شهدت الساحة السورية تطورات عديدة على الصعيدين المحلي والدولي هذا الأسبوع، مع عودة الأعمال الإرهابية في سوريا لتتصدر واجهة المشهد السوي.
هل ستتغير السياسة الأمريكية مع تسلم بايدن السلطة؟
إن الأعمال العدائية التي تمارسها القوات الأمريكية في سوريا لم تقتصر على تواجدها غير الشرعي في الداخل السوري أو إستكمال سرقة النفط السوري وتهريبه إلى العراق بالتعاون مع تنظيم قوات سوريا الديمقراطية – قسد، رغم إثبات تورط إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، بعمليات سرقة النفط من خلال توقيع عقود مع شركات أمريكية.
الأبرز من ذلك، كانت القوات الروسية قد أطلقت عملية “الصحراء البيضاء” العسكرية للتخلص من فلول تنظيم داعش وسط البلاد، وحينها تم ذكر تفاصيل العملية ونجاحها، من خلال تأمين منطقة البادية السورية، الجديد في الأمر، أن الرقة كانت معقل التنظيم وتم تطهيرها منه، وهناك في معتقلات قسد المئات من المعتقلين المنتمين للتنظيم، وبالتالي إمكانية شن هجمات بالزخم المعتاد، هي فرضية بعيدة، إن لم يتم تقديم كل الدعم اللازم، فلقد شهدت منطقة البادية هجوماً عنيفاً للتنظيم على حافلات تقل جنود سوريين عائدين إلى مدنهم، الأمر الذي أسفر عنه قتل 25 جندياً وجرح العشرات.
وبالتالي، في رسم خارطة تحرك داعش في تلك المنطقة يتبين أنها بدأت من قاعدة التنف الأمريكية عند المثلث الحدودي السوري – العراقي – الأردني، وبالتالي إنكشف الدور الأمريكي مجدداً في عودة إحياء التنظيم، الولايات المتحدة لا تحتاج ذريعة للبقاء في سوريا، لكن هي تريد إنهاك الدولة السورية من خلال استهداف جسد المؤسسة العسكرية فيها، فالسياسة الخارجية الأمريكية اليوم متخبطة جداً، وتحاول تأجيج الصراعات في كل مكان تتواجد فيه، ولا أحد يعول على سياسة الديمقراطيين الخارجية، لكن مهما كانت شديدة لن تكون بالسوء الذي إفتعله الرئيس ترامب، كما أن آمال تغيير هذا النهج بعيدة جداً، لكن مجيء الرئيس المنتخب جو بايدن لن يكون بذات العقلية الأمريكية التي مارسها ترامب، رغم أن القرارات الأخيرة للدولة العميقة، لكن هناك حالة ترقب في أن تخفف الإدارة الجديدة من حدة ممارساتها في سوريا، التي لا تشكل لها إلا ضمان أمن قومي لإسرائيل.
الإرهاب يضرب مجدداً
إن الساحة السورية شهدت مؤخراً أعمال إرهابية كثيرة، تركزت في شمال غرب وشمال شرق البلاد، التي كانت تستهدف بطبيعة الحال الجيش السوري والمدنيين السوريين، لكن اليوم التطورات في هذا الخصوص تغيرت، وأصبح التركيز على استهداف القوات الروسية العاملة في سوريا، فلقد اعتدت الفصائل الإرهابية على ناقلة جنود روسية، وذلك بإطلاق صاروخ مضاد للدبابات، وعلى إثر ذلك تم جرح ثلاثة جنود روسيين، هذا الاستهداف تم من قبل فصائل موالية لتركيا، بحسب تأكيدات وزارة الدفاع الروسية، أثناء تأمين القوات الروسية، إخلاء القوات التركية ما يسمى “مركز مراقبة” في الجزء الجنوبي الشرقي من منطقة خفض التصعيد في إدلب.
في آخر إجتماع للشريكين الروسي والتركي في أنقرة، الذي كالبت فيه موسكو تخفيض عدد القوات التركية الموجودة في سوريا، لم يتحقق ذلك، إلا أن إخلاء نقاط المراقبة وتمركزها في بقعة جغرافية معينة، أفضل من إنتشارها على مساحات واسعة ومختلفة من المناطق السورية، وبالتالي، إن هذا الاستهداف وقبله عشرات الإستهدافات بالطيران المسير على قاعدة حميميم وإستهداف الدوريات الروسية، لا يمكن أن تكون تركيا دون علمٍ به، ومع مرور عشر سنوات من الأزمة السورية، لم تتصرف الفصائل الإرهابية يوماً دون أوامر مباشرة من المشغل التركي لها.
