يتركز المشهد السوري هذا الأسبوع، على مواصلة إسرائيل الاعتداء على سوريا، إلى جانب جنوح القوات الروسية شرقاً، ونشر قوات روسية مدججة بمختلف صنوف الأسلحة في منطقة البادية السورية، إلى جانب تحسس واشنطن من خطر مقبل عليها شرقاً، يضاف إلى ذلك استمرار تركيا باتباع سياسة التعطيش والقصف الممنهج على مناطق سيطرتها في شمال غرب وشمال شرق البلاد.
العدوان الإسرائيلي الخامس
تواصل إسرائيل قصف مواقع سورية متنوعة من الجغرافيا السورية، تركز فيها على ذات الذريعة، إلا أن العدوان الأخير رسم معالم أكثر وضوحاً عمّا تريده تل أبيب من خلال الاعتداءات المتكررة تلك، فلقد استهدف إحدى أحياء مدينة حماة السورية، وقتلت عائلة كاملة وأصابت أخرى، تؤكد المعلومات أن الحي المستهدف حي يقطنه مدنيين ولا تواجد عسكري فيه، لا لسوريا ولا لحلفائها، ما يدحض الرواية الإسرائيلية التي تتذرع بها في كل اعتداء، الأمر الذي يحمل علامات استفهام كثيرة، منها، ما الغاية الإسرائيلية من تكثيف اعتداءاتها على سوريا؟
في العدوان الماضي ذكرت تل أبيب أن عدوانها كان رسالة ثلاثية لكل من إيران وسوريا وإدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، حول عدم السماح لهم بتغيير الوضع لصالح سوريا أو إيران في المنطقة، فإما أن تلقى دعم فوري من الإدارة الجديدة أو لها أساليبها التي تؤثر فيها على القرار الأمريكي، وبالتالي، يأتي العدوان الجديد في رسالة مباشرة لواشنطن نظراً لتزامنها مع الأيام الأولى لبايدن، وحمله على تعديل عدد من القرارات التي وقعها سلفه دونالد ترامب، منها دراسة تخفيف العقوبات عن بعض البلدان من بينهم سوريا وإيران، إضافة إلى النوايا الأمريكية الجديدة التي تقول إنها تأمل العودة إلى الاتفاق النووي، وبالتالي، هذه الأمور لم ترق لإسرائيل، وما عليها إلا إثبات نفسها عبر تحقيق المزيد من الفوضى في الداخل السوري، لإطالة أمد الحرب فيها بالدرجة الأولى.
موقف موسكو من الاعتداءات الإسرائيلية!
في موقف تكرره روسيا دائماً، أنها أبلغت إسرائيل مرات عديدة، إبلاغها عن التهديدات المحتملة والخطرة على أمنها من داخل الأراضي السورية للعمل على تحديده وتحييده، كي لا تصبح سوريا ساحة حرب إقليمية لتصفية حسابات أخرى، في إشارة واضحة على إيران، لكن الدولة الروسية لم تلقَ رداً من الحكومة الإسرائيلية، لأنه أساساً لا يوجد أية أخطار تهدد أمنها من الداخل السوري، وبنفس الوقت، لا يريد أحد أن تصبح سوريا ساحة حرب بين إسرائيل وإيران، وبالطبع روسيا لا ترغب بذلك أيضاً، موسكو لا تريد حدوث أي صدام عسكري مع إسرائيل ولا تستطيع الرد عليها، لكن هناك امتعاض روسي واضح لأن ما تقوم به تل أبيب هو اعتداء صارخ على السيادة السورية، فلقد صرحت وزارة الخارجية السورية بأن صمت المجتمع الدولي لن يوقف من الآن وصاعداً حق الدفاع عن النفس، وهذه سابقة لم تصرح حولها سوريا من قبل، فمن المحتمل ان تقوم من الآن وصاعداً بالرد على الاعتداءات الجديدة لأن الأمور بلغت حداً غير مقبول، حيث تعمل تل أبيب منفردة وبذلك تقوض الأمن والسلم الدوليين.
إن تصرفات إسرائيل بدأت تتخذ منحىً خطيراً في استهداف أحياء سكنية وقتل مدنيين سوريين، الأمر الذي يستوجب حل ضروري أو أن المنطقة معرضة للاشتعال بسبب أهداف إسرائيلية ليست منطقية، فالجميع يعلم أنها مدعومة على المستوى الدولي، لكن ذلك لا يجيز لها الاعتداء على الدول الأخرى إذا لم تكن هناك حاجة تستدعي أي رد.
إلى الشرق!
