عاد الوضع السوري لزخمه في ضوء تطورات عدة، ما يطرح أيضاً العديد من التساؤلات، منها، لماذا واشنطن تعمل على زيادة الضغط في مجلس الأمن لتجريم الدولة السورية بفعل لم ترتكبه؟ وتركيا مستمرة في تصعيد قصفها الصاروخي على مناطق متفرقة من شمال شرق سوريا، والقصف الإسرائيلي مستمر ومتزامن مع هجمات تنظيم داعش ما يعني سوريا أمام منطقة توترات ثلاثية هي: ادلب وشرق الفرات ومنطقة التنف، بالإضافة إلى الاعتداءات الإسرائيلية التي تركز استهدافها على جنوب دمشق، وجنوب سوريا بشكل عام.
شرق الفرات بين (الأكراد والأتراك والعشائر)
مع عودة نشاط تنظيم داعش وسط البلاد وتبنّيه لأكثر من استهداف أحدهما على طريق البادية والثاني على طريق أثريا – السليمة، يعني عودة اللاعب الأخطر على المسرح السوري، وبالتالي تقول المعلومات إن منطلق التنظيم يأتي من منطقة التنف الواقعة تحت سيطرة القوات الأمريكية، الداعمة له خاصة لجهة الإحداثيات المقدمة له وبالتالي تحقيق النتائج، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبالإضافة إلى عودة إحياء التنظيم، تتواصل الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية – قسد المدعومة هي الأخرى من القوات الامريكية وبين العشائر السورية من جهة، وبين قسد وفصائل إرهابية مسلحة موالية للقوات التركية في منطقة الجزيرة السورية على طول حدود منطقة عملية “نبع السلام التركية”، ومحيط مدينة عين عيسى الاستراتيجية بريف الرقة من جهةٍ أخرى.
إن الأخبار المتواترة من تلك المنطقة تتحدث عن قتلى يومياً من الأطراف جميعها، في ظل تزايد الاشتباكات والتصعيد العسكري التركي وفصائله على مناطق واسعة من ريف الحسكة الشمالي الغربي، وتحديداً منطقة تل تمر ذات الغالبية الكردية، وبعض القرى كالدردارة والفكة وغيرهما، اليوم هناك تنافس شديد بين كل تلك الأطراف في محاولة لتغيير الخارطة الميدانية في المنطقة، والتي قد تختلف فيها الولاءات مع رحيل الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وتسلم منافسه الديمقراطي جو بايدن، فلم يُعرف بعد كيف سيكون شكل التحالف المقبل، ولمن ستكون الغلبة فيه، وهل سيستمر التحالف الدولي على نفس المنهجية المعتمدة؟
على الرغم من أن القوات الروسية نشرت شرطتها العسكرية على ضوء تفاقم الأوضاع في تلك المنطقة وخاصة منطقة عين عيسى، منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2020، لكن ذلك لم يخفف من هذا التصعيد لا بل على العكس، لقد سقطت إحدى القذائف الصاروخية على مقربة من قاعدة للجيش الروسي في منطقة المباقر، لتقوم مروحيات روسية بالتحليق فوق الموقع، لكن إن كانت الفصائل الموالية لتركيا أو حتى قسد، سيكون التبرير جاهزاً أنها سقطت عن طريق الخطأ، ما يعني أن هذه الإستماتة اليوم تشي بأن الأزمة السورية كلها تجتمع في منطقة شرق الفرات، المنطقة التي تحتاج إلى معركة كبرى، ولكن في ضوء وجود كل أولئك اللاعبين، من غير المعروف ماذا ستكون النتائج؟!
وجهان لعملة واحدة
تصدت الدفاعات الجوية السورية، لعدوان إسرائيلي في سماء المنطقة الجنوبية، من اتجاه الجولان السوري المحتل، وأسقطت الدفاعات السورية معظم هذه الصواريخ، ويأتي هذا العدوان متزامناً مع استهدافات تنظيم داعش مؤخراً، والتي استهدفت وسط البلاد لأكثر من مرة كما أشرنا أعلاه، وأما إسرائيل فهذا هو العدوان الثالث خلال عشرة أيام، ما يشي بأن هناك تنسيقاً بينهما، لإمعان ممارسة الإرهاب على أكثر من بقعة جغرافية من شأنها أن تعيد خلط الأوراق لجهة تشتيت الجبهة السورية الداخلية، واختبار قدرتها على صد عدة أهداف معاً.
