إشتعال حرائق مناطق بعدما تبين أنها تحت السيطرة، في وقت هناك من يعمل على تأجيجها، خاصة في الشرق السوري وتحديداً في منطقة عين عيسى بريف الرقة الإستراتيجية.
لماذا الآن؟
عقب إحتلال تركيا لمدينة رأس العين في شمال شرق سوريا، شهدت المنطقة بعض الهدوء رغم أنه كان بمقدور القوات التركية إستكمال سيطرتها على مناطق أوسع من تلك المنطقة، وبذات الوقت شهدت المنطقة آنذاك معارك ضارية إنتهت بإحتلالها نظراً لأنها إستخدمت أقوى الأسلحة العسكرية لديها، فضلاً عن أن هناك جيش واسع من الإرهابيين يعمل تحت إمرتها، لكن تركيزها الآن يتجه نحو مدينة عين عيسى الإستراتيجية، فعلى الرغم من تسيير القوات الروسية لدوريات عسكرية في تلك المنطقة إلا أنها لم توقف القصف التركي المستمر عليها، ما يعني أن قراراً تركياً إتخذ بشأنها قد يفجر معركة جديدة لم تكن في الحسبان.
فمن جهة يقال إن هناك تنسيق ما بين تركيا وقوات تنظيم سوريا الديمقراطية – قسد، ومن جهة أخرى القصف مستمر من قبل الميليشيات الموالية لتركيا عليها، وبالطبع تحت ذريعة حماية الأمن القومي التركي، فبعد أن رفعت روسيا من حدة صوتها في هذا الخصوص، عاد الصمت ليتغلف المشهد مجدداً، حيث تركز السياسة الروسية الخارجية الآن على الجانبين السياسي والإقتصادي السوري، أكثر من الميداني.
أنقرة تعي تماماً أنها خارج أي مكاسب إقتصادية في سوريا وبالتالي تريد تحسين أوراقها التفاوضية خصوصاً بعد إنسحابها من مواقع عدة تعتبر حيوية وإستراتيجية في الشمال السوري، لكن هذا لا يعني إن حدث طارئ عسكري ما أنها ستقف على الحياد، بل ستعمل على دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة هناك، فهي الآن تستخدمهم وتنقل أعداداً كبيرة منهم إلى ليبيا، وبحسب المعلومات أنها نقلت قسماً منهم إلى إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، إضافة إلى نقلها قسماً آخر إلى الصومال، فرغم أن هذا التمدد التركي مريب، لكن الوضع التركي في سوريا متقلب وغير مستقر، فدول كثيرة ترى في النظام الرسمي السوري، نظاماً شرعياً، بعكس الحالة الليبية، التي تسيطر أنقرة فيها على القرار السياسي إلى حدٍّ ما.
إذ أن إنهاء القصف التركي والإرهابي على عين عيسى لم يحسم النتيجة بعد خاصة وأن هناك معلومات عن سيطرة الفصائل الإرهابية على قريتين منه، فإن تم ثبوت ذلك، فهذا يعني وفي غياب الأمريكي، أن قسد ستجبر على مد يدها إلى دمشق وموسكو، للتعاون ووقف الوضع، وقد يكون الصمت الروسي، في هذا الخصوص، خطة روسية غير معلنة تستطيع سحب قسد إلى التفاوض، بعدما كانت رافضة لهذا الأمر.
هل يتم إنقاذ دمشق من البوابة الروسية؟
بعيداً عن تفاصيل زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى العاصمة الروسية موسكو ولقائه عداً من المسؤولين الروس، فالشق السياسي الذي تم التباحث به هو ذاته، لا جديد فيه، المواقف في هذا الخصوص ثابتة ولم تتغير، لكن في الشق الإقتصادي ، الأوضاع السورية تحتاج إلى معجزة حقيقية للخروج أو التخفيف على أقرب تقدير من الأوضاع الصعبة التي تمر بها، فمسألة الكهرباء في سوريا مسألة ملحة، كذلك المواد الأساسية الاخرى، كل هذه الأمور من شأنها أن تجعل الحكومة السورية تفكر بمخارج خارجية تساعد في عملية صمودها على الحصار الغربي الجائر، في هذه الخصوص، ذكرت معلومات عن أن السفير الأمريكي الأخير في سوريا روبرت فورد، قال إن بلاده وأسلوب حصارها سوريا، لا تعاقب النظام فيها، فالطوابير الطويلة التي تقف في الصف بإنتظار ربطة خبز أو غيره، لن تجعل النظام يرتمي في الحضن الأمريكي، وبالتالي، إن واشنطن تعاقب الشعب الذي لا حول له ولاقوة.
هذا يعني أن هناك ظلم واقع، لكن لن يفيد كشف الغرب ودوره في إنقاذ سوريا، فلقد تعهدت روسيا منذ البداية بالوقوف إلى جانب سوريا في كل النواحي، ويكرر المسؤولون الروس بإستمرار، وقوفهم مع الشعب السوري، فزيارة المقداد، قد تحمل في طياتها إنفراجات واسعة وكبيرة من الناحية الإقتصادية، بدأت بالقمح، ولن تنتهي بتنفيذ الـ 140 مشروعاً المتفق عليهم بين الجانبين السوري والروسي، فهذا يعني أن من مصلحة موسكو تسريع الحل وإيجاد مخارج حقيقية لمسألة الوجود التركي، بينما الأمريكي فهذا موضوع مستقل لن يتبين خيره من شره، إلى أن تتوضح سياسة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والتي لا ينظر إليها من قبل سوريا أو دول المنطقة على أنها ستكون مختلفة عن الإدارات الأمريكية السابقة.
أخيراً، تسير الدبلوماسية الروسية على خطى ثابتة وتتبنى مبادرات كثيرة في سوريا، منها إحياء المصالحة الميتة في درعا بالجنوب السوري، بعد حوادث الإغتيالات الكثيرة فيها، وترعاها، كما تقول المعلومات عن تسلمها لمواقع من القوات الإيرانية في منطقة البوكمال، إضافة إلى تسييرها دوريات على تخوم الجولان السوري المحتل عند خط الفصل، هذه المؤشرات كلها، تصب في مصلحة سوريا، لكنها تحتاج إلى وقتٍ ليس بقصير حتى يتم ضمان كل اللاعبين الخارجين، لكن الأخطر الأكبر يكمن في الدور التركي ومدى إلتزامه بالإيفاء بتعهداته مع شريكه الروسي، وأما الإيراني إن صحت الرواية، فهو يبين حسن النوايا، لسد ذرائع إسرائيل في قصفها مواقع سورية، يبقى الشق الإقتصادي والمنتظر بحسب المعلومات أن تبدأ الإنفراجات بعد 20 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ما يعني أن كل التصعيد الحاصل اليوم سواء في منطقة عين عيسى أو غيرها، سيعقبه حلول سياسية، ففي المشهد السوري، تم إتباع سيناريو التصعيد الذي دائماً ما كان ينتهي بتسويات معينة في مجملها تكون لصالح الدولة السورية. كالتدخل الروسي الأخير لإعادة ضخ مياه محطة علوك في الحسكة بعد قيام تركيا بقطعها مجدداً.
فريق عمل “رياليست”.