في جديد تطور الأوضاع في الشرق السوري، استقدمت روسيا 300 جندي روسي جديد إضافي لعديد قواتها الموجودة في منطقة الجزيرة السورية على خلفية التصعيد التركي الأخير في مدينة عين عيسى بينها وبين الانفصاليين، في خطوة تحتاجها المنطقة في ضوء المخاطر المحتملة التي تزداد يومياً، جراء كثرة اللاعبين الدوليين في الجزيرة السورية، فبالأمس القريب سقطت مروحية عسكرية أمريكية من نوع “أباتشي” بالقرب من قاعدة أمريكية في منطقة الشدادي بريف الحسكة، أثناء تزودها بالوقود، فلقد فرضت القوات الأمريكية مباشرةً طوقاً أمنياً في تلك المنطقة ترافق مع تحليق طيران كثيف، الأمر الذي يُفسّر على أن هذه الحادثة ليست خطأً بشرياً أو ناجمة عن خلل فني ما، بل هو استهداف محتمل ومركز على القوات الأمريكية تحديداً، هذا الأمر وغيره الكثير دفع بروسيا إلى تكثيف حضورها العسكري شرقاً، ليس على الصعيد الميداني فقط بل على الصعيد الإنساني أيضاً، فمن جهة، تعمل قوات سوريا الديمقراطية – قسد المدعومة أمريكياً على منع الموظفين السوريين من الدخول إلى مؤسساتهم تحت تهديد السلاح، ومن جهة أخرى تواصل القوات التركية والفصائل الإرهابية الموالية قطع المياه عن سكان مدينة الحسكة وهذه المرة هي المرة الثامنة عشر منذ أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، ومن المعروف أن الوساطة الروسية في المرة السابقة هي سبب إعادة ضخ المياه، لتعود القوات التركية والإرهابيين بقطعها مجدداً، فإن لم تحقق الوساطة الروسية شيئاً اليوم فالأكيد ستواصل مساعيها في الغد خاصة في ظل جائحة “كورونا”.
إلى ذلك، نشرت القوات السورية عدداً من قطعها العسكرية المتطورة في منقطة البادية السورية ضمن مثلت أرياف حماة الرقة وحمص، بعد رصد تنامي واضح لتنظيم داعش مؤخراً وبحسب المعلومات أن قاعدة التنف الأمريكية تشكل منطلقاً له، خاصة وأن هجوماً جديداً على حافلة تقل جنود سوريين وقع ظهر الأمس على طريق دير الزور – تدمر، وخلّف قتلى، بالتزامن مع اشتباك على الحدود العراقية ومقتل 11 عنصراً من الحشد الشعبي من قبل تنظيم داعش.
كما أن أرتالاً روسية أخرى وصلت إلى بادية دير الزور وتحديداً إلى مناطق كباجب والشولا، وذلك ضمن خطة تسعى من خلالها القوات الروسية بالتنسيق مع الجيش السوري إلى محاصرة المناطق التي شهدت نشاطاً متجدداً للتنظيم في المنطقة، هذه التعزيزات التي وصلت مؤخراً تعتبر الأكبر خلال الفترة الماضية، والتي وصلت إلى مناطق البادية السورية بعد عدّة هجمات لداعش شهدتها أرياف حماة ودير الزور، والجدير بالذكر أن بادية حماة تتصل إدارياً مع بادية حمص ومنطقة التنف التي تقع فيها القاعدة الأمريكية، بأقصى ريف حمص الجنوبي الشرقي على الحدود السورية – الأردنية، حيث تنشط فيها فلول التنظيم بشكل كبير، ويعتمد مسلحو التنظيم عليها كقاعدة لشن هجمات في أرياف حمص وحماة ودير الزور وكخط إمداد رئيسي لهم.
أخيراً، إن التحديات كثيرة ليس على سوريا فقط بل تحمل روسيا من هذه التحديات الجزء الأكبر معتمدة على إستمرار الحل عبر القنوات الدبلوماسية، فالآن المنطقة في مرحلة كسر العظم، وهي أخطر مراحل الحرب الدائرة، لكن رغم كل سوء هذه الأوضاع، إلا أن هناك بعض الترتيبات العربية التيمن الممكن تسميتها بـ “التطبيع” السوري – العربي، خاصة بعد أن علقت المملكة العربية السعودية عمل موظفي هيئة التفاوض السورية في الرياض، بزعم الخلافات بين أعضائها، لكن وسط الظروف الحالية المؤشرات تقول عن حلحلة عربية تجاه سوريا، قد لا تأخذ شكلها السريع وتتبلور حالياً، لكنها مقدمة كما حدث مع دولة الإمارات، ويبقى هناك عقبتين رئيسيتين هما خروج العاملين التركي والأمريكي من الأراضي السورية، فالجهود الروسية اليوم ستركز على هذا الاتجاه لأنهما في الوقت الحالي هما عقدة الأزمة ولا شيء آخر، الأوضاع الحالية لا تعد بشيء مبشّر لكن في عالم السياسة والحروب كل شيء ممكن.
فريق عمل “رياليست”.