وباعتراف إسرائيلي، نفذت تل أبيب أكثر من 50 غارة على سوريا في الفترة الأخيرة، لكنها لم تحقق أياً من أهدافها، رغم قولها إنها تستهدف قوات إيرانية، ولن تسمح لهم بالبقاء داخل الأراضي السورية لما تشكله من خطر على الأمن القومي الإسرائيلي، في موقفٍ متماهٍ مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، إلا أن أقصى ما يمكن تحقيقه من هذه الاعتداءات سواء الإسرائيلي أو داعش هو إطالة أمد الأزمة السورية لكيلا تستعيد عافيتها، وتبقى في عزلتها السياسية والاقتصادية، فهذا الأمر هو مطلب حيوي ومهم لإسرائيل التي بدأت تعتمد قصف عدة مناطق مختلفة في العدوان الواحد على عكس منهجيتها السابقة في التركيز على منطقة واحدة ولهدف واحد ومحدد كما حدث مع القيادي الفلسطيني الذي اغتالته بقصف المبنى الذي يسكنه وسط العاصمة السورية دمشق.
أداة للتلاعب السياسي
دعا نائب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز في اجتماع لمجلس الأمن الدولي روسيا وغيرها من “المدافعين عن نظام الأسد”، إلى حث دمشق على الاعتراف باستخدام أسلحة كيماوية، طبقاً لوكالات أنباء، قائلاً: “نعتقد أن مجلس الأمن مسؤول عن ضمان فرض العقوبات الوخيمة على الذين يستخدمون الأسلحة الكيماوية. لا يمكننا أن نبقى صامتين ولا يمكننا السماح أن يصبح استخدام الأسلحة الكيماوية مقبولاً أو طبيعياً، ومؤكداً أن الولايات المتحدة ترحب “بالمسار الموثوق والموضوعي والمهني”، الذي اتبعته الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية”.
لا شك بأن مطلب الولايات المتحدة الوحيد هو تجريم دمشق وسحب اعتراف بارتكابها جرائم الكيماوي حسب زعمها، على الرغم من أن الأخيرة كررت مئات المرات أنها سلمت كامل مخزونها الكيماوي وبرقابة دولية منذ العام 2014، وبطلب منهم، وبعد هذا العام تكررت العمليات الإرهابية التي تم فيها استخدام الكيماوي وتحييد المتهمين، واتهام الدولة السورية، لم يتوقف الأمر عند هذا الأمر، فلقد ثبت في هذا الأمر دور منظمة الخوذ البيضاء، لتكون النتيجة أن قدمت المانيا دعماً لهذه المنظمة بقيمة (5.1) ملايين يورو، ما يعني أن تجريم دمشق أمر مفروغ منه ويعبر عن ازدواجية المعايير الأمريكية والغربية، الأمر الذي يبين للدول الأخرى أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والتي من المفترض أن تتسم بالحيادية في أداء مهامها، تمتثل لأوامر واشنطن على حساب سمعتها التي فقدتها بعد تقديم الآلاف من الدلائل على ضلوع الإرهابيين باستخدام الغازات السامة ومنها غاز الكلور وعمليات نقله من دول الجوار وغير ذلك.
وأشار النائب الأول لمندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي في هذا الخصوص إلى أن: “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تتحول (إلى أداة للتلاعب السياسي، ومعاقبة غير المرغوب فيهم، داعياً إلى ضرورة “معالجة” منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تعاني من مرض التسييس المستشري فيها”.
أخيراً، تتفاقم الأوضاع في سوريا والمشهد اليوم أكثر تعقيداً من السابق، فعلى الصعيد الاقتصادي عادت أزمة نقص المحروقات وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وبدأت مفاعيل الحصار الاقتصادي تخنق الشعب السوري من كل النواحي، لكن الحصار ليس كل السبب، إن قيام قسد بإغلاق الطرق التي تتصل مع الوطن الأم وعدم بيعها للنفط للدولة السورية عبر وسطاء أيضاً ساهم في هذه الأزمات، إلى جانب الميدان المشتعل شرقاً، والذي يحول دون إمكانية محاولة وضع معالجة لهذا الأمر على المدى المنظور، في وقت تسعى واشنطن إلى مواصلة نهجها بما يتعلق بآلية الحكم في سوريا عبر إطالة أمد الأزمة السورية بغية إركاعها والإذعان لمطالبها، ما قد يؤخر أي بوادر حل يتطلع إليها الشعب السوري.
فريق عمل “رياليست”.