لا تزال الأصداء المتعلقة بالغارات الإسرائيلية تتصدر المشهد السوري، ليس لغرابتها، بل لإعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة إسرائيل إستخباراتياً لاستهداف مواقع قالت إنها تعود للقوات الإيرانية وحزب الله اللبناني في سوريا.
العدوان الرابع خلال ثلاثة أسابيع
تكثف إسرائيل غاراتها على سوريا قبيل رحيل الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وقبيل تسلم خلفه جو بايدن، يأتي هذا التسارع في وقت قد يحاول فيه بايدن التخفيف من هذه الغارات إذا كان لا بد من فتح صفحة جديدة تتعلق بإيران ومستقبل الاتفاق النووي معها، بعد أن زادت الأخيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتوعدت بالرد على أي عمل تقوم به إسرائيل أو الولايات المتحدة، لكن ولأن الغارات الأخيرة على منطقة البوكمال ضربت في مجملها مواقع للجيش السوري ومخازن عائدة له، ولم يصب أي مقاتل إيراني أو أي جهة موالية لطهران في هذه الغارات، ما يبين أن إسرائيل لا ترمي إلا التصعيد ولا يهمها من المستهدف في هذه الغارات.
فلقد قال بعض المسؤولين في لواء فاطميون والذي في مجمله يضم مقاتلين أفغان وهو موالٍ لإيران، أن الغارات لم تستهدف أي مقاتل منهم أو أي مستودعٍ لهم، على عكس ما أشيع مؤخراً، بل كان الاستهداف نحو مواقع سورية، وبالتالي الضحايا من الجنود السوريين.
فلقد اعتبرت إسرائيل أن الغارة الأخيرة هي رسالة قوية إلى إيران وسوريا وكذلك إدارة الرئيس بايدن، الجديد فيها أن تل أبيب ترمي إلى أن تحدد الإدارة الجديدة طريقة التعامل مع إيران في ضوء اعتبارها العدو الأوحد لها، إضافة إلى توقعات إسرائيلية عن حدوث حوادث فردية خاصة على الحدود الشمالية، مع استبعاد شن أي حرب، فالغارات هي رسائل نارية، لن ترعب لا إيران ولا سوريا، لكن الرد المتوقع سيكون على الحدود الجنوبية وهي الجبهة التي تخشاها.
الرد السوري
ينظر الكثير إلى أن سوريا على أنها دولة ضعيفة حالياً ولا تقوى على الرد لا على إسرائيل ولا غيرها، بحكم الحرب التي تعيشها، لكن ما تقوم به دمشق رغم كل ما يعتريها من ظروف قاهرة على عدم قطع القنوات الدبلوماسية والثقة المطلقة بالقوانين الدولية في أن تأخذ دورها لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، رغم يقينها بأن شيء لن يتغير، لكنها في هذه المرة أرسلت رسالة واضحة عبر خارجيتها مفادها: أن “الشعب السوري سيبقى مصرّاً اليوم وأكثر من أي يومٍ مضى على التمسك بحتمية انتصاره على الإرهاب واستعادة الجولان السوري المحتل حتى خط الرابع من حزيران لعام 1967″، ففي هذا الرد الرسالة الأبلغ والتي تتمحور حول جبهة الجنوب والتي تخشاها إسرائيل كثيراً كما أشرنا أعلاه، لما تشكله من تماس مباشر مع الحدود الإسرائيلية ولأن تمركز القوات الإيرانية وحزب الله في مناطق ليست ببعيدة، إضافة إلى أن أهالي الجولان يتحينون هكذا فرصة، فلا تعول سوريا اليوم على موقف الغرب من هذا العدوان أو ما سبقه من اعتداءات، بل تشير الوقائع إلى بدء التحضير لفتح هذه الجبهة لكن ليس على شكل حرب، بقدر ما ستكون أحداث فردية جنوباً وعلى الحدود الشمالية مع جنوب لبنان، فلو أن هناك سياسة تتسم ببعض الحكمة في إسرائيل لتنبهت إلى الخطر الذي تستدرجه بيديها، لأن من تعتدي عليهم باستمرار ليس لديهم ما يخسروه وأقل ما يمكن أن يكون هو البدء بإيذاء المعتدي ليعلم أن لصبر أي شعب حدود.
