواتها العاملة في مدينة منبج بريف حلب، قيل إن فيها ضابط روسي كبير، ما يعني أن هناك معلومات تحدد مسير وتحركات القوات الروسية، حتى وإن لم تتبنَّ تركيا ذلك، لكن يبدو أنها تحاول إخراج روسيا من المشهد السوري شمالاً.
إن الرد الروسي على هذه الاستهدافات والاستفزازت تترجم بتجدد الغارات الجوية بعد انقطاع دام لعدة شهور، حيث رصدت بالأمس تحركات للإرهابيين في مدينة ادلب ومحيطها، ونفذت ثلاث غارات على غرفة عمليات تعود لتنظيم جبهة النصرة، وقتلهم دون تحديد جنسياتهم، كما رصدت أجهزة الاستطلاع الروسية العاملة في سوريا، وصول جماعة الخوذ البيضاء الإرهابية مع معداتها الكاملة إلى بلدة الفوعة بريف ادلب، إضافة إلى رصد تحركات مكثفة لتنظيم جبهة النصرة، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن هناك تحضيرات جديدة لمسرحية كيماوية واتهام الجيش السوري بها، داعية الفصائل الإرهابية تلك، التوقف عن الاستفزازت، التي لن تحقق من أمرها شيء.
أخيراً، إن الوضع السوري عاد إلى تعقيدات المرحلة الأولى من عمر الأزمة السورية، فرغم ضبابية الموقف الأمريكي إلى الآن، هناك سباق محموم بين قسد والقوات التركية والمنضوين تحت إمرتها، لتحقيق سيطرة كبيرة تزيد من أوراقهم التفاوضية من الناحية السياسية مستقبلاً، رغم أنها قائمة الآن بين قسد والدولة السورية، بوساطة روسية، لكن لا تزال قسد تميل باتجاه القرار الأمريكي، وتصرفاتها تبين أنها لن تصل لنتيجة قد تخفف على الدولة السورية معاناتها خاصة من الناحية الطاقاوية، لأن خسارة التنظيم لحقول النفط يعني خسارة أكبر ورقة بين يديها، أما بالنسبة لتركيا، يبدو أن العداء الحالي هو صراع دولي مع روسيا على الأرض السورية، وعلى روسيا تكثيف الجهود لزيادة أوراق سوريا، في ضوء البدء جدياً بإعادة الإعمار، حيث كان الحديث عن إعمار مدينة دير الزور، كما أن دمشق أبرمت اتفاقاً مع إيران يقضي بفتح خط ملاحي بحري يصل ميناء بندر عباس الإيراني، بميناء اللاذقية، بسبب خطورة الخط البري عبر العراق، وهذا نوعاً ما التفاف على العقوبات الجائرة التي وصلت إلى ذروتها في سوريا، فبات لزاماً على سوريا وحلفائها بحث وتفعيل كل البدائل الممكنة للقدرة على الصمود للمرحلة الحالية واللاحقة.
اليوم، تحتاج سوريا إلى تضافر كل جهود الحلفاء للوقوف مجدداً، لأن المخطط كبير جداً، فلم يستطيعوا إسقاط سوريا عسكرياً، اليوم يشددون الخناق عليها اقتصادياً، فلا بد من التصدي لذلك من خلال تفعيل كل القنوات الممكنة للحد من تداعيات هذا الأمر.
فريق عمل “رياليست”.