ولم يقتصر الأمر في محيط ادلب فقط، بل وصل إلى تفجير سيارة مفخخة على مدخل قاعدة روسية في ريف الرقة، هذا الأمر هو من أخطر ما يمكن أن تواجهه روسيا منذ عام دخولها إلى سوريا في 2015، فلقد تغيرت قواعد الاشتباك، وأصبح الروسي هدفاً للفصائل الإرهابية، ما يفقد الشراكة الروسية – التركية لأهميتها، وبالتالي تصبح لا قيمة لها، خاصة وأن الجميع يعلم علاقة تركيا بالأدوات الإرهابية على إختلاف مسمياتها في سوريا.
ولتغيير هذه المعادلة، لا بد من تغيير جوهري في قواعد الميدان، وعودة تنفيذ الطلعات الجوية تمهيداً للعمليات البرية لإنهاء هذا الوضع أو أنه سيكون متزايداً خلال الفترة الحالية، وهو ما سيعيق أي مشاريع مستقبلية لعل أبرزها إعادة الإعمار وهذا ما لا تريده روسيا.
انقلاب أممي على واشنطن
دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة في جنيف إلينا دوهان إلى رفع العقوبات الأمريكية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، مؤكدة أنها انتهاك لحقوق الإنسان ولا سيما مع انتشار جائحة “كورونا”، في حين أكدت وزارة الخارجية والمغتربين السورية أن البيان الأمريكي وما تضمنه من أكاذيب رداً على دعوة دوهان لرفع العقوبات عن سوريا، يبين إصرار الولايات المتحدة على نهج الهيمنة والغطرسة وسيطرة القطب الواحد وعدم الاستماع إلا للأصوات التي تناسب قراراتها في المنطقة.
واشنطن تقرر، والجميع يستجيب، بما في ذلك المنظمات الدولية، لكن ما خرج من الأمم المتحدة يبدو أنه خارج إرادة أمريكا التي تواصل الضغط على سوريا من خلال زيادة العقوبات والحصار عليها وعلى كل من يتعامل معها سواء أفراد أو شركات، الأمر الذي سيعيق كل إمكانية لعودة الإستقرار أو إعادة الإعمار، وهذا على المدى البعيد، لكن في ظل الأوضاع المتردية التي تعاني منها البلاد، الولايات المتحدة هي السبب المباشر في هذا الوضع، فهي تقول إنها تضغط على “نظام الرئيس الأسد”، لكن الواقع يقول إن الشعب السوري هو الوحيد الذي يعاني وفاقت معاناته حدود المعقول، والمجتمع الدولي على دراية تامة بهذا الوضع، وهناك مطالبات كثيرة من منظمات دولية وحقوقية، لكن واشنطن تأبى أن تمتثل لما يخفف عن معاناة الشعب السوري، وبالتالي هي تخالف وتنتهك القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أخيراً، إن الأوضاع متفاقمة في سوريا وعلى كافة الأصعدة، لا رابح من بين كل اللاعبين على أراضيها، لكن الخاسر الأكبر هي سوريا دولة وشعب، الملفات اليوم متشابكة ومعقدة ومتداخلة، لكن بروز اللاعب التركي إلى واجهة الأحداث مجدداً هو أمر يتطلب جهوداً أكبر من روسيا، ليس لإيجاد تفاهمات بقدر ما هو قرار حازم يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، فلقد إختبرت موسكو، أنقرة لسنوات وكان الإخلال بالتعهدات والإلتزامات هو السمة الأبرز، ولتغيير هذا الواقع يجب فرض شروط جديدة في هذا الإطار، أما على صعيد الإقتصاد ودور واشنطن، لن يستطيع أحد الجزم إلا لما بعد 21 يناير/ كانون الثاني 2021 أي موعد تسلم بايدن مقاليد الحكم، وإلى أن يحين هذا الوقت، سيبقى المشهد السوري على تعقيداته، والتي ستزداد بطبيعة الحال، نظراً للفوضى العامة في هذا الملف والتي سببها المباشر تركيا والولايات المتحدة وأدواتهم المخربة في البلاد.
فريق عمل “رياليست”.