إلى ذلك أشارت الخارجية السورية أيضاً إلى “تصميمها وبمساعدة الدول الصديقة وحلفائها على استعادة كل ذرة تراب من أراضي الجمهورية العربية السورية وعلى تحريرها من رجس الإرهاب وإعادة إعمار ما دمره الإرهابيون وداعموه”، هي أيضاً رسالة عن استمرار الدعم الإيراني لسوريا واستمرار وجوده على الأراضي السورية، وهو رد لا ينم عن دولة ضعيفة لا تستطيع مقارعة أي عدوان، لكن نظراً واحتراماً للقانون الدولي والوضع المضطرب في المنطقة، لا تريد سوريا تأزيم الأوضاع أكثر مما هي عليه، فليس أسهل من إشعال الحروب، لكن إخمادها سيكون صعب جداً، حتى أمريكا نفسها ليست جاهزة لأن تغامر دفاعاً عن إسرائيل في هذا التوقيت.
ازدواجية المعايير
أكثر من 100 شخصية سورية مدرجة على لوائح العقوبات الأمريكية والغربية وآخرها إدراج وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في قائمة العقوبات الأوروبية، على خلفية اتهامه بأنه مسؤول عن انتهاكات النظام بحق السوريين.
وجاء في القرار أن المقداد “يتشارك المسؤولية في انتهاكات النظام السوري بحق السوريين باعتباره وزيراً للخارجية”، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إدراجه في قائمة العقوبات الأوروبية ومنعه من دخول دوله، طبقاً لوكالات أنباء.
فبدل من أن يصدر الاتحاد الأوروبي على أقل تقدير بيانات تنديد بحق الانتهاكات الإسرائيلية، يواصل في السير على نهج وخطى واشنطن في تحريف النظر عن العدو الحقيقي، وعن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة بينما يواصل انتهاك القانون بفرض عقوبات كان الأجدر بها أن تكون موجهة للمسؤولين الأتراك المتورطين في سوريا وفي ليبيا وشرق المتوسط وغيرهم، وكان الأجدر أن تبدأ أوروبا بأن تستقل بقرارها بعيداً عن الإرادة الأمريكية، فلقد نقلت فرنسا مؤخراً عشرات الأطفال من أبناء داعش الموجودين في سوريا على اعتبارهم مواطنين فرنسيين، ما يعني أن الإرهاب يحمل الجنسيات الأوروبية ولم تدن أو تقوم أي دولة أوروبية بحل هذا الملف، أو معاقبة المسؤولين عن نقلهم ونشرهم في بلاد الصراعات سواء سوريا أو العراق وليبيا، بل تستمر سياسة فرض العقوبات على المحور المخالف لسياستها وتركز على المسؤولين السوريين والإيرانيين والحشد الشعبي العراقي وحزب الله، بصرف النظر عن حقيقة دور كل جهة، لكن يجب أن يقابل ذلك عقوبات بنفس المستوى على كل الأجهزة والحكومات الضالعة في نشر الإرهاب، لكن لن يتغير شيء حتى تتوسع دائرة الإرهاب وتنتشر في بلادهم فالجميع يعلم أن سوريا تمتلك كنزاً استخباراتياً مهماً في هذا الخصوص وبالنهاية سيعملون على التطبيع مع دمشق طال الزمن أم قصر.
أخيراً، إن المشهد السوري لا يزال معقداً ليس بفعل الإرهاب وحده، بل أيضاً بسبب التدخلات الغربية والإسرائيلية والعقوبات الشديدة على البلاد، فلم ينجحوا بإسقاط سوريا بقوة الإرهاب، فهم يحاولون اليوم إسقاطها عبر اتباع سياسة التجويع وإرهاق الشعب السوري إقتصادياً، دون أدنى مراعاة بسبب جائحة “كورونا”، بل يزداد الدعم لكل الحركات الانفصالية لزيادة الضغط على دمشق، فاليوم يقع الدور الأكبر على حلفاء سوريا، في زيادة الضغط على الميدان لأجل التحرير النهائي من الإرهاب، فمع إنتهاءه تنتهي الذريعة التي يستثمرون بها هذا الصراع الذي اقترب من نهاية عامه الحادي عشر.
فريق عمل “رياليست”.